معنى الردّ الإيرانيّ و”اليوم التالي”

2024-04-15

معنى الردّ الإيرانيّ و”اليوم التالي”

مدة القراءة 4 د.

لا تحتمل إيران ردّاً أكبر ممّا فعلته ليل السبت فجر الأحد الفائت، ولا تحتمل ردّاً أقلّ من ذلك. 

كان الهجوم الإيراني أقرب إلى عرض ناري منه إلى تهديد جوهري لمصالح إسرائيلية. فعلى الرغم من الألعاب النارية التي أضاءت السماء، إلا أنّ 99% من المقذوفات الإيرانية تمّ اعتراضها بنجاح ومنعها من التسبّب بخسائر في الأرواح أو المنشآت الإسرائيلية الحيوية، بحسب بيان الجيش الإسرائيلي.

 

4 حسابات إيرانية أساسية

بيد أنّ هذا الردّ يُبرز حسابات إيران الدقيقة في الشرق الأوسط والأهداف الاستراتيجية التي تسعى إلى تحقيقها.

أوّلاً، تحرص إيران على أن لا يؤدّي ردّها إلى توسع النزاع في الشرق الاوسط. وأن لا تضطرّ إلى الخضوع لامتحان المواجهة المباشرة مع إسرائيل. فهي تدرك تماماً حجم الاختلال في ميزان القوى العسكري والسياسي والدبلوماسي لمصلحة إسرائيل. كما تدرك أنّ أيّ مواجهة على هذا المستوى هي مواجهة مع ائتلاف دولي، وربّما إقليمي، لا قدرة لها على مقاومته.

ثانياً، يعزّز الردّ المحسوب صورة إيران كدولة مرنة وقادرة في مواجهة العدوان الإسرائيلي. فعلى الرغم من إدراكها لفاعلية الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية، القادرة على إحباط أيّ هجوم إيراني، إلا أنّ إيران مضت قدماً بردّها. ففكرة الردّ بالنسبة لإيران أهمّ من الردّ نفسه وطبيعته وحجمه.

ثالثاً، لا شيء يخدم الدعاية الإيرانية أكثر من إبقائها في دائرة الأضواء العالمية. إنّ ردود فعل المجتمع الدولي التي سبقت الهجوم الإيراني، والدعوات الكثيفة لإيران إلى أن تلتزم ضبط النفس، لا تعزّز مكانة إيران فحسب، بل تصوّرها أيضاً كقوّة هائلة قادرة على التأثير على الدبلوماسية العالمية.

يمكن لإيران أن تحتفل في المدى المنظور بما حقّقته لها هذه الضربة. بيد أنّ التدقيق في تفاصيل ليلة السبت يظهر جوانب أخرى

غالباً ما تراهن إيران على أن يؤدّي هذا الاهتمام المتزايد بها إلى مفاوضات دبلوماسية وتحسين الموقف التفاوضي لنظام الملالي. وربّما تخفيف العقوبات أو اكتساب المزيد من النفوذ السياسي الإقليمي.

رابعاً، يسلّط الاستنفار من جانب الدول العظمى الضوء على الدور الذي تلعبه إيران كقوة إقليمية محورية. وهو التصوّر الذي تستغلّه القيادة الإيرانية في عملية تعزيز شرعيّتها في الداخل. فمن خلال تأطير تصرّفاتها باعتبارها ردود أفعال على عدوان خارجي دائم ضدّها، تستطيع الحكومة الإيرانية تبرير استراتيجياتها العسكرية والسياسية أمام شعبها، والتلاعب بالرأي العامّ لتصوير النظام كحامٍ للمصالح الإيرانية العميقة.

“إعادة تقييم” في المنطقة

يمكن لإيران أن تحتفل في المدى المنظور بما حقّقته لها هذه الضربة. بيد أنّ التدقيق في تفاصيل ليلة السبت يظهر جوانب أخرى.

