تفشّي وباء الصراعات.. هل يشعل حرباً عالميّة؟

2024-04-27

تفشّي وباء الصراعات.. هل يشعل حرباً عالميّة؟

مدة القراءة 7 د.

العالم ليس بخير. مشهد العلاقات الدولية في ظلّ الحروب الصغيرة المتنقّلة هنا وهناك والصراع على النفوذ والتناحرات الإقليمية أشدّ تعقيداً ممّا كانت عليه الصورة عشيّة الحربين العالميّتين الأولى والثانية… صحيح أنّ التوتّرات لا تجري على الأراضي الأوروبية كما حصل في القرن السابق. لكنّ دول القارّة القديمة منخرطة في بعضها بشكل أو بآخر. الحرب في أوكرانيا والصراع الليبي والعدوان الإسرائيلي على غزة تقع على تخومها وتتأثّر بنتائجها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتحرِّك فيها القضايا المعقّدة على غرار أزمات اللاجئين والتطرّف والهويّة، فضلاً عن مشكلة الطاقة والدفاع المشترك.

 

الشرق الأوسط زادته حرب غزة اشتعالاً. “طوفان الأقصى” دفعت كلّ أطرافه إلى أشجار عالية يصعب النزول عنها بالسلالم العاديّة. إسرائيل – نتنياهو تصرّ على استباحة كلّ القطاع أيّاً كان الثمن والارتكابات. المقاومة الغزّيّة لا تزال صامدة تقاتل وترفض رفع الأعلام البيض. حلفاء “حماس”، بدءاً من الحزب وانتهاء بـ”أنصار الله”، زجّوا بأنفسهم في “حرب إسناد” لحليفتهم الفلسطينية لا يمكنهم الخروج منها قبل وقف النار في القطاع. الأمر الذي لم يحصل بعد، وقد لا يحصل قريباً. كادت هذه الحرب أن تشعل حرباً إقليمية بين إيران وإسرائيل، فسارع الطرفان، بردود متبادلة “محبوكة” و”مدروسة”، إلى تهدئتها قبل استفحالها والعمل على توظيفها في كسب المزايا والأوراق الإقليمية. لكنّ احتمالات التصعيد الإقليمي لا تزال في الحسبان من داخل فلسطين إلى باب المندب حيث التهديد الأكبر للتجارة العالمية… إلى بركة الجبور وجبال الروس على التخوم اللبنانية والسورية، حيث المؤشّر الأبرز للخطر الإقليمي.

الوضع في الإقليم اليوم أخطر ممّا كان عليه عشيّة حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وكلّ السيناريوات تبقى واردة.

الحرب الروسية الأوكرانية تجاوز عمرها سنتين وتحوّلت حرب خنادق، ليس فيها منتصر واضح ولا مهزوم واضح

أوكرانيا – روسيا: اليد على “النووي”

الحرب الروسية الأوكرانية تجاوز عمرها سنتين وتحوّلت حرب خنادق، ليس فيها منتصر واضح ولا مهزوم واضح. صحيح أنّ موسكو حقّقت مكاسب ميدانية محدودة. لكنّ ما أصاب قوّاتها من نكسات جوهرية لم يعد يسمح لها بتهديد دول حلف شمال الأطلسي، الذي زاد من توسّعه من النروج حتى بلغاريا. الرئيس فلاديمير بوتين الذي تورّط في بدء الحرب لم يعد قادراً على التراجع ما لم يحقّق مكسباً سياسياً أو معنوياً، وهذا ما لا تسمح به أيّ إدارة أميركية. الأمر الذي يبقي الجبهة مشتعلة واليد الروسية على الزر النووي كرسالة فحواها أنّ موسكو لا تستطيع أن تُهزم.

الصين تريد تايوان

تبقى عين الصين على إعادة تايوان إلى حضن الوطن الأمّ. أميركا في المقابل تعيد إحياء الأحلاف العسكرية والسياسية في مواجهتها. من تحالف “كواد” إلى تحالف “أوكوس”، و”العيون الخمس”، وتسليح الهند واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا والفيليبين للحدّ من هيمنة الصين في البحار المحيطة بها. وإذا كانت فوضى الظرف العالمي تسمح لوصل الجزيرة بالبرّ الصيني، فإنّ بكين تدرك أنّ اللعب في تايوان هو الأخطر على الاقتصاد العالمي من بين كلّ الحروب المفتوحة. وتعلم أنّ حرباً كهذه قد ترتدّ وبالاً اقتصادياً عليها أيضاً قد يهدّد كلّ ما صنعته من إنجازات. ولذا تحاذر الوقوع في “الخطأ” الروسي قبل نضوج ظروف إعادة التوحيد.

