إيران والردّ “فرض عين” شرعاً..

2024-04-08

إيران والردّ “فرض عين” شرعاً..

مدة القراءة 6 د.

ما من شك أنّ النظام الإيراني، منذ الخطاب الذي ألقاه المرشد في اليوم الثالث على عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عمل على إبعاد نفسه عن تداعيات هذه العملية وصدّ كلّ المحاولات التي قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لتحميل إيران المسؤولية.

خاض النظام أيضاً معركة على المستوى الداخلي كانت تهدف للدفع به إلى هذه المعركة والمشاركة فيها انطلاقاً من اعتقاد بأنّها الفرصة المناسبة في ظلّ انعدام التوازن داخل المؤسّسة الإسرائيلية السياسية والعسكرية والأمنيّة، وأنّ الفرصة سانحة لتوجيه ضربة قاسية لتل أبيب وحسم الصراع في اتجاه إخراج إسرائيل من المعادلة الإقليمية باعتبارها القوة الكبرى المنافسة لإيران ومشروعها في المنطقة، وهي محاولة بدأها جمع من قادة حرس الثورة. إلا أنّ تشدّد المرشد وتصدّيه لهذا التوجّه مكّناه من النجاح في السيطرة على هذه العقول الحامية داخل المؤسّسة العسكرية. وكان اعتبر أنّ ما تقوم به حماس والإسناد الذي يقدّمه الحزب في لبنان كفيلان بتحقيق النتائج العسكرية والسياسية التي تخدم مصالح الجميع.

الكلمة لخامنئي

هذا الموقف تمّت ترجمته في الموقف السياسي والحراك الدبلوماسي الذي قامت به طهران، خاصة من خلال قنوات الحوار غير المباشر مع الإدارة الأميركية والدول الغربية. وقد تصلّبت في موقفها بعد دخول الجماعة الحوثية في المعركة واستهدافها لخطوط النقل المائي في البحرين العربي والأحمر ومضيق باب المندب. وحتى في التعامل مع الدعوات الغربية إلى لعب دور مساعد في إقناع حماس بالقبول بالتسويات المطروحة لحلّ الأزمة. وتمسّكت بموقفها الذي يشترط أوّلاً إعلان وقف دائم لإطلاق النار كمقدّمة حتمية لأيّ حلّ.

 دخول إيران في هذه الحرب يعني بكلّ تأكيد أنّ تداعياتها لن تقف عند حدود من يشعلونها، بل ستكون أكبر

تراوح المنطق، الذي سيطر على الموقف الإيراني، بين بعدين أساسيَّين: الأوّل التمسّك بالموقف الداعم سياسياً ومادّياً وعدّة وعتاداً لكلّ حركات المقاومة في الإقليم، والثاني استقلالية هذه القوى والحركات في قراراتها التي تنفي إيران تدخلّها فيها، في محاولة لإبعاد أيّ اتّهام عنها بالوقوف وراء عملية حماس. وقد جاء هذا الموقف واضحاً في كلام المرشد عند تأكيده أنّ حماس لم تُطلع أحداً على قرارها ونواياها أو ساعة الصفر.

إيران

ربّما يكون المثل أو المقولة التي يستشهد بها العديد من السياسيين اللبنانيين عند توضيح موقفهم من الصراعات الداخلية، وتفيد أنّهم يجلسون على ضفّة النهر وينتظرون جثث أعدائهم أو الآخرين أن تمرّ من أمامهم، الأكثر صدقية في التعبير أو توصيف الموقف الإيراني من حرب غزة، والمستنقع الذي وقعت به تل أبيب جرّاء هذه الحرب. وقد جاء تمسّك طهران بمطلب إنهاء الحرب ووقف دائم لإطلاق النار، باعتباره الخطوة التي تضمن لها إعلان انتصار حلفائها، كجزء من انتصار مشروعها الإقليمي في مواجهة المشروع الإسرائيلي.

طهران وضفّة النهر

طهران ونظامها ومؤسّستها العسكرية التي جلست على ضفّة النهر على مدى الأشهر الستّة الماضية، كانت تؤكّد أنّها لن تسمح بجرّها إلى اللعب في الميدان الذي يحدّده أو يختاره لها نتنياهو. وعندما تريد الشروع في أيّ حرب، فلن تكون مدفوعة بالجانب العاطفي، بل نتيجة دراسة وإلمام بكلّ ما يمكن أن يحصل من تداعيات، بالإضافة إلى جانب مهمّ وأساسيّ هو معرفة ورسم خطوط الانسحاب أو إنهاء المعركة. فلطالما كان موقفها من التهديدات العسكرية الأميركية أنّ الذي يبدأ الحرب لن يكون الطرف الذي ينهيها، وأنّ دخول إيران في هذه الحرب يعني بكلّ تأكيد أنّ تداعياتها لن تقف عند حدود من يشعلونها، بل ستكون أكبر وقد تتحوّل إلى كرة نار ستتدحرج لتطال المنطقة والعالم.

