حكومة لبنان & حكومة الإمارات

2021-09-26

حكومة لبنان & حكومة الإمارات

مدة القراءة 4 د.

من سوء حظّ لبنان أن يُنهي 13 شهراً من تعطيل تشكيل حكومته، قبل أيّام قليلة من الإعلان عن حكومة جديدة في الإمارات.

الفارق بين السياقين، اللبناني والإماراتي، يكاد يكون فارق حضارات لا فارق حكومات.

في لبنان تتشكّل الحكومة وفق قواعد تحاصصيّة صرفة، تؤخِّر أو تلغي التفكير في الإنجاز من سلّم أولويّاتها. يبدأ الخلاف من عدد الوزراء الذي يحدِّد الكثير من التوازنات داخل الحكومة: 24، 30، 18… إلخ! يأتي بعد ذلك توزيع الحقائب. البداية تكون من الحقائب السيادية والحقائب الدسمة وغيرها من تسميات الحياة السياسية اللبنانية.

للمتفائلين بحكومة الرئيس ميقاتي، فقاعدة التقويم بسيطة: حين تعمل كما تعمل دائماً، ستحصل على النتائج التي حصلت عليها دائماً، أي المزيد من الهراء والاهتراء

يسكن الثلث المعطِّل في كلّ تفاصيل اللغو الحكومي في لبنان. فالتعطيل هو لبّ الحياة السياسية لا العكس. والمتابِع للحكومة اللبنانية، سياسياً كان أم مراقباً أم مواطناً عادياً، ما عاد ينتبه إلى أنّ التعطيل هو ما تدور حوله السياسة لا الإنجاز. كلّنا مصابون بنوع من الخدَر الذي يقود إلى التطبيع مع ما ليس طبيعيّاً.

ثمّ تأتيك الأنباء من دولة الإمارات، بالتزامن تقريباً مع تشكيل حكومة لبنان، حيث الساحر الإماراتي سحب من قبّعته للتوّ حكومة جديدة. وفي الإعلان عن التشكيل الحكومي الجديد، يعلن محمد بن راشد لا عن حكومة فقط، بل عن “منهجيّة جديدة للعمل الحكومي الاتّحادي للخمسين عاماً الجديدة”، وذلك مع مرور 50 عاماً على تأسيس الإمارات.

منهجيّة جديدة بالمقارنة مع ماذا؟ مع المنهجية الجديدة السابقة قبل عامين أو أكثر أو أقلّ؟ لا يترك سؤالك من دون إجابة، وهو يعلم أنّه يدور في بالك.

يقول في رسالة التهنئة للحكومة الجديدة: “نحن بحاجة إلى تغيير أدوات التغيير التي نستخدمها”. سبع كلمات لا أكثر ولا أقلّ تسلّمك مفتاح العقل السياسي والحكومي الذي يدير الإمارات، ويصنع منها قصّة النجاح التي هي عليه الآن. لا ثلث معطِّل ولا وزير ملك ولا معادلات محاسبيّة من نوع ثلاث ثمانيات أو “تسعتان وستة”. و”حكومة الشباب” ليست فصلاً قصيّاً من فصول التاريخ، بل واقع يوميّ يشبه الإمارات وتشبهه. والأهمّ أنّه ليس في التشكيل الإماراتي “أرقام صعبة”، على مثال: “فلان رقم صعب في المعادلة الحكومية”، أو: “لعيون فلان عمرها ما تتشكّل حكومة”.

مَن بقي في وزارته بقي بقوّة الإنجاز والتميّز. لا طائفة تحمي محمد قرقاوي. لا مصاهرة تحمي الدكتور سلطان الجابر. لا حزب يهوِّل بالويل والثبور وعظائم الأمور ما لم تُوزَّر نورة الكعبي. هذه بضعة من كوكبة من الأسماء التي تشكِّل الحكومة الإماراتية الجديدة، بجديدها وقديمها، التي لا ضامن أو حامي لها إلا سجلّها في التميّز وفق “مؤشّرات الأداء الرئيسية” التي تضعها القيادة.

أستميح القارئ، الذي أصابه النفور منّي عند هذه النقطة، بسبب ما قد يراه فائض المديح للإمارات، أن يكمل معي قليلاً، وأن يعطي نفسه فرصة التعرّف على اثنين من أسماء الوزارات في الحكومة.

وزارة لريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسّطة، أو ما يُسمّى في مختصرات اللغة الاقتصادية “SMEs”، كالمطاعم والأندية الرياضية والمتاجر الصغيرة والمتوسّطة والعيادات الطبّيّة وغيرها الكثير من المشاريع الصغيرة والمتوسّطة التي تعدّ اليوم في تصنيفات البنك الدولي من أهمّ محرّكات نمو الاقتصاد وتوفير الوظائف ودعم الابتكار. قارن ذلك مع وزير البطاطا والبندورة والحفاضات..

وزارة للذكاء الصناعي والاقتصاد الرقميّ وتطبيقات العمل عن بعد!!

تخيّل!!!!!

وزارة لتطبيقات العمل عن بعد.

هذه وزارة ينطبق عليها مفهوم وزارة ما بعد كورونا.

ثمّة، إذاً، مَن يفكّر بعقل ما بعد كورونا، وثمّة مَن لا يزال يفكّر بعقل ما قبل الطاعون.

نحتاج إلى صفعة كصفعة حكومة الإمارات، لندرك أيّ قعرٍ جهنّميٍّ نهوي إليه.

المفارقة أنّ ثمّة مَن سيمتدح الديموقراطية اللبنانية ويذمّ الحكم السياسي غير الديموقراطي في الإمارات!

إقرأ أيضاً: بل كيف تشكّلت حكومة لبنان؟

عزيزي صاحب الفكرة العبقريّة أعلاه: إنّ أوّل وزارة نحتاج إليها في لبنان في أيّ تشكيل حكومي ذي طبيعة مستقبلية، هي وزارة “مكافحة الهراء”…

أمّا للمتفائلين بحكومة الرئيس ميقاتي، فقاعدة التقويم بسيطة:

حين تعمل كما تعمل دائماً، ستحصل على النتائج التي حصلت عليها دائماً، أي المزيد من الهراء والاهتراء…

إقرأ أيضاً

أميركا “بايدن” ليست أميركا “أيزنهاور”

لماذا جو بايدن ليس قويّاً ولا حاسماً؟ ولماذا بايدن في غزة ليس الجنرال أيزنهاور مع إسرائيل في حرب السويس؟     منصب الرئيس الأميركي هو…

1958، 1967، 2024

يعيش لبنان على خطّ زلزال يشبه الزلزال الذي ضربه بين عامَي 1958 و1975، وهدم الدولة بكامل أركانها وشرّع الكيان على خطر الاندثار. فما يمرّ به…

“لُغة” معراب: إسرائيل “مظلومة”

“سقطة” كبيرة وقعت فيها معراب في بيانها الختامي يوم السبت. قدّمت لغةً لا تصلح لتكون جامعة. بل لغة تقدّم إسرائيل على أنّها “مظلومة”. وتجهّل “الفاعل”…

العراق: “السلطان” التركي.. بمواجهة “الفقيه” الشيعي؟

قد لا يكون من السهل تجاوز الكلام الصادر عن خميس الخنجر، الذي يُعتبر أحد أبرز قيادات المكوّن السُنّي. وهو زعيم “تحالف عزم”. وصاحب “المشروع العربي”….