الناتو في يوبيله الماسيّ: خطر أميركيّ وتحدٍّ صينيّ

2024-04-07

الناتو في يوبيله الماسيّ: خطر أميركيّ وتحدٍّ صينيّ

مدة القراءة 6 د.

قبل أسابيع هدّد ترامب دول أوروبا بأنّه لن يحميها إذا لم تدفع ما عليها في حلف الناتو. تصريح أثار موجة ردود. وتردّدت أصداؤه في اجتماعات بروكسل في 3 و4 نيسان لإحياء الذكرى الـ 75 لتأسيس حلف شمال الأطلسي.

 

 

ترامب يُرعب الحلفاء

في أحد خطاباته الانتخابيّة قال ترامب إنهّ في حال انتخابه رئيساً لن يقوم الجيش الأميركيّ بحماية الدول الأعضاء في حلف الناتو التي لا تخصّص أقلّه 2% من دخلها القوميّ للدفاع. وأضاف: “سأشجّعهم (الروس) على فعل ما يريدون”. تصريح أرعب الأوروبيين. فالخطر الروسيّ محدق. وأوروبا عاجزة عن مواجهته لوحدها. وتجربة ترامب الأولى في الحكم تؤكّد أنّه سيفعل ما يقول. فهو انسحب من الاتفاق النووي الإيرانيّ دون التشاور مع الحلفاء. وشنّ حرباً تجارية ضدّ الصين. ولم يُصافح أنجيلا ميركل حتى تصلح الميزان التجاري مع أميركا.

كلام ترامب استدعى ردوداً أوروبيّة. فكتب المستشار الألمانيّ على منصّة “إكس” أنّ تصريحات ترامب “خطرة” و”غير مسؤولة”. وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبيّ جوزف بوريل إنّ “الناتو لا يمكن أن يكون تحالفاً انتقائياً (à la carte). ولا يمكن أن يكون تحالفاً يعمل بحسب مزاج رئيس الولايات المتحدة الأميركيّة في هذه الأيام”.

تزامن تصريح ترامب مع استمرار الجمهوريين في عرقلة إقرار مبلغ 60 مليار دولار طلبته إدارة جو بايدن لدعم أوكرانيا. وهو ما أكّد للأوروبيين أنّه في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض سينقلب الموقف الأميركيّ رأساً على عقب من الحرب في أوكرانيا. والأوروبيون يعرفون أنّ الجمهوريين غير متحمّسين لهذه الحرب منذ بدايتها.

قبل أسابيع هدّد ترامب دول أوروبا بأنّه لن يحميها إذا لم تدفع ما عليها في حلف الناتو. تصريح أثار موجة ردود. وتردّدت أصداؤه في اجتماعات بروكسل

ميزانيّات الدول الأعضاء

بغضّ النظر عن طريقته الاستفزازية، ترامب محقّ في كلامه. في عام 2006 اتّفقت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي على أن تخصّص كلٌّ منها أقلّه 2% من دخلها القومي للدفاع. بيد أنّ غالبية الدول الأعضاء لم تتقيّد بما اتُّفق عليه. بعد مضيّ سنتين على الحرب في أوكرانيا لا تزال الميزانية العسكرية لفرنسا تشكّل 1.9% من دخلها القوميّ، وميزانية ألمانيا 1.6% (على الرغم من إضافة 100 مليار يورو في 2022 للدفاع)، وإيطاليا 1.5%، وإسبانيا 1.3%. وحدها بولندا من بين دول أوروبا الكبيرة تخصّص 3.9% من دخلها القوميّ للدفاع.

أمّا باقي الدول التي تتجاوز ميزانيّاتها العسكريّة 2% من دخلها القوميّ فهي دول صغيرة مثل اليونان (3%)، ورومانيا (2.4%)، وهنغاريا (2.4%)، وإستونيا (2.7%)، وفنلندا (2.5%)، وليتوانيا (2.5%)، وقبرص (2%)، وسلوفاكيا (2%).

في المقابل تخصّص الولايات المتحدّة الأميركيّة 3.4% من دخلها القوميّ. وبحسب “معهد استوكهولم الدوليّ لأبحاث السلام” بلغ حجم إنفاقها العسكريّ 877 مليار دولار في 2022، وهو ما يعادل 70% من مجموع ميزانية الناتو.

“شبح” ترامب حضر في بروكسل

قبل اجتماع بروكسل مباشرة وخلاله حرصت الدول الأعضاء، خاصّة فرنسا وألمانيا، على التأكيد أنّها سترفع ميزانيّاتها للدفاع إلى ما فوق 2%. وهي تصريحات استباقية لقطع الطريق على ما يمكن أن يقوم به ترامب في حال عاد إلى البيت الأبيض ولزيادة القدرات العسكريّة لأوروبا لتلبية حاجات أوكرانيا العسكرية، خاصة في ظلّ تراجع الدعم الأميركيّ. كما رافق وزير الدفاع الفرنسيّ سيباسيتان لوكورنو وزير الخارجية الأميركيّ أنتوني بلينكن في زيارة مصنع لإنتاج المدافع لتأكيد تصميم فرنسا على زيادة ميزانيّتها وقدراتها العسكريّة.

