سباق بين الانتخابات الأميركية والإسرائيلية.. الرهان على السعودية

2024-04-04

سباق بين الانتخابات الأميركية والإسرائيلية.. الرهان على السعودية

مدة القراءة 9 د.

داخل الإدارة الأميركية نفسها خلافات واختلافات حول كيفية مقاربة ملفّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وانعكاسها على مسار الانتخابات الرئاسية.

داخل إسرائيل، صراعات متنوّعة ومتشعّبة سياسياً داخل الحكومة وخارجها، وداخل الكنيست، وهو ما يضع إسرائيل على طريق الذهاب إلى انتخابات مبكرة مرجّحة في شهر أيلول المقبل وفقاً لتصريح الوزير بمجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس الذي قال: “علينا الاتفاق على موعد للانتخابات بحلول شهر أيلول”. فيتحوّل المشهد إلى سباق بين الانتخابات الأميركية والإسرائيلية. في مقابل هذه الاختلافات، لا تزال الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى طرح رؤيتها لوقف الحرب والبحث في مرحلة ما بعدها، بخلاف الإصرار الإسرائيلي على إطالة العملية العسكرية. تتشبّث واشنطن بطروحات تقدّمت بها في الأيام الأولى لاندلاع عملية طوفان الأقصى، ولذلك يبقى رهانها على السعودية. ومن أجل هذا الهدف حدّدت زيارة جديدة لمستشار الأمن القومي جيك سوليفان لجدّة.

المسؤولية الكبرى للولايات المتحدة

في إحدى زيارات مسؤول أميركي كبير غالباً ما يعمل في الخفاء، للمنطقة العربية والخليج. التقى بأحد أصدقائه، الذي عاجله بالسؤال عن نتائج جولته في عدد من دول المنطقة، وعن تبلور صيغة حلّ لتجنّب المزيد من المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة. فقال المسؤول الأميركي الذي يعرف المنطقة جيّداً، ويوصف بأنّه الأكثر خبرة بشؤون العرب، ولا سيما القضية الفلسطينية، إنّ الولايات المتحدة الأميركية تتحمّل الجزء الأكبر من مسؤولية ما جرى. فهي لم تقابل الطروحات العربية بجدّية للوصول إلى حلّ للقضية الفلسطينية، وكان متوقّعاً أن تنفجر. وفي قراءته لواقع الإدارة الأميركية، وصف المسؤول الأميركي الرئيس جو بايدن بـ”الأكثر صهيونية”. حتى إنّ أركان الإدارة المقرّبين غالبيّتهم من المتحمّسين جداً لدعم إسرائيل، وخصوصاً جيك سوليفان، بريت ماكغورك، أنتوني بلينكن وغيرهم. فهؤلاء جميعهم يؤيّدون إسرائيل ويدعمونها بالمطلق، بغضّ النظر عن كلّ الاعتراضات على بعض المجازر أو محاولة كبح جماح بنيامين نتنياهو وثنيه عن خوض معركة رفح. فلا خلاف أميركياً إسرائيلياً على الهدف والنتيجة، إنّما على الشكل.

 طرح الأميركيون رؤيتهم للحلّ الذي لا يزال متعثّراً، وهو خوض الحرب وبعدها سقوط حكومة نتنياهو

اعتبر المسؤول الأميركي أنّ معركة رفح واقعة، أو بالحدّ الأدنى النتائج المبتغاة منها ستكون محقّقة بغضّ النظر عن الظرف والتوقيت. ويعلم أنّ الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بالتحديد يسعون إلى إطالة أمد الحرب. فهو نرجسي إلى حدود بعيدة، ويسعى إلى أن يكون المسؤول الإسرائيلي الذي خاض أطول حرب. وحقّق أهدافها التي ستشكّل عنصراً جديداً من عناصر إطلاق عصر إسرائيلي جديد برؤية تأسيسية. وبالتالي الرجل يطمح إلى تجاوز ما حقّقه أسلافه، وخصوصاً بن غوريون. ونقطة ضعف نتنياهو أنّه أوّل رئيس وزراء إسرائيلي يأتي من جيل ما بعد عام 1948. أي أنّه من الجيل الذي ولد بعد ولادة دولة إسرائيل، ويريد لها ولادة ثانية على يديه.

ممّا رواه المسؤول الأميركي أيضاً الأخطاء الكثيرة التي وقعت فيها الإدارة الأميركية بعيد وقوع طوفان الأقصى، والتي تمثّلت بمواقف أو تسريبات تؤيّد الهدف الإستراتيجي الإسرائيلي في تهجير سكّان قطاع غزة إلى صحراء سيناء. بالإضافة إلى الدعم المطلق الذي مُنح لإسرائيل في تصريحات بالصوت والصورة لمسؤولين أميركيين. يبني نتنياهو كلّ مشروعه الحربي والسياسي على هذا الدعم. ولذلك لا يعود هناك أيّ معنى لتراجع أميركا عن هذا الدعم لأنّه سينقلب ضدّها، وخصوصاً في مرحلة الانتخابات الرئاسية.

