“المرتزقة” السوريون في أوكرانيا: شحن 300 مقاتل يومياً

2022-04-07

“المرتزقة” السوريون في أوكرانيا: شحن 300 مقاتل يومياً

مدة القراءة 8 د.

بعد مرور أكثر من شهر على بدء “الغزو” الروسي لأوكرانيا، الذي انطلق في 24 شباط الماضي، انتشرت الدفعة الأولى من ” المرتزقة” السوريين أخيراً على جبهات القتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا، وسط نشاط مكثّف لممثّلي شركات أمنيّة ومقرّبين من روسيا في سوريا لتجنيد دفعات جديدة من المرتزقة للقتال مع القوات الروسية.

قبل انتشار “المرتزقة” السوريين في ساحات القتال الأوكرانية تلقّوا تدريبات عسكرية في قاعدة سوفياتية سابقة شمال شرقي العاصمة الروسية موسكو، إضافة إلى تدريبات على القفز المظلّي، وفقاً لمصدر مقرّب من النظام السوري في العاصمة دمشق، ومسؤول في عمليات التجنيد الحالية.

وقد أكّدت مديرية المخابرات الأوكرانية، في بيان أصدرته، نقل 150 مقاتلاً سوريّاً من قاعدة “حميميم” العسكرية إلى أوكرانيا، مشيرةً إلى أنّ القرار الصادر عن “حميميم” يقضي بإرسال 300 مقاتل يوميّاً.

فيما اتّهمت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) روسيا بتجنيد مقاتلين سوريين للقتال في أوكرانيا بجانب القوات الروسية. وأكّد مسؤولون أميركيون تجنيد روسيا مقاتلين سوريين من ذوي الخبرة في القتال في حرب المدن، مع تكثيف هجومها على أوكرانيا.

 

“مرتزقة” سابقون

نُقلت الدفعة الأولى من هؤلاء “المرتزقة”، الذين ينتشرون الآن على جبهات القتال، إلى روسيا في 3 آذار الماضي في طائرة “يوشن” من مطار حميميم العسكري، حيث القاعدة الروسية الكبرى في سوريا، ومعظمهم من “الفيلق الخامس”، الذي أُعلن تشكيله في شهر تشرين الثاني 2016 بإشراف روسي مباشر، إضافة إلى “مرتزقة” من “الفرقة 25″ المعروفة بـ”قوات النمر” الموالية لروسيا.

بحسب تسجيلات صوتية حصل عليها “أساس” من مسؤول في عمليات التجنيد الحالية، فإنّ الأولوية للأشخاص الذين اكتسبوا خبرة عسكرية في القتال إلى جانب القوات الروسية في ليبيا، وتمّ اختبارهم من قبل الأجهزة الأمنيّة التابعة للنظام. وبالتالي فإنّ هؤلاء سبق أن حاربوا تحت راية العلم الروسي، وليست المرّة الأولى، وبالتالي هم يعرفون كيفية العمل تحت القيادة الروسية، وموثوقون من الجنرالات الروس.

هم طلائع المرتزقة الذين، في 11 آذار الماضي، أعطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإذن لوزارة الدفاع الروسية بنقل 16 ألفاً منهم من منطقة الشرق الأوسط، لمشاركة القوات الروسية في غزوأوكرانيا. ثم خلال اجتماع للأعضاء الدائمين لمجلس الأمن الروسي، صادق وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بالقول إنّ معظم المتقدّمين بطلبات للمشاركة في الحرب هم من دول الشرق الأوسط، وتجاوز عدد الطلبات عتبة 16 ألفاً.

وذلك بعدما أعلن رئيس النظام السوري بشار الأسد تأييده “الغزو” الروسي، خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. واعتبر الأسد أنّ ما تقوم به روسيا هو “تصحيح للتاريخ، وإعادة العالم إلى توازنه الذي فَقَده بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي”.

حديث الصورة: مسيرات مؤيّدة للغزو الروسي لأوكرانيا ضمن مناطق سيطرة النظام السوري في العاصمة السورية دمشق تظهر حرف “Z” الذي اتُّخذ شعاراً لدعم “الغزو” الروسي لأوكرانيا.

 

تجنيد مُعلَن وبإشراف النظام السوريّ

تنتشر مكاتب تجنيد “المرتزقة” السوريين في مناطق سيطرة النظام السوري منذ مطلع آذار الفائت، وتتبع بشكل مباشر لـ”الفيلق الخامس” و”الفرقة 25″ المعروفة بـ”قوات النمر” الموالية لروسيا، ويعمل فيها مندوبون عن شركات أمنيّة تُعدّ قوائم الأسماء المحتملة للتجنيد.

