استراتيجية “التعفين الخلّاق” تتقدّم

2020-09-12

استراتيجية “التعفين الخلّاق” تتقدّم

مدة القراءة 4 د.


خرج الذين التقوا مساعد وزير الخارجية لشؤؤن الشرق الاوسط دايفيد شنكر في بيروت، بانطباعات محبِطة، ما كانت توحي بأن العقوبات على الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، آتية، وهي عقوبات ليست بسيطة على الرجلين بما يمثّلان في هرمية داخل حزبيهما كما موقعهما في بنية قرار مجموعتيهما السياسيتين.

ثمة ثلاث سيناريوهات لتفسير ما حصل.

إقرأ أيضاً: الاحتلال الحزب “اللهي” الغاشم

فالاحتمال الأول أن يكون أسيء فهم وتفسير مواقف شنكر، كما يؤكد ديفيد شنكر نفسه، الذي ما التقى الا مجموعات وأفراداً محسوبين على ثورة 17 تشرين الأول، أو النواب المستقيلين الذين يعلنون الانتساب السياسي للثورة. والطرفان، بحكم موقعيهما السياسيين، شديدا المعاداة لجبران باسيل، ولا يعتبران أنه ثمّة ما له قيمة في أيّ خطوة سياسية لا تطال باسيل بشكل مباشر. ولئن نفى شنكر أن يكون باسيل بين المعاقبين، ربما هذا ما يفسّر مناخات الإحباط التي هيمنت على التسريبات والروايات حول زيارة المسؤول الأميركي ومضمون لقاءاته.

فرنسا غير راغبة في سياسة مفاقمة الضغط على لبنان واللبنانيين لأنها ترى، على عكس السعوديين والأميركيين، أنها سياسة تخدم حزب الله

الاحتمال الثاني أن يكون شنكر فعلاً خارج دائرة الاطلاع الجدّي على التوجّهات الفعلية للإدارة الأميركية، التي يتميّز عملها بالكثير من الارتجال والقرارات الانفعالية للرئيس دونالد ترامب شخصياً.

أما الاحتمال الثالث، ذو الصلة بالاحتمال الثاني، فهو أن يكون ثمّة ما استجدّ في حسابات واشنطن بين زيارة شنكر إلى لبنان وبين القرار بفرض عقوبات كالتي فرضت على معاونين سياسيين رئيسيين لرئيس مجلس النواب ولمرشح لرئاسة الجمهورية.  

المؤكد أنّ واشنطن والرياض تراقبان بحذر المبادرة الفرنسية ولا تبديان ارتياحًا لمقاربة الرئيس إيمانويل ماكرون، ورهانه أن بوسعه تحييد حزب الله عن التصرّف كأداة إيرانية في لبنان، وانطلاقاً منه، في المنطقة. وهما كانتا تفضّلان ضرب الحديد وهو حامٍ بعد انفجار مرفأ بيروت، والعري الفاضح الذي ظهرت فيه الطبقة السياسية في مواجهة شارع يتنامى غضبه على نحوٍ غير مسبوق.

والمؤكد أيضًا أنّ فرنسا غير راغبة في سياسة مفاقمة الضغط على لبنان واللبنانيين لأنها ترى، على عكس السعوديين والأميركيين، أنها سياسة تخدم حزب الله.

في هذا السياق، كان لافتًا أنه فيما تميّزت لغة الرئيس الفرنسي تجاه حزب الله باللين والطراوة، مضت أميركيًا قدمًا بالعقوبات على نقاط التقاطع بين الحزب وبقية القوي السياسي. وبالتزامن أيضاً صدرت مواقف سياسية عنيفة ضد طهران علي لسان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أكد فيها أنّ النظام الإيراني يهدّد المنطقة العربية عبر دعم الميليشيات المسلحة، مشدّداً أنّ الميليشيات تبثّ الخراب والفوضى في كثير من الدول العربية. وأضاف الفرحان في الدورة العادية لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، إنه “لا بدّ لنا من وقفة جادة ضد كافة التدخّلات الخارجية في الشؤون العربية الداخلية”.

من رحم هذا التعارض، ومن دون تنسيق مسبق، ولدت معادلة تكاملية بين شرطي سيء (السعودية-أميركا) وشرطي جيد (فرنسا)، يلوح الأول بالعصي الغليظة، ويغري الثاني حزب الله بالجزر، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

بات من الصعب التفكير في أنّ أيام التفاؤل الأولى التي بشّرت بها المبادرة الفرنسية قادرة على استيلاد المزيد من التفاؤل، لا سيما إذا ما ألحقت حزمة العقوبات الأحدث بحزمة جديدة كما هو متوقّع في الأسابيع المقبلة

من جهته، يبثّ حزب الله كلّ اشكال الرسائل المتناقضة. ففي ذروة ليونته تجاه المبادرة الفرنسية وترحيب حسن نصرالله العلني بمبادرة ماكرون، قرّر الحزب استضافة رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية لتكون بيروت العاصمة العربية الوحيدة التي صدرت منها إشارات التصعيد الخطير ضد قرار دولة الإمارات العربية المتحدة (والآن البحرين) بعقد اتفاق سلام مع إسرائيل.

والحال، بات من الصعب التفكير في أنّ أيام التفاؤل الأولى التي بشّرت بها المبادرة الفرنسية قادرة على استيلاد المزيد من التفاؤل، لا سيما إذا ما ألحقت حزمة العقوبات الأحدث بحزمة جديدة كما هو متوقّع في الأسابيع المقبلة.

مجدّداً يثبت أنّ الخزانة الأميركية هي وزارة الدفاع ووزارة الخارجية الأميركية معاً في عصر حرب الدولار وترسانة العقوبات.

أما المنتظر من العقوبات الجديدة، فهو ما قد تؤكد عليه من أنّ المجتمع الدولي بات هو أيضاً يتبنّى نظرية “كلن يعني كلن”، بمعنى سقوط الأوهام حول إمكانية الاصلاح بالاستناد إلى أيٍّ من قوى “نظام حزب الله”، أي حزب الله وحلفائه وخصومه معاً..

إستراتيجية “التعفين الخلاق” ماضية.. لا عودة للبنان من حافة الهاوية إلا بتغيير كامل لقواعد اللعبة.

شدّوا الأحزمة.

إقرأ أيضاً

أميركا “بايدن” ليست أميركا “أيزنهاور”

لماذا جو بايدن ليس قويّاً ولا حاسماً؟ ولماذا بايدن في غزة ليس الجنرال أيزنهاور مع إسرائيل في حرب السويس؟     منصب الرئيس الأميركي هو…

1958، 1967، 2024

يعيش لبنان على خطّ زلزال يشبه الزلزال الذي ضربه بين عامَي 1958 و1975، وهدم الدولة بكامل أركانها وشرّع الكيان على خطر الاندثار. فما يمرّ به…

“لُغة” معراب: إسرائيل “مظلومة”

“سقطة” كبيرة وقعت فيها معراب في بيانها الختامي يوم السبت. قدّمت لغةً لا تصلح لتكون جامعة. بل لغة تقدّم إسرائيل على أنّها “مظلومة”. وتجهّل “الفاعل”…

العراق: “السلطان” التركي.. بمواجهة “الفقيه” الشيعي؟

قد لا يكون من السهل تجاوز الكلام الصادر عن خميس الخنجر، الذي يُعتبر أحد أبرز قيادات المكوّن السُنّي. وهو زعيم “تحالف عزم”. وصاحب “المشروع العربي”….