بالتزامن مع هذا الدعم المطلق في البداية، طرح الأميركيون رؤيتهم للحلّ الذي لا يزال متعثّراً. وهو خوض الحرب وبعدها سقوط حكومة نتنياهو وإجراء انتخابات جديدة للإتيان بغير المتطرّفين إلى الحكم، في مقابل إسقاط سلطة حماس في غزة واستقالة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وإعادة تشكيل القيادة الفلسطينية بعناصر جديدة. الخطأ الذي سجّله المسؤول الأميركي على الإدارة الأميركية حينها هو عدم طرحها مسألة حلّ الدولتين بشكل جدّي. لا بل الاكتفاء بالنقاش في مرحلة كيفية حكم قطاع غزة بعد حماس. فيما جاء التأييد الأميركي الكلاميّ لحلّ الدولتين أو للاعتراف بالدولة الفلسطينية متأخّراً.

داخل الإدارة الأميركية نفسها خلافات حول كيفية مقاربة ملفّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وانعكاسها على مسار الانتخابات الرئاسية.

ما أشار إليه المسؤول الأميركي هو أنّ إسرائيل لا تتخلّى عن أهدافها الاستراتيجية. ومن عادة أميركا أيضاً عدم التخلّي عن مشاريعها الاستراتيجية، ومهما تأخّرت فهي تعود إليها ريثما يسمح الظرف. الهدف الإسرائيلي بتهجير سكّان القطاع لا يزال هو البوصلة بالنسبة لإسرائيل، وله صدى أميركي منذ ولاية دونالد ترامب ورؤية صهره جاريد كوشنر.

هل تسقط حكومة نتنياهو؟

من الخلافات المستمرّة داخل الإدارة الأميركية مسألة الانتخابات المبكرة في إسرائيل وإسقاط الحكومة. صحيح أنّ بعض المعلومات الغربية تشير إلى شهر حزيران كموعد لسقوط حكومة نتنياهو، لكنّ النقاش هو حول المدّة التي تفصل بين استقالة الحكومة وموعد الانتخابات، وهي ثلاثة أشهر. في حال سقطت الحكومة في حزيران فهذا يعني أنّ موعد الانتخابات سيكون في شهر أيلول وهو ما أكّده غانتس. أي سيكون هناك تزاحم بين الانتخابات الإسرائيلية والأميركية. كما سيكون نتنياهو في هذه الأشهر، التي تعتبر فيها الحكومة مستقيلة، حاكماً مطلقاً غير خائف من إسقاط حكومته. وسيمضي في حربه بشراسة أكبر، ولا أحد يمكن أن يتوقّع ما سيقدم عليه. وهو الذي يكثر من استفزازاته لإيران وللحزب في محاولة لاستدراجهما إلى حرب واسعة تنخرط فيها أميركا.

غزة

عاد المسؤول الأميركي إلى تقويماته، باعتبار أنّ الدول العربية ولا سيما السعودية تبدو الأكثر حرصاً على الخروج بحلّ عادل للقضية الفلسطينية، وأنّ ما طرحته السعودية يسعى إلى الحفاظ على الشعب الفلسطيني في أرضه وبناء دولته. بعيداً عن كلّ مشاريع التهجير التي استدرجها العنف أو فتح لها طريقاً من غير المعروف كيف سيتمّ إغلاقه. لا سيما أنّ هذا التهجير ينذر بخطر باتجاه مصر والأردن معاً. اعتبر المسؤول الأميركي أنّ السعودية كانت سبّاقة في طرح حلّ الدولتين. فلم يستفد منه الأميركيون ولا الإسرائيليون، لكنّهم سيكونون ملزمين بالعودة إليه.

 لا يقف المشروع عند هذا الحدّ بل يهدّد أمن الأردن من خلال طموحات إسرائيلية بالانقضاض على الضفة بعد حرب غزة

في هذا السياق، تبرز زيارة جيك سوليفان للسعودية ولقاؤه الأمير محمد بن سلمان، لإعادة البحث في مسار رؤية الحلّ للقضية الفلسطينية وفتح مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل. كان هذا الطرح متقدّماً في مرحلة ما قبل عملية طوفان الأقصى. طرحت السعودية أربعة شروط لتحقيقه، أهمّها إنشاء دولة فلسطينية ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة. بالإضافة إلى برنامج نووي سلمي، ومعاهدة دفاع مشتركة مع الولايات المتحدة، واستئناف عمليات شراء ونقل خبرات وتوطين الأسلحة المتطوّرة. يزور سوليفان السعودية مزوّداً بموقف أميركي يشير إلى الاستعداد للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

بمواجهة هذا المشروع، يصرّ نتنياهو على موقفه برفض الاعتراف بدولة فلسطينية. فهو الذي جاء على أنقاض اغتيال إسحاق رابين شريك اتفاق أوسلو ومنح الفلسطينيين جزءاً من حقوقهم. ويسعى إلى استكمال مشروعه التهجيري بخوض معركة رفح أو بدونها. يتناقض مشروع نتنياهو مع كلّ المشاريع الأميركية أو العربية، وتحديداً السعودية. فهو يصرّ على تهجير سكّان القطاع إلى سيناء. وفي حال تعثّر ذلك، فقد أعلن سابقاً التفاوض مع دول في إفريقيا لاستقبالهم. كما تفاوض مع دول غربية لفتح أبواب الهجرة لأعداد منهم. لا يقف المشروع عند هذا الحدّ، بل يهدّد أمن وسلامة الأردن من خلال طموحات إسرائيلية بالانقضاض على الضفة الغربية بعد حرب غزة لتهجير الفلسطينيين منها أيضاً.

