توائم النظام العربيّ الإقليميّ

2021-09-05

توائم النظام العربيّ الإقليميّ

مدة القراءة 6 د.

تطلق كلّ دولة عربية على الدول العربية الأخرى بشكل رسمي لقب الشقيقة أو الشقيق. والسبب يعود إلى جوامع مشتركة من التاريخ والجغرافيا والانتساب الديني والإثني لهذه الدول. وعلى الرغم من أنّ هناك مشاكل بين الدول العربية، إلا أنّ لفظ الشقيقة أو الشقيق يلازم الإشارة إلى أيّة دولة عربية أخرى.

حتى في ردّة الفعل على قطع العلاقات من قبل الجزائر، أشار المغرب إلى الجزائر بالشقيقة. ولا شكّ أنّ الأخوّة العربية نشأت مع تشكّل النظام العربي الإقليمي الذي حلّ محلّ النظام الإمبراطوري العثماني، خاصة بعد الثورة العربية الكبرى وتقسيم بلدان المشرق العربي إلى أقطار تحت الانتدابين البريطاني والفرنسي.

لا يزال الاتّحاد العربي بعيد المنال، بل إنّ الدولة الوطنية نفسها أصبحت عرضةً لخطر التمزّق، كما نرى في العالم العربي

وأصبحت غاية هذه الدول التوحّد تحت نظام اتّحادي من المحيط إلى الخليج. ولكنّ المعوّقات الداخلية والخارجية حالت دون ذلك. ولا يزال الاتّحاد العربي بعيد المنال، بل إنّ الدولة الوطنية نفسها أصبحت عرضةً لخطر التمزّق، كما نرى في العالم العربي، ولو أنّ أشكالاً أخرى من التعاون الإقليمي قد تحقّقت لفترة، وفترت لبعض الوقت. إنّ الطريق إلى تحقيق اتّحاد، ولو على نمط الاتحاد الأوروبي، معبّدٌ بالألغام.

ولكنّ الموضوع الذي نحن بصدده هو توائم الدول العربية. هل هناك توائم بين الدول العربية الشقيقة؟ بمعنى آخر، هل هناك اشتباك وعلاقة بين قطرين عربيّين أكبر من علاقتهما مع دول أخرى؟ وهل هناك مشترَكات تميِّز بين قطرين عربيّين وسائر الدول الأخرى؟ أين هذا التمايز وكيف يمكن تحديده؟

هناك ما يمكن تسميته توائم بين الدول العربية تتميّز بعلاقات تاريخية وسكّانية وجغرافية تختلف نوعيّاً عن علاقة تينك الدولتين بشقيقاتهما الأخريات. ولعلّ أوضح مثال على هذه التوأمة هو العلاقة بين اليمنيّين. فاليمن، الذي كان يمناً جنوبياً وآخر شمالياً، اتّحد في دولة واحدة في عام 1990. وكانت هذه الرقعة الجغرافية تتقاسمها عدّة دول في الشمال والجنوب. وقد برز اليمن الجنوبي من رحم الاستقلال الوطني عن بريطانيا، وشكّل كياناً سياسياً موحّداً. وبرز اليمن الشمالي كياناً سياسياً جديداً منذ حكم الأئمّة وعقب الثورة اليمنية. وقد التصق الشطران أحدهما بالآخر كتوأمين، وما انفكّا يناديان بالوحدة الوطنية بين بلديهما.

وفي الخليج يمكن رؤية قطر والبحرين، على الرغم من حالة التنافر الحالي، كتوأمين في المنطقة. وقد كانت هناك مشترَكات كثيرة بين القطرين، حيث حَكَم آل خليفة جزءاً من قطر، وتنتمي أسر بحرينية إلى قطر. وليس من علمين عربيّين يتشابهان مثل العلمين البحريني والقطري.

وكذلك هي الحال بالنسبة إلى دولة الإمارات وسلطنة عُمان اللتين يمكن أن يُعتبرا توأمين. فالعلاقة التاريخية بين الدولتين بادية للعيان. وكان يُطلَق على المنطقة اسم ساحل عمان إلى أن توحّدت إماراتها السبع تحت راية الإمارات العربية المتحدة. وهناك الكثير من الصفات البشرية الجامعة بين شعبيْ الدولتين، وتمازج بين قبائل المنطقة في الدولتين.

وإذا ما انتقلنا إلى بلاد الشام، فإنّنا نجد علاقة خاصة بين سوريا ولبنان يمكن أن نصفها بالتوأمة. فالتشابه بين القطرين كبير، وقد وُلِدا من رحم الانتداب الفرنسي الذي أعطاهما هويّة سياسية متميّزة، ولكن بقيا شديدي الالتصاق. فبالإضافة إلى الجغرافيا، يتشارك البلدان تعدّديّة الطوائف، ويتشابك الشعبان من خلال علاقات القربى والتزاوج، ولهجة أحدهما أقرب إلى لهجة الآخر منها إلى أيّ لهجة لأيّ دولة عربية أخرى في المنطقة.

وفي المنطقة نفسها، يشكّل الأردن وفلسطين توأمين خرجا من الانتداب البريطاني ككيانين سياسيَّيْن. إلا أنّ فلسطين وقعت فريسة الحركة الصهيونية، وتشكّلت إسرائيل على أنقاضها. وعلى الرغم من ذلك استبقى الأردن جزءاً من أرض فلسطين ضمن المملكة الأردنية إلى أن احتلّتها إسرائيل في عام 1967. إلى يومنا هذا، لا يزال الفلسطينيّون يشكّلون أغلبية سكان شرق الأردن، والتواصل بين الجانبين كبير ومتعدّد.

