المسيحيون يجتمعون ولا يلتقون

2024-03-24

المسيحيون يجتمعون ولا يلتقون

مدة القراءة 6 د.

عادت قضية اجتماع المسيحيين. وعادت بكركي حاضنة لهم. لم تتلكّأ يوماً عن هذا الدور. فهي تدعو المسيحيين باستمرار إلى الاجتماع في حضرتها أو في أيّ مكان آخر يختارونه. كما تدعو اللبنانيين إلى الوحدة والتضامن من أجل لبنان. بيد أنّ الكنيسة المارونيّة، على غرار معلّمها الأوّل، يسوع، تترك الحرّيّة للأشخاص، خاصّة أن لا سلطة دستوريّة لها. فهي مرجعية وطنيّة، سلطتها معنويّة، وهدفها الحفاظ على الكيان المهدّد.

بالأمس عُقد الاجتماع الثالث بحضور ممثّلين عن القوات والتيار والكتائب والأحرار و”وطن الرسالة” و”حركة الاستقلال”. وعلى الرغم من غياب ممثّل عن المردة، بدت الأجواء إيجابية بحسب المشاركين.

المسيحيون يجتمعون.. بداية الفكرة

منذ سنة تقريباً استأذن قياديّ في القوات سمير جعجع للاجتماع بمطران أنطلياس أنطوان بو نجم، بصفة شخصية وليس حزبيّة، لمناقشته في موضوع صمود المسيحيين في هذا الظرف الصعب، وكيفية التعاون لتحقيق هذا الهدف. توجّه القياديّ مع مجموعة شباب إلى لقاء المطران بو نجم الذي أظهر منذ انتخابه رغبة وطموحاً إلى لعب دور سياسيّ شبيه بالدور الذي لعبه سلفه الراحل المطران يوسف بشارة. تكرّرت اللقاءات بين المطران ومجموعة الشباب. وتطوّر النقاش إلى ورقة عمل حملها المطران بو نجم، بمبادرة منه، إلى البطريرك بشارة الراعي واقترح عليه دعوة الأحزاب المسيحيّة لمناقشتها.

ثوابت ومخاطر وحلول

تؤكّد الورقة الثوابت التاريخيّة والوطنيّة والسياسيّة للكنيسة المارونيّة في ما خصّ الكيان اللبنانيّ. وتتضمّن توصيفاً للواقع اللبنانيّ بعد الانهيار الكبير، وبعد أكثر من سنة على الفراغ الرئاسيّ. وتخلص الورقة إلى أنّ لبنان هو بين الحياة والموت.

كما تتطرّق إلى الأخطار الناجمة عن وجود أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوريّ، إضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين.

وتطرح الورقة اقتراحات حلول للخروج من الأزمة يكون أوّلها انتخاب رئيس للجمهوريّة. يتبعه تشكيل حكومة قادرة على قيادة مسيرة الخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعيّة.

كما تطرح إشكالية سلاح الحزب من خلال تأكيد حصرية السلاح واستعماله بالأجهزة العسكرية والأمنيّة اللبنانيّة، وضرورة التقيّد بتطبيق القرارات الدوليّة المتعلّقة بلبنان (1559 و1680 و1701).

لا يتحمّل المسيحيون كامل المسوؤلية عمّا وصلت إليه الأمور. فالأحداث غالباً تخطّتهم. والصراعات الإقليميّة والدوليّة في المنطقة

تتطرّق الورقة أيضاً إلى الأخطار المحدقة بالمسيحيين خاصّة بسبب موجات الهجرة التي تميّزت منذ بدء الانهيار وبعد انفجار مرفأ بيروت بهجرة الكوادر. وتطرح خطوات عمليّة لتحقيق صمود المسيحيين في أرضهم ووطنهم بالتنسيق والتعاون بين الأحزاب والكنيسة.

تكرار الاجتماعات… ولا اتّفاق!

ربّما لم تأتِ الورقة بجديد سوى ما خصّ صمود المسيحيين والخروج من الأزمة الحالية. فالثوابت الوطنيّة وردت في وثيقة المجمع المارونيّ الأخير (2004-2006). وأُعيد تأكيدها في “المذكّرة الوطنيّة” التي أصدرها البطريرك الراعي (2014) وتؤكّد حصرية السلاح بيد الشرعية اللبنانيّة وأجهزتها وضرورة احترام الشرعية الدولية والتقيّد بمقرّراتها. وهذا ما يكرّره البطريرك الراعي باستمرار في عظاته، ويتطرّق إليه مجلس المطارنة في بياناته الشهريّة.

ليس المسيحيون في اجتماعهم ببكركي هو الأوّل. فهم اجتمعوا مرّات عدّة منذ ثمانينيات القرن الماضي. اجتمعوا في 1986 لرفض “الاتفاق الثلاثيّ”. وقّع إيلي حبيقة الاتفاق، فقامت انتفاضة مسلّحة داخل القوّات. واجتمعوا في 1988 لمناقشة انتخاب رئيس للجمهوريّة. فحصل الشغور. وكان ما كان فيما بعد من حرب بين المسيحيين كانت الأعنف والأكثر ضرراً للوجود المسيحيّ.