أمام حتمية الردّ الإيراني، فإنّ قيادة النظام دخلت في سلسلة من الاجتماعات لتقدير ما يمكن أن ينتج عن هذا الردّ من تداعيات

الضربة الإسرائيلية التي استهدفت القسم القنصلي للسفارة الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، ومقتل أبرز قيادي في قوة القدس بعد الفريق قاسم سليماني، كانا رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إلى الإدارة الأميركية بأنّ أيّ تسوية لا تنتهي بمعاقبة إيران على دورها في عملية 7 أكتوبر، لن تعيد قوّة الردع الإسرائيلية، ورسالة إلى النظام الإيراني بأنّ من غير الوارد على أجندة نتنياهو أن يقبل بإنجاز إيراني أيّاً كان حجمه أو مستواه، ولن تقف أيّ اعتبارات ومحاذير أمام منع حصوله.

عمليات الضرب تحت الحزام التي مارسها نتنياهو في عمليات الاغتيال لقيادات في قوة القدس أو الفصائل الموالية لها، أو لعلماء البرنامج النووي الإيراني، كانت في إطار الحرب الاستخبارية المفتوحة بين الطرفين، ولم تكن تمسّ السيادة الإيرانية على الرغم من الحرج الكبير بسبب الخسائر البشرية والمعنوية التي لحقت بطهران. إلا أنّ قفز نتنياهو على هذه الخطوط المرسومة للّعب بينه وبين الإيرانيين، والانتقال إلى استهداف السيادة الإيرانية مباشرة بالاعتداء على أرض تحت سيادتها حسب الاتفاقيات الدولية، خصوصاً معاهدة فيينا لعام 1961، وضع النظام الإيراني أمام خيار واحد لا ثاني له، وهو حتمية الردّ المباشر داخل مناطق سيطرة الإسرائيلي على الجغرافيا الفلسطينية، لأنّ استهداف أيّ سفارة أو أيّ اغتيال سيدخل إيران في أزمة مع البلد المضيف.

لن يساعد أيّ ردّ يأتي من حلفاء إيران على ترميم السيادة الإيرانية التي استُهدفت

وهو ما يعني أنّ دخول إيران في عملية الردّ بات “فرض عين”، حسب المصطلح الفقهي والشرعي، لا يمكن أن يقوم به طرف آخر “نيابة عن الأصيل”. لذلك لن يساعد أيّ ردّ يأتي من حلفاء إيران، سواء الحزب أو الفصائل العراقية أو جماعة الحوثي، على ترميم السيادة الإيرانية التي استُهدفت.

إقرأ أيضاً: اغتيال قادة “الحرس” يطرح وجود إيران في سوريا؟

أمام حتمية الردّ الإيراني، فإنّ قيادة النظام دخلت في سلسلة من الاجتماعات لتقدير ما يمكن أن ينتج عن هذا الردّ من تداعيات، والآليّة التي تضمن أن لا يصل إلى إعطاء الذرائع للجانب الإسرائيلي لتحويله إلى حرب مفتوحة وشاملة، خاصة مع إمكانية دخول الولايات المتحدة لمساندة تل أبيب. فالقيادة الإيرانية، على الرغم من تسريبها لجزء من الرسالة الأميركية المكتوبة التي وصلتها والتي طلبت فيها من إيران عدم استهداف قواعدها في المنطقة، إلا أنّ انعدام الثقة بين الطرفين يعزّز مخاوفها من إمكانية وجود فخ أميركي قد يستغلّ هذا التصعيد للتخلّص من التهديد الإيراني وإضعافه.

إقرأ أيضاً

أميركا “بايدن” ليست أميركا “أيزنهاور”

لماذا جو بايدن ليس قويّاً ولا حاسماً؟ ولماذا بايدن في غزة ليس الجنرال أيزنهاور مع إسرائيل في حرب السويس؟     منصب الرئيس الأميركي هو…

1958، 1967، 2024

يعيش لبنان على خطّ زلزال يشبه الزلزال الذي ضربه بين عامَي 1958 و1975، وهدم الدولة بكامل أركانها وشرّع الكيان على خطر الاندثار. فما يمرّ به…

“لُغة” معراب: إسرائيل “مظلومة”

“سقطة” كبيرة وقعت فيها معراب في بيانها الختامي يوم السبت. قدّمت لغةً لا تصلح لتكون جامعة. بل لغة تقدّم إسرائيل على أنّها “مظلومة”. وتجهّل “الفاعل”…

العراق: “السلطان” التركي.. بمواجهة “الفقيه” الشيعي؟

قد لا يكون من السهل تجاوز الكلام الصادر عن خميس الخنجر، الذي يُعتبر أحد أبرز قيادات المكوّن السُنّي. وهو زعيم “تحالف عزم”. وصاحب “المشروع العربي”….