هناك ما يمكن تسميته توائم بين الدول العربية تتميّز بعلاقات تاريخية وسكّانية وجغرافية تختلف نوعيّاً عن علاقة تينك الدولتين بشقيقاتهما الأخريات. ولعلّ أوضح مثال على هذه التوأمة هو العلاقة بين اليمنيّين

يشكّل الجزء الإفريقي من العالم العربي أغلبية العالم العربي مساحةً وسكّاناً. فمعظم أراضي الوطن العربي تقع في إفريقيا، ومعظم العرب هم أفارقة. ونجد أيضاً توائم بين الأشقّاء العرب في إفريقيا. فمصر والسودان كانتا دولة واحدة تحت ما كان يُسمّى السودان الإنجليزي المصري إلى أن استقلّ السودان عام 1956. ولا شكّ أنّ بين شعبيْ القطرين جامعاً بشرياً، بالإضافة إلى التاريخ السياسي المشترك. ويشترك أبناء وادي النيل بمصالح جيوستراتيجية ليس أقلّها نهر النيل.

وإلى غرب مصر تقع ليبيا وتونس، ولكنّ توأمتهما فيها قليل من التفصيل. فغرب ليبيا يتناغم مع تونس بشكل أكبر من برقة. وهناك تماهٍ بين لهجة أهل الغرب الليبي واللهجة التونسية. وكثير من العائلات التونسية ترجع أصولها إلى ليبيا. وتلفت أحد المصادر إلى اشتراك “تونس وليبيا في الكثير من الألقاب، حيث تتوزّع ألقاب الطرابلسي والترهوني والورفلي والغرياني والفرجاني والرياني والغدامسي والمصراتي والزليطني والقماطي والككلي والرقيعي والزواري واليفرني والورشفاني على المدن التونسية والليبية على حدّ سواء”، حتى إنّ أصول الرئيس الحبيب بورقيبة تعود إلى مدينة مصراتة في ليبيا.

وأخيراً، وليس آخِراً، التوأم اللدود الجزائري والمغربي. ما يجمع هاتين الدولتين الوازنتين في شمال إفريقيا أكثر ممّا يفرّقهما. فالدولتان كانتا مستقلّتين قبيل الاستعمار الفرنسي، تحت حكم الدايات في الجزائر، والأسرة العلوية في المغرب. وبرزتا كدولتين مستقلّتين في النصف الثاني من القرن العشرين بعد عقود من الحكم الاستعماري الفرنسي.

إقرأ أيضاً: القنبلة الموقوتة بين المغرب والجزائر

ويشترك المغرب والجزائر في تكوينهما السكاني من الأمازيغ والعرب أكثر من أيّة دولة أخرى في شمال إفريقيا. وقد عزّزت الهجرة السكانية بين البلدين بسبب طلب العلم والتجارة والعمل من التمازج السكّاني بين البلدين. وقد أدّى هذا إلى ما أشارت إليه إحدى الدراسات من أنّ ما “يجمع سكان المغرب الأقصى والجزائر هو لغات وعادات وتقاليد اكتسبوها عبر الحقب الزمنية. ولديهم موروث من التصوّرات والأفكار حول بعض الأشياء متشابه، وهذه التشابهات لم تُزِلها الحدود السياسية، بل إنّهم ظلّوا يطوّرون هذا الموروث حسب الأحداث والوقائع التي تعترض كلّاً منهم، وأهمّها اللغة”.

ليس هذا المقال دعوةً إلى إقامة وحدة على أساس التوأمة، وليس له هدف سياسي معيّن، ولكنّ الغرض تقديم وصف تحليلي لواقع معيش. وقد يرى أحدهم أنّ هؤلاء التوائم هم أركان نظام عربي إقليمي بعدما اعترى هذا النظام كثير من العطب والعوار.

 

كاتب ومفكّر إماراتيّ.

*أستاذ ملحق على كلّيّة الدفاع الوطنيّ الإماراتيّة.

مستشار سياسيّ سابق في القيادة العامّة للقوّات المسلّحة الإماراتيّة.

مدرّس مساعد في جامعة ميتشيغان – أن آربر.

إقرأ أيضاً

عراضة “الجماعة” في عكّار.. ومرحلة ما بعد حرب غزّة

بعد العراضة المسلّحة لـ”الجماعة الإسلاميّة” في منطقة عكار الشمالية، بدأت تظهر ملامح مرحلة ما بعد حرب غزّة في لبنان. تبدو الحاجة أكثر من أيّ وقت…

لا عزاء للمساكين

“لم أغسل دمي من خبز أعدائي  ولكن كُلّما مرّت خُطَايَ على طريقٍ فرّتِ الطرقُ البعيدةُ والقريبةُ   كلّما آخيت عاصمة رمتني بالحقيبةِ فالتجأتُ إلى رصيف الحلم…

“أخوة يوسف”* أمام معضلة خط الحرير العراقيّ

عاديّ أن يقلق البعض على هامش زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الأخيرة للعراق، أمام مشهد توقيع مذكّرة تفاهم رباعية للتنسيق والتعاون ذات طابع استراتيجي…

الجماعة الإسلامية إلى أين؟

عندما أنشئت الجماعة الإسلامية في ستينات القرن الماضي (وتمّ وقتها الترخيص للحزب الشيوعي وكان وزير الداخلية كمال جنبلاط)، كانت تهدف إلى المحبة والتسامح والعيش المشترك…