وقد اعترف رئيس لجنة “المصالحة” الروسية-السورية في دير الزور، عبد الله الشلاش، خلال كلمة علنية له بمؤتمر في صالة “العمّال” بمركز “المصالحة” في دير الزور، بأنّ المئات من أبناء المنطقة جرى تجنيدهم ويستعدّون للسفر إلى أوكرانيا.

بحسب تصريحات الشلاش، فإنّ “التطوّع لدعم القوات الروسية في حربها على أوكرانيا، هو نوع من ردّ الجميل للقوات الصديقة”. وأضاف أنّ “جميع المتطوّعين أبدوا جاهزيّتهم للسفر إلى أوكرانيا، ويجري انتظار التعليمات من القيادتين الروسية والسورية للموافقة على إرسالهم”.

إلى ذلك بدأت الأجهزة الأمنيّة التابعة لنظام الأسد بتسجيل المسلّحين الذين يرغبون بالقتال في أوكرانيا. وأُطلقت حملات علنية في جميع مناطق سيطرة النظام السوري لجمع أسماء الرجال الذين يريدون الذهاب إلى القتال، ممّن تراوح أعمارهم بين 20 و45 عاماً، مع وعود بكسب ما بين 1000 و2000 دولار شهرياً للمسلّح.

اللافت أنّ أعداد الراغبين بالمشاركة في القتال الأوكراني تتزايد منذ أكثر من شهر. وقد أعدّت مكاتب التجنيد وضباط في قوات النظام السوري وشركات أمنيّة قوائم بأسماء المسجّلين الذين يتحدّرون من مناطق جغرافية مختلفة يسيطر عليها النظام السوري، ليتبيّن أنّها تضمّ أكثر من 30 ألف “مرتزق”، أي ضعف العدد الذي طلبته موسكو.

وستوكل إليهم مهامّ قتالية محدّدة في المدن تدخل في نطاق ما يُسمّى “قتال الشوارع”، وهي مهارات اكتسبها المقاتلون السوريون نتيجة الحرب السورية المستمرّة منذ أكثر من عقد من الزمن. وسيكون من مهمّاتهم المساعدة في تثبيت النقاط التي تتقدّم إليها القوات الروسية في أوكرانيا، وحماية نقاط التمركز.

حديث الصورة: الأجهزة الأمنيّة التابعة لنظام الأسد فتحت باب التجنيد للمقاتلين السوريين الذين يرغبون بالقتال في أوكرانيا.

 

التدريبات والفحوصات

تواصل “أساس” مع عدد من المقاتلين الذين قرّروا توقيع عقود للقتال بجانب روسيا في أوكرانيا، فأكّدوا أنّ التجنيد تمّ عن طريق مندوبي شركة “الصيّاد”، التي تعمل على تجنيد “مرتزقة”، إضافة إلى ممثّلين عن الفرقة الخامسة و”قوات النمر”.

في 15 آذار الماضي توجّه الشاب العشرينيّ جبريل إلى مكتب شركة “الصيّاد”، التي تتولّى تجنيد “المرتزقة”، من أجل تسجيل اسمه للسفر إلى أوكرانيا. وهو تحفّظ عن ذكر اسمه كاملاً لأسباب أمنية.

كانت الشركة قد أعلنت عبر حسابها على تطبيق “تلغرام” فتح باب التجنيد أخيراً للشباب الراغبين، ودعتهم إلى الحضور إلى مركزها ومعهم بطاقاتهم الشخصية (الهويّة) وبيان وضع تجنيدي من شعبة التجنيد التي يتبع لها الراغب في التطوّع، على أن لا تقلّ أعمارهم عن الـ23 ولا تتجاوز 50 عاماً، وسيتمّ استدعاؤهم للأعمال العسكرية لاحقاً.

يضيف الشابّ، الذي تواصل معه “أساس”، أنّ الأوراق المطلوبة للتسجيل هي: 4 صور شخصية، البطاقة الشخصية (الهويّة)، “بيان وضع تجنيدي”، إضافة إلى إجراء اختبار لياقة رياضية للتأكّد من خلوّه من الأمراض السارية.

كما تعدّدت الإغراءات التي قدّمها المسؤولون عن عمليات التجنيد، إلا أنّها مشابهة لتلك التي قدّموها سابقاً للقتال في ليبيا، ومن أهمّها المغريات المادية مقابل العقود التي سيتم توقيعها لمدّة ستّة أشهر أو سنة.