من جهته استغلّ ينس ستولتنبرغ اجتماع الحلفاء في بروكسل للتأكيد أنّ الناتو “أكبر وأقوى وأكثر وحدةً من أيّ وقت مضى”. وردّ على تصريحات ترامب، دون أن يسمّيه، بالقول: “بينما نواجه عالم أكثر خطراً، العلاقة بين أوروبا وأميركا الشمالية مهمّة أكثر من أيّ وقت مضى”. وأضاف أنّ “أوروبا بحاجة إلى أميركا الشمالية للحفاظ على أمنها. وفي الوقت نفسه أميركا الشمالية بحاجة أيضاً إلى أوروبا”.

تزامن تصريح ترامب مع استمرار الجمهوريين في عرقلة إقرار مبلغ 60 مليار دولار طلبته إدارة جو بايدن لدعم أوكرانيا

الخطر الصّينيّ القادم

تأثير الصين على الأمن الأورو-أطلسي ومحيطه الجيوسياسيّ حضر أيضاً في اجتماعات دول حلف شمال الأطلسي في بروكسل. فقد شارك في اجتماعات الناتو الأخيرة في بروكسل وزراء خارجية كلّ من اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية ونيوزيلاندا. وهي ليست المرّة الأولى. فمنذ عام 2020 تشارك تلك الدول في اجتماعات الناتو. وشارك زعماؤها في قمّتين: الأولى في مدريد (2022)، والثانية في ليتوانيا (2023).

بدأ اهتمام حلف شمال الأطلسي بالصين منذ أن نشرت الإدارة الأميركيّة “استراتيجية الأمن الوطنيّ 2017″، ومنذ أن بدأت أوروبا تعي التداعيات الاستراتيجية لقوّة الصين الصاعدة في المجالات العسكريّة والتكنولوجيّة والسيبرانيّة والاقتصاديّة، إضافة إلى توسيع بكين لشبكة علاقاتها الاقتصادية والسياسيّة في إفريقيا والشرق الأوسط المحاذيتين لأوروبا.

في القمّة التي عقدها زعماء الناتو في لندن (2019) أعلنوا أنّ الصين تشكّل موضوع اهتمام مشترك بينهم. وجاء في البيان الذي صدر أنّ الزعماء “يعون التأثير المتنامي للصين وسياساتها الدوليّة التي تقدّم فرصة وتحدّياً في آن، وسيردّون عليها كحلفاء”.

موقف الناتو من الصين يمكن اختصاره بثلاثة تحدّيات:

1- تشكّل الصين تحدّياً متعدّداً وطويل الأمد للنظام العالميّ.

2- تشكّل الصين تحدّياً للأمن الأورو-أطلسي من خلال قوّتها البحريّة، والسيبرانيّة، والفضائية، إضافة إلى وجودها العسكريّ في بحر البلطيق وفي البحر المتوسط من خلال استثماراتها في العديد من المرافئ على هذين “البحرين”.

3- يشكّل النفوذ الصينيّ المتنامي في جنوب شرق آسيا تحدّياً لأمن المحيط الهادئ الذي يحتلّ موقعاً محورياً في العالم على الصعد الاقتصاديّة والتكنولوجيّة والاستراتيجيّة. هذا إضافة إلى تأثير هذا النفوذ على القوّة العالميّة للولايات المتحدّة الأميركيّة التي تقود حلف شمال الأطلسي.

إقرأ أيضاً: فضيحة الرئيس بين الزوجة والعشيقة!

على هذه النقطة الأخيرة تحديداً يتمايز الحلفاء، فليست لدى كلّ الأوروبيين النظرة ذاتها تجاه الصين. وهو ما يشكّل تحدّياً لحلف شمال الأطلسيّ في يوبيله الماسيّ يضاف إلى الخطر الروسيّ واحتمال تراجع الولايات المتحدة الأميركيّة عن دعم أوكرانيا.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@Fadi_ahmar

إقرأ أيضاً

اجتماع معراب: إنهاكٌ فقط أم انقسام؟

دعت القوات اللبنانية إلى اجتماعٍ للنواب والفعّاليات لاستنكار إدخال الحزب للبنان في الحروب. وطالب المجتمعون بضرورة تطبيق القرار الدولي رقم 1701، وضرورة ضبط الحدود مع…

قمّة البحرين تستعيد القضيّة من الانحياز الأميركيّ والتوظيف الإيرانيّ؟

هل تقتنص المنظومة العربية فرصة القمّة المقبلة في البحرين من أجل استعادة القضية الفلسطينية إلى إطارها العربي؟ أم اختلال ميزان القوى مع أميركا سيدفع واقعيّاً…

لبنان بين ثنائيّتين وربط نزاع أميركي – فرنسي

ثلاث قناعات تحيط بالواقع اللبناني في هذه المرحلة: – الأولى: أميركية. تصارح الإدارة الأميركية نفسها، في اعتراف تامّ، بعدميّة تمكّنها من فرض أيّ حل بمفردها…

اتّصالات بين واشنطن ودمشق: المحتمل والممنوع!

أثارت تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد عن اتّصالات تجري مع مسؤولين أميركيين أسئلة بشأن هدف هذا الإعلان وتوقيته على قناة موالية لروسيا. وفيما لاحظ المراقبون…