تسرّب فلسطيني باتجاه مصر

كشف المسؤول الأميركي عن حصول عمليات تسرّب فلسطينية باتجاه مصر، وسط تزايد المخاوف من تحوّل الميناء العائم على شاطئ غزة إلى منطلق لخروج الفلسطينيين عبر البحر. في هذا السياق، تبرز محاولات لتلطيف مسألة استقبال مصر لأعداد من الفلسطينيين. فهناك من يشير إلى دخول حوالى 100 ألف فلسطيني إلى مصر والاندماج في المجتمع المصري مع إمكانية توفير فرص عمل لهم. فيما يقول آخرون إنّ انتقالهم سيكون باتجاه منطقة الدلتا لا سيناء، وهو ما يبرز مخاوف من أن يصبح العدد أضعافاً.

 اعتبر المسؤول الأميركي أنّ السعودية كانت سبّاقة في طرح حلّ الدولتين

هنا قال المسؤول الأميركي إنّ هذا المشروع ينطوي على مخاطر كبيرة، وهذا ما يفرض على أميركا العمل في سبيل مواجهته، بالتعاون مع الدول العربية، وخصوصاً السعودية. اعترف المسؤول الأميركي أنّ الموقف السعودي يمثّل حصناً دفاعياً عن الدول العربية المهدّدة بمشاريع التهجير، وخصوصاً مصر والأردن. تماماً كما كان الموقف السعودي- الإماراتي داعماً للدولتين مع اندلاع ثورات الربيع العربي والمدّ الإخواني فيهما.

هذه المرّة تعود محاولة المدّ الإخواني من البوّابة الأردنية، وبمشاريع ودعوات واضحة من قبل حركة حماس ومسؤوليها أو من قبل طهران وحلفائها. خصوصاً مع إعلان فصائل عراقية موالية لإيران الاستعداد لإرسال أسلحة وتشكيل خلايا في الأردن، في محاولة لإسقاط الدولة أو العودة إلى نظرية “الوطن البديل”.

إقرأ أيضاً: “اليوم التالي” السعودي: المبادرة العربيّة للسلام تعيد تعبيد طريقها

المشكلة الأكبر من ذلك أنّ زيادة حجم الضغط على الأردن وفيه تأتي بعد زيارة وفد من حركة حماس برئاسة إسماعيل هنية والجهاد الإسلامي برئاسة زياد النخالة لإيران واللقاء مع المسؤولين هناك. وما تسرّب حول البحث في مسألة إمكانية استضافة طهران لقادة وكوادر حماس في حال أرادوا الخروج من قطر أو تعرّضوا لضغوط، وتوجيه خامنئي للسفارات الإيرانية في العالم بالتعامل مع قادة حماس كمواطنين إيرانيين. لكنّ إيران التي تدعم حماس، وغيرها من فصائل المقاومة، تتعرّض لضربات تصيب الهيبة. ومن يصاب في هيبته يصاب في حكمه وسلطته. هنا تتحوّل معادلة وحدة الساحات الإيرانية إلى عبء كبير على إيران من العراق إلى سوريا فلبنان. أمّا فلسطينياً ويمنيّاً فقال المسؤول الأميركي إنّه لا حلّ إلا مع السعودية.

إقرأ أيضاً

أميركا “بايدن” ليست أميركا “أيزنهاور”

لماذا جو بايدن ليس قويّاً ولا حاسماً؟ ولماذا بايدن في غزة ليس الجنرال أيزنهاور مع إسرائيل في حرب السويس؟     منصب الرئيس الأميركي هو…

1958، 1967، 2024

يعيش لبنان على خطّ زلزال يشبه الزلزال الذي ضربه بين عامَي 1958 و1975، وهدم الدولة بكامل أركانها وشرّع الكيان على خطر الاندثار. فما يمرّ به…

“لُغة” معراب: إسرائيل “مظلومة”

“سقطة” كبيرة وقعت فيها معراب في بيانها الختامي يوم السبت. قدّمت لغةً لا تصلح لتكون جامعة. بل لغة تقدّم إسرائيل على أنّها “مظلومة”. وتجهّل “الفاعل”…

العراق: “السلطان” التركي.. بمواجهة “الفقيه” الشيعي؟

قد لا يكون من السهل تجاوز الكلام الصادر عن خميس الخنجر، الذي يُعتبر أحد أبرز قيادات المكوّن السُنّي. وهو زعيم “تحالف عزم”. وصاحب “المشروع العربي”….