تتّفق المتخصّصة في الشأن السوري، هلا الناصر، مع المعلومات الواردة سابقاً، وتشير إلى أنّ المال هو دافع هؤلاء الأساسي إلى الارتزاق. وتقول الناصر لـ”أساس”: “من خلال المجموعات التي خُصّصت للتواصل مع المرتزقة الذين سجّلوا أسماءهم للمشاركة في القتال، فقد تبيّن أنّ المال هو دافع أساسي لهم، إضافة إلى أنّ تسهيلات النظام السوري، التي سمحت للشركات الأمنيّة والقوات الموالية لروسيا أو حتى قواته مثل “قوات النمر” بالتجنيد العلني، جعلت من السهل استغلال الوضع الاجتماعي والاقتصادي السيّئ للناس وتجنيد الآلاف من “المرتزقة” السوريين”.

خزّان مرتزقة إقليمي

في السنوات الأخيرة، حوّل النظام السوري البلاد إلى خزّان لتجنيد المرتزقة. يتحدّث مسؤولون غربيون وخبراء يتابعون ملفّ المرتزقة عن نظام تجنيد يتزاحم فيه الرجال، الذين لا يملكون سوى القليل من الخيارات، للمخاطرة بحياتهم من أجل رواتب لا يمكنهم كسبها في بلدهم.

بحماسة شديدة، ينتظر يزن ضاحي (28 عاماً)، المتحدّر من مدينة اللاذقية الواقعة غربي سوريا والتي تُعدّ المعقل الأكبر للنظام السوري، موعد السفر بهدف الانضمام إلى الجيش الروسي. وفي محادثة أونلاين، يؤكّد يزن أنّ ضبّاطاً سوريين من قوات النظام السوري موالين لروسيا أشرفوا على التسجيل وقدّموا العروض للشبّان الراغبين بالانضمام إلى جبهات القتال في أوكرانيا مقابل مبالغ ماليّة.

يشير يزن، الذي قَبِل عرض السفر إلى أوكرانيا، أنّ الإغراءات المادية دفعته إلى قبول العرض مقابل راتب شهري سيحصل عليه من الروس ويبلغ 1300 دولار أميركي، بدلاً من 140 ألف ليرة سورية (35 دولاراً) هي راتبه الأساسي الذي يتقاضاه من قوات النظام، مؤكّداً أنّ الكثيرين قبلوا عرض القتال في أوكرانيا.

اللافت أنّ المرتزقة الجدد اليوم، الذين يستعدّون للسفر إلى أوكرانيا، يرون أنّ قدماء المرتزقة السوريين في ليبيا الذين جنّدتهم روسيا وقتذاك للقتال هناك حسّنوا أوضاعهم المعيشية بشكل “لا يصدّق”. وهم في طريقهم ليحصلوا على هذا التغيير الذي “لا يُصدّق”، أو ربما للموت في شوارع أوكرانيا.

[VIDEO]

 

 

إقرأ أيضاً

النازحون السوريون: 75 ألف موقوف… و20 ألف مسلّح؟

أعادت الأحداث الأمنيّة الأخيرة المتكرّرة على أيدي نازحين سوريّين، قضية النزوح السوري وتداعياته الأمنيّة إلى الواجهة من جديد. وبين عنصرية وتخوّف من واقع ضاغط اجتماعياً…

“الحشّاشون الجدد”: من الحسن الصبّاح… إلى غزّة

يعتبر المسلسل المصري “الحشّاشين”، الذي يتحدّث عن طائفة “الإسماعيلية النزارية” وزعيمها الأسطوري الحسن الصباح، أبرز الأعمال الدرامية العربية في هذا الموسم الرمضاني، حيث تصدّر نسب…

تحقيق المرفأ: انفراجة قريبة؟!

في ظلّ الخواء السياسي الكامل الذي تُرجِمت آخر “إنجازاته” بالتمديد لبلديّات “فارطة ومفلسة”، وارتفاع منسوب حرب الأعصاب رئاسياً وعسكرياً ربطاً بالوضع “الحربي” على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية،…

ورقة فرنسا: أميركا تصرّ على “الانسحاب” وليس “إعادة التموضع”

ستقدّم فرنسا ورقة منقّحة عن الورقة التي قدّمتها “بشكل غير رسمي” خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه مطلع شباط الماضي إلى بيروت. تغيّرت الورقة…