تكرّرت الاجتماعات المسيحيّة – المسيحيّة لملء الشغور في موقع الرئاسة الأولى، أو للاتّفاق على قانون انتخاب، أو للدفاع عن دور المسيحيين في الدولة. لم تلتزم كلّ الأطراف. فتكرّر الشغور. حصلت الانتخابات ولم يتحسّن التمثيل المسيحيّ في المجلس النيابيّ. وتدهور الوضع في لبنان حتى وصلنا إلى الانهيار.

بالطبع، لا يتحمّل المسيحيون كامل المسوؤلية عمّا وصلت إليه الأمور. فالأحداث غالباً تخطّتهم. والصراعات الإقليميّة والدوليّة في المنطقة وعلى لبنان كانت أكبر من قدرتهم في التأثير عليها. ولكنّهم مسؤولون عن جزء جدّي من هذه الأحداث والصراعات وعن تراجع دورهم وحضورهم في الدولة. وخلافاتهم وانقساماتهم هي السبب الأساس. إلا أنّ تحصيل حقوق المسيحيين لا يكون بالدعوة إلى لقاء مسيحيّ بطريقة استفزازية للمسيحيين ومسيئة للعلاقة مع الشركاء في الوطن.

بالأمس عُقد الاجتماع الثالث بحضور ممثّلين عن القوات والتيار والكتائب والأحرار و”وطن الرسالة” و”حركة الاستقلال”

معركة مع السُّنّة؟!

منذ أيام دعا جبران باسيل، في عشاء حزبيّ، بكركي إلى “أن تجمع القيادات (المسيحيّة) لرفع الصوت بمواجهة عملية الاقصاء المتعمّد الذي يتعرّض له المكوّن المسيحي”. أتت دعوته بعد خروج الخلاف بين وزير الخارجية عبد الله بو حبيب ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى العلن. هذا إضافة إلى الخلاف المستفحِل بين ميقاتي ووزير الدفاع. وهو ما أكّد أنّ باسيل يريد اجتماع المسيحيين دعماً له في معركته المستمرّة ضدّ ميقاتي وتصوير الصراع بين المسيحيين والسُّنّة. وهذا ما ترفضه بكركي وغالبية القيادات المسيحيّة. فهاجس المسيحيين اليوم، وعلى رأسهم بكركي، لا ينحصر بصلاحيّات وزير ودور موظّف، إنّما يتعلّق بصمودهم في مواجهة الأزمة وبالحفاظ على الكيان والدولة.

دعوة باسيل المشبوهة إلى اجتماع المسيحيين تؤكّد مرّة أخرى أنّ التيار يسبح خارج التيار المسيحيّ. في الماضي أطلق معركة استعادة الدور والصلاحيّات في مواجهة فؤاد السنيورة وسعد الحريري. في المقابل عقد تفاهماً مع الحزب الذي راح يسيطر على الدولة ودورها. وأحكم سيطرته تلك خلال فترة رئاسة ميشال عون. بعد التباينات مع الحزب على بعض الملفّات، أبرزها رئاسة الجمهوريّة، يدعو إلى لقاء مسيحيّ يدعم عودته إلى التفاهم مع الحزب الذي لم يخرج منه نهائياً، فهو أعلن بالأمس “بدنا الرئيس الميثاقي السيادي، الإصلاحي والمقاوم”!

إقرأ أيضاً: بكركي تملأ الفراغ المسيحيّ بطاولة مستديرة ووثيقة سياسيّة

على غرار كلّ المسيحيين نتطلّع إلى اتّفاق بين المسيحيين يؤسّس للاتّفاق مع كلّ اللبنانيين. ولكنّنا، مثل غالبية المسيحيين، غير متفائلين ما داموا غير متّفقين على توصيف المشكلة في البلاد اليوم. المشكلة سياسيّة قبل أن تكون اقتصادية وماليّة واجتماعيّة. وأبرز عناصرها سلاح الحزب الذي يمنع قيام دولة قويّة ويعطّل الحياة السياسيّة ويتّخذ قرارات مصيريّة، وأبرزها قرار الحرب الذي اتّخذه أخيراً “نصرة لغزّة” ووضع البلاد أمام خطر حرب شاملة.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@Fadi_ahmar

إقرأ أيضاً

العراق: “السلطان” التركي.. بمواجهة “الفقيه” الشيعي؟

قد لا يكون من السهل تجاوز الكلام الصادر عن خميس الخنجر، الذي يُعتبر أحد أبرز قيادات المكوّن السُنّي. وهو زعيم “تحالف عزم”. وصاحب “المشروع العربي”….

نتنياهو: واشنطن تعتبره “ابن زانية”.. منذ 1994

في عام 1994 كان جورج بوش الأب رئيساً للولايات المتحدة. وكان جيمس بيكر وزيراً للخارجية. وفي إسرائيل كان بنيامين نتنياهو نائباً لوزير الخارجية. في ذلك…

“الحركة” خسرت… وإسرائيل لم تربح

خسرت “حماس” حرب غزّة، لكنّ إسرائيل لم تربح هذه الحرب ولا يمكن أن تربحها. خسرت “حماس” لأنّها تسبّبت في تدمير قطاع غزّة على رؤوس الغزّيّين،…

التصعيد ضدّ أذرع إيران… تقابله مرونة لإنقاذ رفح؟

تسابق الضغوط من أجل إحياء مفاوضات الهدنة في غزة قرار الحكومة الإسرائيلية اقتحام رفح. يترافق ذلك مع رصد جدّية الليونة التي أبدتها قيادة “حماس” الداخل…