العراق: إيران تحاصر الأكراد… بتسييس المحكمة الاتحادية

2024-03-18

العراق: إيران تحاصر الأكراد… بتسييس المحكمة الاتحادية

مدة القراءة 6 د.

لماذا استقال القاضي الكردي عبد الرحمن زيباري من عضوية المحكمة الاتحادية العليا العراقية؟ استقالة برّرها بعدم قدرته على مواجهة القرارات التي تتّخذها هذه المحكمة في القضايا الإشكالية بين حكومة الإقليم الفدرالية في إربيل والحكومة الاتحادية في بغداد. إلا أنّها في الحقيقة تكشف عن حقيقة أخرى تتعدّى إشكاليات العلاقة بين الإقليم والمركز. وأنّ الأزمة في هذه العلاقة تكمن في مكان آخر، وتتجاوز العلاقة مع الإقليم.

فجّر الأزمةَ المتراكمة بين بغداد وإربيل، قرارُ المحكمة الاتحادية العليا الأخير المتعلّق بتوطين رواتب موظّفي إقليم كردستان. وتكليف وزارة المالية الاتحادية دفع هذه الرواتب مباشرة من دون المرور بوزارة المال والاقتصاد في حكومة الإقليم.

إلا أنّ حكومة الإقليم لم تكن قادرة على رفع الصوت في وجه هذا القرار. خاصة أنّ الشارع الكردي يشهد حراكاً يومياً مطلبياً من كلّ موظّفي القطاع العام في الإقليم نتيجة عجز حكومته عن دفع الرواتب. بالإضافة إلى إجراءات التأخير أو الاقتطاع من هذه الرواتب لتمويل صندوق الادّخار المستقبليّ الذي أنشأته حكومة الإقليم لمواجهة العجز المالي المتراكم الذي تعانيه.

سكوت حكومة الإقليم على الإجراء الماليّ للحكومة الاتحادية بغطاء من المحكمة الاتحادية، لا يعني عدم وصول الأمور بين إربيل وبغداد إلى حالة من التوتّر. نتيجة استخدام بغداد لسلاح المحكمة الاتحادية، ودفعها إلى إصدار أحكام باتّة غير قابلة للنقض، في العديد من القضايا الخلافية بين الطرفين. كما حصل في قانون النفط والغاز. وإخراج وزير الخارجية والمالية الأسبق هوشيار زيباري من الحياة السياسية والسباق على رئاسة الجمهورية. بالإضافة إلى إلزام حكومة الإقليم بتحويل عائدات بيع النفط والغاز إلى الخزانة الاتحادية، وتسليم سلطات المنافذ الحدودية إلى الحكومة الاتحادية.

سكوت حكومة الإقليم على الإجراء الماليّ للحكومة الاتحادية بغطاء من المحكمة، لا يعني عدم وصول الأمور بين إربيل وبغداد إلى حالة من التوتّر

بصمات إيران على القرار

قد لا يكون انقضاض الحكومة الاتحادية، من خلال تفعيل عمل المحكمة الاتحادية، بعيداً عن تأثير وإيحاءات إيرانية. وذلك بهدف معاقبة حكومة الإقليم على طموحاتها السياسية. التي بدأت مع الاستفتاء على استقلال الإقليم في تشرين الأول من عام 2017. ثمّ الدور الذي لعبته في فتح جغرافيا الإقليم أمام نفوذ أجهزة المخابرات الدولية. خاصة الإسرائيلية. لاستهداف الأمن القومي الإيراني. حسب اتّهامات طهران لإربيل. فضلاً عن دورها في دعم الجماعات الكردية الإيرانية الانفصالية.

ربّما كانت الذروة التي شكّلت توافقاً بين الرغبة البغدادية والإيحاءات الإيرانية، هي التحالف الثلاثي الذي تألّف تحت عنوان “إرادة وطن”. بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر وحزب “تقدّم” بقيادة محمد الحلبوسي. لتشكيل حكومة أغلبية سياسية وبرلمانية كانت تعني بالنسبة للقيادات السياسية والفصائلية في بغداد، وحتى بالنسبة لطهران، إخراج هذه القوى من العملية السياسية. وبالتالي تقليم أظافر إيران ونفوذها في الدولة العراقية ومؤسّساتها وقراراتها السياسية. من خلال إبعاد حلفائها عن مراكز القرار.

إفراغ الفيدرالية من مضمونها

بين امتعاض الحزب الديمقراطي والقيادة البارزانيّة في إربيل من قرار المحكمة الاتحادية الماليّ، وترحيب حزب الاتحاد الوطني بقيادة بافل طالباني به… فإنّ قرار المحكمة الاتحادية تزامن مع قرار آخر يتعلّق بحصص أو “كوتا” الأقلّيات في الانتخابات البرلمانية للإقليم. من خلال إلغاء قانون كوتا الأقلّيات. التي كانت تُعتبر ورقة في يد الحزب الديمقراطي والقيادة البارزانية للسيطرة على برلمان الإقليم. وبالتالي على الحكومة والتفرّد بقراراتها وسياساتها.

