ماذا حصل في 23 تمّوز 1952؟

2023-09-01

ماذا حصل في 23 تمّوز 1952؟

مدة القراءة 4 د.


ليلة “23 تمّوز” 1952 هي خلاف بسبب طبيعتها. هناك من يعتبرها ثورة، فيما آخرون يعتبرونها انقلاباً لا غير. وبعيداً عن التجاذبات السياسية، كيف يجب فهم ما حدث في ذاك اليوم الذي يُعتبر مفصلاً مهمّاً في التاريخ العربي المعاصر؟

أعتقد أنّ الكثيرين يجادلون في طبيعة التغيير حسب أهوائهم السياسية. فالذين يمجّدون الرئيس جمال عبدالناصر يعتبرون ما حصل ثورة مكتملة الأركان. أمّا الذين كان التغيير بالنسبة إليهم إلى الأسوأ، فيعتبرون الحدث انقلاباً على الشرعية الدستورية حينها.

يعود السبب إلى أنّ كلّ الانقلابيين يطلقون على عملية تغييرهم أسس الحكم ومرجعيّته تسمية “ثورة”، على أساس أنّ الثورة لها شرعية وأنّ الانقلاب سطو على الشرعية. وبغضّ النظر عن كيف يمكننا أن نميّز بين ما حصل في “23 تموز” وبين أحداث أخرى حصلت في العالم العربي أدّت إلى تغيير في الحكم، هل يمكن مساواة ما حصل في مصر في تموز 1952 بما حصل في العراق في تموز 1968 (حركة 17 تموز) وأطاح بعبد الرحمن عارف؟ هل هناك فارق نستطيع أن نحصيه، كيفاً وكمّاً؟

الانقلاب الذي حصل في العراق وأتى بحزب البعث إلى الحكم والانقلابات المماثلة له في الدول العربية والإفريقية والأميركية اللاتينية هي حركات يسيطر فيها الجيش على الحكم ويغّير في الواقع رأس الهرم ويبقى النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي كما كان. حتى السياسة الخارجية تستمرّ على ما هي عليه.

من ناحية تقويم إيجابيّات وسلبيّات التغيير، الأمر متروك للآراء السياسية التي قد يختلف عليها العقلاء. وحتى في الثورات الشعبية التي أشرنا إليها يختلف الباحثون على نتائجها السياسية، لكن لا ينكرون أنّ التغيير كان بفعل ثورة لا انقلاب

تحويل بنيويّ: ثورة النخب

أمّا ما حصل في “23 تموز” فكان تحوّلاً نوعيّاً في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. تقول عالمة الاجتماع السياسي الأميركية الين تريمبيرقر إنّ هناك نوعاً من الثورات يختلف عن الثورات الشعبية التي تثور فيها جماهير عريضة ضدّ نظام الحكم، كما حصل في فرنسا والصين وروسيا وإيران، وهي ثورات النخب أو الثورة من أعلى. هي ليست بانقلاب بل هي ثورة بسبب نتائجها اللاحقة على أصعدة كثيرة وواسعة.

وخصائص الثورات “من أعلى” أنّها تهدف إلى السيطرة على النظام من “خارج” الأطر الدستورية والشرعية، على يد قادة عسكريين ومدنيين. تكون المشاركة الشعبية منعدمة فيها، لكن قد تسبقها أحداث شعبية واضطرابات جماهيرية. وبعكس الثورات الشعبية تنعدم أعمال العنف أو الإعدامات. وخلافاً للثورات الشعبية أيضاً، فإنّ الثورات “من أعلى” تتوخّى الحذر وتتجنّب التطرّف وتتّخذ خطوات متأنّية وبراغماتية. لكنّ مثل الثورات الشعبية تقوم النخب العسكرية، التي أحدثت هذا النوع من الثورات، بتدمير الأسس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للنظام القائم، وهو ما يجعلها مشابهة للثورات الشعبية.

هذه المعايير التي حدّدتها عالمة الاجتماع السياسي تريمبيرقر تجعل ما حصل في “23 تموز” 1952 ثورة “من أعلى”. ولا غرو أنّها اختارت مصر كأحد الأمثلة على الثورات النخبوية أو الثورة “من أعلى”، من ضمن أربعة نماذج، وهي حرب الاستقلال في تركيا بقيادة أتاتورك في 1919 – 1923، إصلاح ميجي في اليابان عام 1868، وأخيراً بيرو في 1968. ويمكن إضافة حالة إثيوبيا في 1974 التي تتّسق مع الثورات “من أعلى”. ويعود السبب إلى أنّه في كلّ الحالات المذكورة قامت نخب من العسكريين بإحداث تغييرات لا تقلّ جذرية عمّا أحدثته الثورات الأخرى الشعبية، اللهمّ إلا في وسيلة التغيير التي تُحدث “ثورة من أسفل”، كما حصل في إيران على سبيل المثال أو روسيا أو الصين أو فرنسا في عصور متفاوتة.

في حالة مصر، قام من سُمّوا بـ”الضبّاط الأحرار” بتغيير في بنية الدولة والمجتمع من خلال إصلاح زراعي قوّض من قوّة مكانة كبار الملّاك الزراعيين وأنهى حكم الأقلّية من طبقة الأتراك – الشركسيين وأعاد سيطرة أبناء مصر الأصليين. وأنهت الثورة النفوذ الأجنبي والوجود البريطاني في مصر.

إقرأ أيضاً: طهران للرياض: لا رئيس استفزازي لكم في لبنان..

ليس المهمّ الإجماع على نتائج هذه التغييرات، بل المهمّ التوصيف التحليلي لهذه التغييرات. من ناحية تقويم إيجابيّات وسلبيّات التغيير، الأمر متروك للآراء السياسية التي قد يختلف عليها العقلاء. وحتى في الثورات الشعبية التي أشرنا إليها يختلف الباحثون على نتائجها السياسية، لكن لا ينكرون أنّ التغيير كان بفعل ثورة لا انقلاب.

ما نحتاج إليه هو تجنّب إدخال الأهواء السياسية في التحليل العلمي، مع الاعتراف بحقّ الجميع في إبداء الرأي السياسي في هذه المواضيع المصيرية.

إقرأ أيضاً

العراق: “السلطان” التركي.. بمواجهة “الفقيه” الشيعي؟

قد لا يكون من السهل تجاوز الكلام الصادر عن خميس الخنجر، الذي يُعتبر أحد أبرز قيادات المكوّن السُنّي. وهو زعيم “تحالف عزم”. وصاحب “المشروع العربي”….

نتنياهو: واشنطن تعتبره “ابن زانية”.. منذ 1994

في عام 1994 كان جورج بوش الأب رئيساً للولايات المتحدة. وكان جيمس بيكر وزيراً للخارجية. وفي إسرائيل كان بنيامين نتنياهو نائباً لوزير الخارجية. في ذلك…

“الحركة” خسرت… وإسرائيل لم تربح

خسرت “حماس” حرب غزّة، لكنّ إسرائيل لم تربح هذه الحرب ولا يمكن أن تربحها. خسرت “حماس” لأنّها تسبّبت في تدمير قطاع غزّة على رؤوس الغزّيّين،…

التصعيد ضدّ أذرع إيران… تقابله مرونة لإنقاذ رفح؟

تسابق الضغوط من أجل إحياء مفاوضات الهدنة في غزة قرار الحكومة الإسرائيلية اقتحام رفح. يترافق ذلك مع رصد جدّية الليونة التي أبدتها قيادة “حماس” الداخل…