إسرائيل والسلطة وأصل الحكاية

2022-10-07

إسرائيل والسلطة وأصل الحكاية

مدة القراءة 4 د.

بعد خطابه في الأمم المتحدة الذي وُصف بالناريّ، حاول الرئيس الفلسطيني محمود عباس تهدئة المستوى الرسمي الإسرائيلي بأن بعث برسالة تهنئة إلى وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس لمناسبة الأعياد اليهودية. ومع أنّ رسائل من هذا النوع تتّخذ طابع المجاملة البروتوكولية، إلّا أنّها في الحالة الملتهبة بين الإسرائيليين والفلسطينيين لم تُقوَّم كذلك، بل اعتُبرت ذات مدلول سياسي.

 

عباس يشكو “الخذلان”.. أوسلو انهار

لم يعُد يُخفي الرئيس عباس شعوره بالخذلان من قبل كلّ مَن له صلة بالحالة الفلسطينية  ـ الإسرائيلية، بدءاً بما يوصف عادة بالمجتمع الدولي، مروراً بالعرب، وانتهاء بالأوروبيين والأميركيين. وإذا كان خطابه في الأمم المتحدة أفصح عن ذلك ببعض التحفّظ الطفيف، إلا أنّ لقاءه مع الجالية الفلسطينية في نيويورك كان شديد الوضوح والمباشرة في الشكوى، حتى بدا أن ليس للرجل وما يمثّل حلفاء ولا حتى أصدقاء، فدائرة الخذلان والتخلّي كما قال أُغلقت تماماً.

الرئيس عباس وهو أحد روّاد الواقعية السياسية في الحالة الفلسطينية المكتظّة بالشعارات، التي تراوح بين الصعب والمستحيل، يعرف أكثر من غيره بأنّ مشروع أوسلو، الذي اقترن باسمه لدوره في إدارة التفاوض عليه، قد انهار بصورة نهائية، ولم يعد وارداً عند رعاته المقتدرين “أميركا وأوروبا وقوى السلام في إسرائيل”، التفكير في كيفيّة إنقاذه وإعادته إلى الحياة، بل ذهبوا جميعاً إلى البديل الأسهل والأقلّ كلفة، وهو الحديث عن حلّ الدولتين كمبدأ مع حديث بصوت أعلى عن أنّ هذا الحلّ غير قابل للتطبيق ولا حتى للتفاوض عليه. ومن أجل ملء الفراغ الذي يجسّد مستنبتاً نشطاً للعنف المتبادل، يجري التنقيط في حلق السلطة الفلسطينية الجافّ كي تبقى على قيد الحياة.

الحكومة الإسرائيلية الواقفة على خطّ التماس بين البقاء أو الرحيل، تدير سياسة ميدانية شديدة الإحراج للسلطة، وتبدو بالنسبة إلى الجمهور الفلسطيني مغالية في الإهانة والإذلال

“محاصرة” السلطة الفلسطينية من كل الجهات

السلطة الفلسطينية، وربّما أكثر من أيّ وقت مضى، واقعة بين شقّي رحى يصعب، إن لم أقل يستحيل، الإفلات من ضغطهما الثقيل. أوّلهما الشقّ الأميركي الإسرائيلي الذي يطلب من السلطة بل ويضغط عليها للقيام بما لا تستطيع القيام به، أي السيطرة على مناطقها أمنيّاً، والشقّ الآخر والأكثر صعوبة هو تنامي نفوذ المسلّحين الخارجين عن السيطرة الذين اخترعت إسرائيل وصفاً لهم، وهو “الذئاب المنفلتة”. فهؤلاء لم يعودوا مجموعات صغيرة تتمركز في منطقة واحدة، بل يمكن تلمس أفعالهم في كلّ مكان ومع كلّ موقعة يؤدّونها في مواجهة الاحتلال. يتّسع التعاطف الشعبي معهم، وهو ما ينذر بتفجّر الاحتقان الشعبي في وجه السلطة التي لا تقوم بحماية شعبها من الاقتحامات والاجتياحات الإسرائيلية التي بلغ بعضها حدّ العمل على مقربة من مركز السلطة “المقاطعة” في قلب العاصمة المؤقّتة رام الله.