مع انتقال المواجهة بين إيران وإسرائيل إلى هذا المستوى العلني، ليس غريباً أن تسعى إيران إلى مضاعفة الاستثمار في تطوير قدراتها الصاروخية

اعتراض إسرائيل لـ 99% من الصواريخ والمسيّرات الإيرانية يؤكّد لكلّ من تابع الخبر الفارق العملاق في القدرات العسكرية والتكنولوجية بين البلدين. فالهجوم الإيراني، المراد منه إظهار القوّة، كشف في الواقع عن حدود القدرات الإيرانية في مواجهة أنظمة دفاعية متطوّرة مثل القبّة الحديدية الإسرائيلية وغيرها من الأنظمة.

بين ضربة دمشق، حيث قصفت إسرائيل قنصلية إيران، والكثير من القصف الإسرائيلي قبلها، وبين الردّ الإيراني والتصدّي الإسرائيلي له… أكّدت إسرائيل مجدّداً تفوّقها الدفاعي والهجومي في الشرق الأوسط.

‏والحال هذه، لم تعزّز إسرائيل قوّة ردعها في مواجهة إيران فحسب، بل في مواجهة كلّ خصومها في المنطقة. وبعثت برسائل إلى جميع المعنيّين في المنطقة. ‏وربّما هذا ما سيدفع دول الجوار والقوى الإقليمية الأخرى، المتابعة لتفاصيل المواجهة بين إسرائيل وإيران، إلى إعادة تقويم تحالفاتها واستراتيجياتها الدفاعية والدبلوماسية. وذلك في ضوء الحقائق التي تترسّخ في الشرق الأوسط.

‏في جانب آخر، ومع انتقال المواجهة بين إيران وإسرائيل إلى هذا المستوى العلني، ليس غريباً أن تسعى إيران إلى مضاعفة الاستثمار في تطوير قدراتها الصاروخية لتصبح تهديداً حقيقياً في المستقبل. ولن يكون مستغرباً أن تسعى إيران إلى زيادة التحرّش بجيرانها العرب لتضمن أنّ هيبتها مصونة.

إقرأ أيضاً: خطر: Non State actors

بهذا المعنى، لا يتأتّى الخطر الداهم في الشرق الأوسط ممّا سيعقب الهجوم الإيراني على إسرائيل من ردود محتملة. يكمن الخطر على استقرار الشرق الأوسط في الديناميات الدبلوماسية والعسكرية المعقّدة التي أطلقتها المواجهة العلنية غير المسبوقة بين إسرائيل وإيران… وما سترتّبه على تموضع الدول المعنيّة تجاه كلّ من إيران وإسرائيل.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@NadimKoteich

إقرأ أيضاً

أميركا “بايدن” ليست أميركا “أيزنهاور”

لماذا جو بايدن ليس قويّاً ولا حاسماً؟ ولماذا بايدن في غزة ليس الجنرال أيزنهاور مع إسرائيل في حرب السويس؟     منصب الرئيس الأميركي هو…

1958، 1967، 2024

يعيش لبنان على خطّ زلزال يشبه الزلزال الذي ضربه بين عامَي 1958 و1975، وهدم الدولة بكامل أركانها وشرّع الكيان على خطر الاندثار. فما يمرّ به…

“لُغة” معراب: إسرائيل “مظلومة”

“سقطة” كبيرة وقعت فيها معراب في بيانها الختامي يوم السبت. قدّمت لغةً لا تصلح لتكون جامعة. بل لغة تقدّم إسرائيل على أنّها “مظلومة”. وتجهّل “الفاعل”…

العراق: “السلطان” التركي.. بمواجهة “الفقيه” الشيعي؟

قد لا يكون من السهل تجاوز الكلام الصادر عن خميس الخنجر، الذي يُعتبر أحد أبرز قيادات المكوّن السُنّي. وهو زعيم “تحالف عزم”. وصاحب “المشروع العربي”….