العراق: “السلطان” التركي.. بمواجهة “الفقيه” الشيعي؟

2024-04-28

العراق: “السلطان” التركي.. بمواجهة “الفقيه” الشيعي؟

قد لا يكون من السهل تجاوز الكلام الصادر عن خميس الخنجر، الذي يُعتبر أحد أبرز قيادات المكوّن السُنّي. وهو زعيم “تحالف عزم”. وصاحب “المشروع العربي”. كلامه تعليقاً على الانتقادات التي رافقت اللقاء الذي جمع بين قيادات هذا المكوّن مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال زيارته الأخيرة إلى العراق.

 

خميس الخنجر في موقف غير مسبوق بوضوحه ومباشرته. اعتبر أنّ الرئيس التركي رجب طيب “إردوغان عندنا (أي أهل السُنّة في العراق) مثل خامنئي عند الشيعة”. في خطوة سياسية يمكن اعتبارها بمثابة تعبير عمّا يواجهه أهل السُنّة في العراق من غياب أو عدم وجود قيادة عراقية قادرة على أن تلعب دور الناظم لأمورهم وتنهض بمطالبهم في العملية السياسية العراقية.

هذا الكلام أو الموقف الصادر عن الخنجر، يكشف على بساطته ووضوحه، عن حجم الاحباط والتخبّط الذي يعيشه هذا المكوّن. ويكشف عن غياب المشروع الواضح لديهم. فضلاً عن اأنه يسعى لتنميط المكوّن الشيعي العراقي المنافس ووضعه في قالب أو إطار واحد. وبذلك يسقط عنه حق التنوّع والتعدّد، من خلال رمي الشيعة جميعاً في الحضن الإيراني وتبعيته لولي الفقيه. وذلك في محاولة منه لتسويغ العلاقة أو الولاء السُنّي للدولة التركية أو “السلطان” التركي.

التأسيس لصراع دمويّ

خطورة هذا الكلام تكمن في أنّه يقدّم تنميطاً نهائياً وحاسماً للشريك الشيعي. في المقابل يسقط حق الاعتراض أو الرفض لأي محاولة لتنميط المكوّن السُنّي، إذا ما ذهب إلى الاحتماء بظل السلطان والخليفة. وبالتالي فإنه يخرج القوى السياسية العراقية جميعها في المكونين السُنّي والشيعيّ من دائرة الولاء الوطني ويفصلها عن عمقها العربي. ويضعهما في خدمة مشاريع إقليمية غير عربية، من الطبيعي أن لا تهتم لمصالح العراق. وإنما تعمل على استخدام العراق في إطار مصالحها الخاصة.

هذا الكلام يسقط أيضاً كل الذرائع والحجج التي كانت ترفعها قوى سياسية وطنية عراقية، داخل المكوّن الشيعي لمواجهة الفصائل السياسية والمسلحة الموالية لإيران. تلك التي تهيمن على العملية السياسية ومؤسسات الدولة وتتقاسمها حصصاً وإدارات.

تنميط المكوّن الشيعيّ قد يكون الهدف منه تسويغ النتميط الجديد للمكوّن السُنّي في العراق

كلام الخنجر يغلّب الموقف السياسي على الخصوصية الفقهية والاجتماعية التاريخية للمكوّن الشيعي. ويسلب عنه الخصوصية العراقية والعربية. في موقف يسقط من حساباته التمايز الواضح بين مدرستين فقهيتين. ويؤسّس بشكل تعسفي يختزن إمكانية عالية لصراع مستقبلي قد يكون دموياً، بين المكوّنين الشيعيّ والسُنّي. وذلك على خلفية صراع المصالح بين الجهات التي يواليها كلّ من الطرفين، أو يرتبط أحدهما، أو كلاهما معها، ما وراء حدود العراق. أيّ صراع مصالح “السلطان” أو “الخليفة”، مع  مصالح “الوليّ الفقيه”.

العراق

كلام “يظلم” مرجعية النجف

تنميط المكوّن الشيعيّ، قد يكون الهدف منه تسويغ النتميط الجديد للمكوّن السُنّي في العراق. لكنّه يسقط أيضاً الدور والموقع الذي لعبته وتلعبه وتمثله المرجعية الشيعية في النجف الأشرف وحوزتها العملية. التي وضعت في صلب اهتماماتها مصالح العراق والعراقيين الوطنية والقومية. ووقفت إلى حدّ كبير في وجه كل المساعي والجهود التي بذلت لالحاق العراق بالمرجعية الإيرانية التي تتلخص بموقع ولي الفقيه، أو المرشد الاعلى بوصفه “ولي أمر المسلمين” عامة. خاصة وأنّ مرجعية النجف كان لها موقف واضح من مسألة جوهرية من أحزاب الإسلام السياسيّ الشيعية. وما يتعلق بمفهوم ودور المؤسسة الدينية في السلطة والحكم. أي أنها تمسّكت بموفقها وقراءتها الفقهية لموقع المرجعية الدينية في الولاية الخاصة. الذي يختلف بالنسبة إليها عن مفهوم الولاية العامة، أو المطلقة التي تعني الحكم والسلطة والإشراف على كل تفاصيل الحياتين السياسية والاجتماعية.