 

“السلطة” تواجه خطر الإنهيار

وما يزيد الوضع تعقيداً الغياب المطلق لِما كان يبرّر التنسيق الأمنيّ زمن ازدهار المفاوضات والتقدّم نحو الحلول، وحلول تنسيقٍ محلّه وإن لم يكن فعّالاً بالقدر الذي تريده إسرائيل إلا أنّه عارٍ تماماً عن غلافه السياسي، وهو ما قد يؤدّي لو استمرّ الوضع الراهن على حاله إلى تجويف السلطة، وربّما انهيارها بفعل فقدانها لمبرّر وجودها.

الحكومة الإسرائيلية الواقفة على خطّ التماس بين البقاء أو الرحيل، تدير سياسة ميدانية شديدة الإحراج للسلطة، وتبدو بالنسبة إلى الجمهور الفلسطيني مغالية في الإهانة والإذلال. فهي لا تكفّ عن اقتحام مناطق السلطة مع إفراط في القتل على نحو لا ينجو منه الأطفال، وفي ذات الوقت تطلب من السلطة أن تكون رديفاً أمنيّاً للجيش الإسرائيلي، كي تحقّق لإسرائيل ما عجزت عن تحقيقه، وهو الأمن الراسخ الشامل والدائم والمستقرّ.

حكاية إسرائيل مع الفلسطينيين المؤمنين بإزالة الإحتلال

إسرائيل بذلك تتجاهل حقائق مثبتة في سياق الصراع مع الفلسطينيين، أهمّها أو جذرها أنّه ما دام احتلالها قائماً واستيطانها مستمرّاً فلا جدوى من كلّ ما تفعل. إنّها ومن خلال مواصلة اعتناقها وهم ترويض الفلسطينيين وإرغامهم على مقايضة حلمهم الوطني الذي يرقى إلى مرتبة القداسة ببعض التسهيلات التي يسمّونها الحلّ الاقتصادي فإنّ حكايتها ليست مع سلطة لم يبقَ بين يديها من أوسلو سوى التنسيق الأمنيّ غير المجدي، ولا مع قطاع محدود من رجال أعمال يحصلون على تسهيلات في التنقّل والاستثمار، ولا مع من يتوهّم قدرة حاسمة على نزع سلاحهم بقتل أو اعتقال حامليه.

إقرأ أيضاً: الفيروس الفلسطيني: الإنقسام؟

إنّ حكايتها مع الشعب الفلسطيني كلّه الذي إن اختلف على أشياء كثيرة فإنّه يُجمع على حتميّة التخلّص من الاحتلال، وهذا هو أصل الحكاية.

إقرأ أيضاً

أميركا “بايدن” ليست أميركا “أيزنهاور”

لماذا جو بايدن ليس قويّاً ولا حاسماً؟ ولماذا بايدن في غزة ليس الجنرال أيزنهاور مع إسرائيل في حرب السويس؟     منصب الرئيس الأميركي هو…

1958، 1967، 2024

يعيش لبنان على خطّ زلزال يشبه الزلزال الذي ضربه بين عامَي 1958 و1975، وهدم الدولة بكامل أركانها وشرّع الكيان على خطر الاندثار. فما يمرّ به…

“لُغة” معراب: إسرائيل “مظلومة”

“سقطة” كبيرة وقعت فيها معراب في بيانها الختامي يوم السبت. قدّمت لغةً لا تصلح لتكون جامعة. بل لغة تقدّم إسرائيل على أنّها “مظلومة”. وتجهّل “الفاعل”…

العراق: “السلطان” التركي.. بمواجهة “الفقيه” الشيعي؟

قد لا يكون من السهل تجاوز الكلام الصادر عن خميس الخنجر، الذي يُعتبر أحد أبرز قيادات المكوّن السُنّي. وهو زعيم “تحالف عزم”. وصاحب “المشروع العربي”….