فجّر الأزمةَ المتراكمة بين بغداد وإربيل، قرارُ المحكمة الاتحادية العليا الأخير المتعلّق بتوطين رواتب موظّفي إقليم كردستان

المسار الذي بدأته بغداد في التعامل مع الإقليم الكردي وضع القيادة السياسية الكردية أمام حقيقة واضحة. بأنّ المسار الذي تتّخذه قرارات المحكمة الاتحادية قد تحوّل إلى أداة سياسية في يد الدولة العميقة في بغداد. وهدفه العودة إلى صيغة الحكومة المركزية. من خلال إفراغ الصيغة الفدرالية التي نصّ عليها الدستور من مضمونها. وتحويل الفدرالية إلى مجرّد عنوان تمارَس تحته سياسة تحويل الإقليم إلى شبه إدارة ذاتية. من خلال تعزيز دور ونفوذ الحكومة الاتحادية داخل قرارات الإقليم الفدرالية الماليّة والأمنيّة والاقتصادية وحتى السياسية.

إيران تفكّك مراكز القوى المعادية لها

القوى السياسية والفصائل، وما يتبعها من إيحاءات إيرانية أو على الأقلّ قبول إيراني بهذه الإجراءات، تعمل على تفكيك وإنهاء كلّ مراكز القوى من خارجها. لعدم السماح بظهور قيادات منافسة أو تسعى إلى أن تكون مركز ثقل ونفوذ في العملية السياسية والقرار السياسي. واستخدام السلطة القضائية لتنفيذ هذه الأهداف، يكشف عن أزمة حقيقية في العملية السياسية في المشهد العراقي. وأنّ القوى السياسية من خلال مؤسّسات الدولة الرسمية عاجزة عن أداء دورها والتعامل السياسي مع الأطراف الأخرى. وهو ما يعني وصول العملية السياسية إلى حالة من الضعف أجبرتها على ضرب مبدأ استقلالية السلطات. وفتح الباب أمام السلطة القضائية للتعويض عن أدواتها السياسية في التعامل مع الأزمات المتراكمة. التي تعاملت معها على مدى عقدين بآليّات الصفقات والتسويات على حساب الدولة ومصالحها، وخدمةً لمصالح القوى السياسية الخاصّة.

الاعتراض الكردي على آليّات التصويت بالأكثرية في هيئة المحكمة جاء كورقة أخيرة تلعبها قيادة إربيل في مواجهة الضغوط

فماذا يعني قرار انسحاب أو استقالة القاضي زيباري من عضوية المحكمة الاتحادية كواحد من عضوين كرديَّين من أصل تسعة يشكّلون هيئة هذه المحكمة.؟

يعني أنّه بعدما طالت قراراتها السياسات التي مارسها الحزب الديمقراطي في إدارة الإقليم، لجأ متأخّراً إلى سحب شرعيّته عن هذه المحكمة. وهو اعتراض من القاضي على عدم وجود قانون ينظّم عمل هذه المحكمة. منذ إنشائها وإدراجها في الدستور العراقي عام 2005. اعتراضٌ لا يشكّل ورقة في يد المكوّن الكردي. الذي ارتضى العضوية والعمل فيها على مدى عقدين.

إقرأ أيضاً: السودان: الجيش يستعيد المبادرة بالسلاح الأوكراني..

الاعتراض الكردي على آليّات التصويت بالأكثرية في هيئة المحكمة الاتحادية جاء كورقة أخيرة تلعبها قيادة إربيل في مواجهة الضغوط السياسية والإدارية التي تمارسها الحكومة الاتحادية. خاصة أنّ الظروف الإقليمية والدولية لا تساعد على طلب الحماية الدولية أو التدخّل الدولي. وتحديداً الأميركية. في ظلّ ما يدور من تسويات تعقدها واشنطن مع طهران في العديد من الملفّات، من بينها ملفّ تقاسم النفوذ في العراق.

إقرأ أيضاً

التصعيد ضدّ أذرع إيران… تقابله مرونة لإنقاذ رفح؟

تسابق الضغوط من أجل إحياء مفاوضات الهدنة في غزة قرار الحكومة الإسرائيلية اقتحام رفح. يترافق ذلك مع رصد جدّية الليونة التي أبدتها قيادة “حماس” الداخل…

تفشّي وباء الصراعات.. هل يشعل حرباً عالميّة؟

العالم ليس بخير. مشهد العلاقات الدولية في ظلّ الحروب الصغيرة المتنقّلة هنا وهناك والصراع على النفوذ والتناحرات الإقليمية أشدّ تعقيداً ممّا كانت عليه الصورة عشيّة…

قادة غزّة: أزمة مكان أم خيارات؟

كثر الحديث “غير الموثّق بأدلّة رسمية” عن أنّ قطر بصدد الاعتذار عن عدم مواصلة استضافة قيادة حماس، حيث كانت ولا تزال حتى الآن المكان الأكثر…

العلم الفلسطيني: سرقته إيران.. أم ألقته “الدولة الوطنية” (2/2)

ولادة “الدولة” في المنطقة العربية مرّ بـ”قطوع” التفتيت والتقسيم وفق خريطة “سايكس – بيكو” التي قسمت بلادنا دولاً بين الانتدابين، فرنسا وبريطانيا. لكنّها وُلِدَت بلا…