هناك خطورة أخرى عن ضرورة تشكيل “إطار تنسيقي سُنّي” على غرار الإطار التنسيقي الشيعي

وعلى ما في هذا الكلام من خطورة رسم إطار، يضع المكوّن الشيعي داخله ولا ينظر أو يأخذ بعين الاعتبار كل الأصوات من خارج هذا الإطار، فإنه في المقابل، يشكل محاولة داخل المكوّن السُنّي أكثر خطورة تعمل على تأطير هذا المكوّن. وتنميطه وتحديد اتجاهاته ومتداداته الخارجية على حساب البعد والمصلحة الوطنية. وبالتالي فخطورته في أنّه يدفع السُنّة للابتعاد عن عمقهم العربي. بعد أن أخرج الشيعية من هذا العمق. على الرغم من أنّ العراقيين من أبناء هذين المكوّنين، يمثلون امتداداً وجزءاً من هذا العمق التاريخي، يصل إلى ما قبل الفتوحات العربية في صدر الإسلام.

طرح يكشف عمق الأزمة السُنيّة

هناك خطورة أخرى في الحديث الذي دار في الأيام الأخيرة، عن ضرورة تشكيل “إطار تنسيقي سُنّي” على غرار الإطار التنسيقي الشيعي. بغض النظر عن صحّة المعلومات عن أنّ اللقاء الذي جمع قيادات هذا المكوّن مع الرئيس – السلطان التركي رجب طيب إردوغان في بغداد ناقش هذا الطرح أو لم يناقشه. .الخطير أنه يكشف أو يبيّن مدى وحجم الأزمة التي تعيشها هذه القيادات وعمقها. بسبب عدم قدرتها على ضبط مستوى صراعاتها تحت سقف مصالح المكون والشراكة الوطنية. على العكس من الإطار التنسيقي الشيعي المنافس الذي كرّس مفهوم مصلحة المكوّن على مصالح القوى والأحزاب الشيعية الخاصة من دون إلغائها أو ضربها. لكنه انطلق من قاعدة أنّ مصالح هذه القوى تتحقق من خلال تحقيق مصالح المكوّن أولاً.

لعل المؤشر على هذا المسار، هو المعركة التي خاضها الإطار التنسيقي في الصراع الذي نشب بينه وبين مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، المنسحب من الإطار. فهناك معركة قاسية خيضت بينهما على خلفية أزمة تشكيل الحكومة بعد الانتخابات المبكرة التي جرت يوم 10/ 10/ 22. وذلك عندما حاول الصدر الذهاب إلى حكومة أغلبية وطنية منفرداً وعلى حساب قوى البيت الشيعيّ أو بعيداً عنهم.

هذا الكلام أو الموقف الصادر عن الخنجر يكشف على بساطته ووضوحه عن حجم الاحباط والتخبط الذي يعيشه هذا المكوّن

في حين تمسّك الإطار التنسيقي بضرورة أن تخرج الحكومة، ممثلة لوحدة هذا البيت من دون إسقاط حق الصدر في المشاركة. خاصة عندما وجد الإطار أنّ شعار الصدر وحكومة الأغلبية ستكون على حساب مصالح المكوّن وقواه السياسية والفصائلية. وهذه القراءة للموقف لا تسقط من الاعتبار المصالح الإيرانية التي اختبأت خلف مطالب الفصائل الموالية لها وعملت على دعمها وتعزيز موقفها.

في المقابل، وعلى الرغم من معركة إزاحة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي من موقعه على رأس السلطة التشريعية، التي تعتبر أكبر استحقاق للمكوّن السُنّي في العملية السياسية… كانت تلك المعركة في جزء منها تلبي رغبة أقطاب في الإطار التنسيقي الشيعيّ للتخلّص من مراكز القوى داخل المكوّنات الأخرى. إلا أنّ القوى السياسية وأحزاب المكوّن السُنّي لم يكن دورها في هذه المعركة أقل تأثيراً من دور بعض أطراف الإطار التنسيقي الشيعيّ. إذ أنّ الحلبوسي على الرغم من كل ما يحيط به من اشكاليات تتعلّق بمحاولته للتفرّد بزعامة المكون وإلغاء القوى الاخرى، وقع فريسة الصراعات السياسية بين هذه القوى. لأنّها لم تأخذ مصالح المكوّن العامة كمنطلق لموقفها. الأمر الذي سهّل عملية التخلّص منه والابقاء على الموقع السُنّي الأول شاغراً حتى الآن نتيجة استمرار هذه الصراعات.

إقرأ أيضاً: العراق بين سندان إيران ومطرقة تركيا

وبالتالي فإنّ الذهاب إلى فرضية تشكيل إطار تنسيقي سُنّي. لا تبدو ممكنة في ظل استمرار هذه الصراعات والانقسامات على خلفية مصالح كل طرف وسعيه للتفرّد بتمثيل هذا المكوّن.

مواضيع ذات صلة

خدمة قدّمها خطاب خامنئي

تختصر خطبة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في تأبين حسن نصرالله، كلّ العلل التي أصابت لبنان، ولم تزل.   دعوته للّبنانيين أن “قاوموا”، مصحوبةً بلغة…

يتغيّر اللّاعبون ويبقى الشّرق الأوسط نفسه

لا تزال الضحايا السياسية تتهاوى من واشنطن بعد عام على طوفان الأقصى من طهران وصولاً إلى دمشق ومعهم آلاف الضحايا من اللبنانيين والفلسطينيين.   عام…

عام على 7 أكتوبر: حروب التّفاسير و”مكانك راوح”

بعد عام كامل على عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حركة حماس في غلاف قطاع غزة، وجرّت حرباً إسرائيليةً وحشيةً على الشرق الأوسط برمّته، لا على…

5 أسابيع حاسمة في تاريخ الشّرق الأوسط

تجري الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 تشرين الثاني المقبل. يفصل الشرق الأوسط عن ذلك أقلّ من 5 أسابيع تبدو ناظمة لحسابات إدارة الرئيس جو بايدن،…