رصاصة تقتل أحلام ثائر

2020-02-22

رصاصة تقتل أحلام ثائر

مدة القراءة 4 د.


مسعود سرعلي

لم يكن عبد الرؤوف المصري يعلم أنّ “هدية” عيد ميلاده الثامن عشر ستكون مختلفة عن غيرها هذا العام. ابن منطقة النخلة في الكورة أبكته “الهدية” وجعاً لا فرحاً، وكانت ثقيلة ألماً لا وزناً، وستبقى في ذاكرته ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.

في 14 كانون الثاني، وبينما كان الشاب يتظاهر مع مجموعة من رفاقه في كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية في منطقة البحصاص بطرابلس، مثلما جرت العادة منذ 17 تشرين الأول الماضي، تفاجأوا بسيارة ذات زجاج داكن تريد المرور. الشبان لم  يسمحوا لها بالمرور، إلا أنها نجحت بالالتفاف عليهم.

“من الواضح أن صاحبها لديه واسطة كبيرة”، يقول المصري، لأنها أردات المرور بالقوة. لم ينتهِ الأمر هنا. يتابع: “بدأ الجيش بدفعنا جميعاً وبدأت مجموعة خلفنا بإلقاء الحجارة عليه، ولا نعلم من هي هذه المجموعة، إذ إن أي أحد من الطلاب لم يرشق الجيش بالحجارة”.

إقرأ أيضاً: طرابلس: من يحاول “إعدام” ساحة النور؟

لم يكتف عناصر الجيش بدفع الطلاب، وفق المصري، بل بدأوا بضربهم بالعصي. هنا، تراجع الشاب ورفاقه. رفع يديه في الهواء وقال للعسكر: “ما خصّنا يا وطن”. ثم تراجع نحو الرصيف وأصبح بجانب إحدى محطات  الوقود، عازماً على المغادرة.

لكن الكارثة سبقته: أطلق عنصر من الجيش، لم يعرف عبد الرؤوف اسمه حتى هذه اللحظة، الرصاص بشكل مباشر صوبه. الرصاصة  أصابت المنطقة الحساسة من الجسم، فأزالت جزءًا من فخده وأصابته بخمسة جروح كبيرة لم تلتئم بعد، وأخضعته لعملية استئصال الخصية اليمنى.

ويشير تقرير الطبيب الشرعي، الذي حصل “أساس” على نسخة منه، إلى “خطورة عدم الإنجاب” بسبب تضرر المنطقة التناسلية بشكل كبير. لا يستغرب المصري حجم الأضرار الجسدية، إذ إن “العنصر أطلق النار من مسافة تقل عن عشرة أمتار، وكان السلاح موجهاً نحو منطقة من الجسم يُمنع العسكريون من إطلاق النار صوبها”. 

[PHOTO]

إخبار في “العسكرية”

كان يمكن لقضية الشاب، على قساوتها، أن تنتهي (أقله قانونيا) بإحقاق الحق وبطريقة فورية. إلا أن المفاجأة كانت في سير التحقيق منذ اليوم الأول. يوضح المصري: “طلبنا فتح تحقيق ولم يتم ذلك فورًا، فقد حاولت القوى الأمنية المماطلة بالقضية لمدة 24 ساعة لأن القضية تصبح لاغية بعد هذه المدة”.

 يضيف: “الجيش كان يطلب منا أن نتكلم مع قوى الأمن، وقوى الأمن تلقي بالقضية على عاتق الجيش، حتى ضغطنا عليهم وتسلمت قوى الأمن القضية أخيراً”. بعدها، انتقل الملف إلى عهدة الشرطة العسكرية، التي لم يصدر عنها أي شيء حتى الآن، الأمر الذي دفع محامي المصري، خالد مرعب، إلى صياغة إخبار وتقديمه إلى المحكمة العسكرية.

من جهته، يقول مرعبْ “لا نستطيع تقديم دعوى مدنية مباشرة ضد العسكري الذي أطلق الرصاص، لكننا بصدد تقديم إخبار أمام المحكمة العسكرية”، وذلك “لنعرف هوية العسكري ومن أمره إذا كان هناك من أمر، أو أنّه تصرف من تلقاء نفسه”.

وإذ يؤكد مرعب أن الجرم يُعتبر “التسبب بعاهة دائمة”، يستغرب “كيف مضت أسابيع على القضية وحتّى اليوم لم يحقق أحد مع مطلق النار، ولم يقولوا لنا اسمه، وحتى إذا حققوا معه لم يذكروا لنا أي شيء من هذا القبيل”، مشدداً على “أننا لن ننتظر صدور النتيجة من الشرطة العسكرية، لأنه ثمة  شكوك لدينا باحتمال لفلفة الأمور”.

بعد خروجه من المستشفى، حيث قضى هناك خمسة أيام، عاد المصري إلى حياته شيئاً فشيئاً. يحضر صفوفه الجامعية ويلتقي بالرفاق والرفيقات “الذين لم يتركوني يومًا”. لكن حالته الصحية لم تُشفَ بعد، وهو بصدد إجراء المزيد من الفحوصات في الأسابيع المقبلة.

أما أهله، الذين عاشوا حالة صدمة في الأيام الأولى، فهم اليوم إلى جانبه في كل لحظة، حتى إنّ والده سيشاركه في التظاهرات المقبلة ما إن يتمكن الإبن من النزول إلى الشارع مجددًا. “هذا الأمر جعلني أقوى”، يقول المصري، آملا أن تحقق الثورة أهدافها.

إقرأ أيضاً

17 تشرين: خروج الشباب على الولاء للزعماء

تحلّ الذكرى السنويّة الثالثة لانتفاضة 17 تشرين، ولبنان غارق في أزمات وجودية متناسلة وغير مسبوقة في تاريخه الحديث. في هذه المناسبة أعدّ “أساس” ملفّاً متنوّعاً…

سوريّة – كرديّة: 17 تشرين جعلتني “لبنانية”

تحلّ الذكرى السنويّة الثالثة لانتفاضة 17 تشرين، ولبنان غارق في أزمات وجودية متناسلة وغير مسبوقة في تاريخه الحديث. في هذه المناسبة أعدّ “أساس” ملفّاً متنوّعاً…

بوجه من انتفضوا: المناهبة”(*) الخماسيّة؟ (2)

تحلّ الذكرى السنوية الثالثة لانتفاضة 17 تشرين، ولبنان غارق في أزمات وجوديّة متناسلة وغير مسبوقة في تاريخه الحديث. في الحلقة السادسة ينشر “أساس” مقتطفات من فصل…

في انتظار تجدّد “يوفوريا” 17 تشرين

تحلّ الذكرى السنويّة الثالثة لانتفاضة 17 تشرين، ولبنان غارق في أزمات وجودية متناسلة وغير مسبوقة في تاريخه الحديث. في هذه المناسبة أعدّ “أساس” ملفّاً متنوّعاً…