بكين تستعين بكتاب الحكمة “الصينية”. فـ”تنتظر أن يحمل لها النهر جثّة عدوّها لا أن تذهب لقتله. لكنّها تطلق يد حليفتها بيونغ يانغ في مواصلة التجارب النووية وإطلاق الصواريخ الباليستية، وتهديد الجيران المناوئين لسياساتها.

أفريقيا: مسرح المرتزقة

في وسط آسيا يستعر الخلاف الحدودي بلا أفق للحلّ بين الجارتين النوويّتين الهند وباكستان. ويبقى الخلاف المماثل الهندي الصيني على حاله من التوتّر.

بكين تستعين بكتاب الحكمة “الصينية”. فـ”تنتظر أن يحمل لها النهر جثّة عدوّها لا أن تذهب لقتله

أمّا قلب إفريقيا فيظلّ مسرحاً للمرتزقة والميليشيات وقطّاع الطرق والمتمرّدين وساحةً للتنافس الدولي على القواعد والنفوذ بين الدول الكبرى. وتنخرط هذه الدول في قتال سرّي وعلني يفتك بأهل القارّة وسكّانها، من دون رقيب أو حسيب.

ينتشر وباء الفوضى والصراعات في العالم. فهل بتنا على شفير الحرب العالمية الثالثة؟

تحذيرات أميركية وأوروبية

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب نبّه إلى خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة قريباً. وكذلك فعل مدير وكالة الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز ووزير الدفاع الأميركي لويد أوستن. وحذّر وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس من انتقال بلاده “من عالم ما بعد الحرب إلى عالم ما قبل الحرب الجديدة”. وأثار رئيس الأركان البريطاني باتريك ساندرز القلق، عندما طلب من مواطنيه الاستعداد لخوض حرب مستقبلية ضدّ روسيا. وجاءت تصريحاته عقب الإعلان عن عزم واشنطن نشر أسلحة نووية في بريطانيا للمرّة الأولى منذ 15 عاماً.

كذلك حذّر وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس من تصاعد مفاجئ في الصراع العالمي. ومن جهته يضغط “الناتو” على دول الحلف للإنفاق على الدفاع بنسبة 2 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي لهذه الدول لمواجهة التهديدات المستقبلية.

هل هذه التحذيرات في محلّها ويتعيّن أخذها على محمل الجدّ؟

في الحرب الأوكرانية تكتفي الدول الأطلسية بدعم كييف بالمال والسلاح والذخيرة. وتمتنع عن الانخراط المباشر خشية التورّط في ما لا يُحسب حسابه

باتت كلّ الصراعات المشار إليها معقّدة بطريقة مشابهة للأوضاع التي كانت قائمة قبل الحربين العالميّتين، وثمّة أحلاف قائمة تتوسّع مثل حلف “الناتو” و”كواد ” و”أوكوس”. وتقابلها أحلاف غير معلنة تعمل دولها معاً على غرار التعاون الروسي والصيني والإيراني والكوري الشمالي.

متّى تتصل الصراعات؟

لكنّ كلّ الصراعات القائمة تبدو حتى الآن منفصلة وغير متّصلة. وما عدا إسرائيل – نتنياهو التي لا تخفي رغبتها في جرّ أميركا إلى حرب مع إيران وحلفائها، فإنّ كلّ الدول الأخرى المعنيّة تتحاشى الصراع المفتوح ما دامت الأمور “تحت السيطرة” من وجهة نظر مصالحها ورؤاها الاستراتيجية.

ففي الحرب الأوكرانية تكتفي الدول الأطلسية بدعم كييف بالمال والسلاح والذخيرة. وتمتنع عن الانخراط المباشر خشية التورّط في ما لا يُحسب حسابه. وتكتفي الصين بالتهديدات اللفظية وإظهار العضلات في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي من دون الإقدام على خطوات فعليّة تمهّد لحرب. كما لا ترى أنّ من مصلحتها الانخراط المباشر مع موسكو في حربها مع الغرب.

وإذا كانت إيران شاركت بشكل غير مباشر عبر أذرعها في الصراع الشرق الأوسطي، فإنّها سرعان ما فضّلت العودة إلى صفوف “المنتظرين” و”ضبط النفس”. وذلك عندما اكتفت بردّها المباشر على القصف الإسرائيلي لقنصليّتها في دمشق، وعدم الردّ على الردّ الإسرائيلي. واعتبرت ذلك كافياً لحفظ ماء وجهها وتعزيز موقفها في لعبة تحسين المواقع الإقليمية الدائرة في المنطقة.

كما أنّ حرب غزة التي طالت كثيراً وتجاوزت مدّتها كلّ الحروب العربية الإسرائيلية لم تبارح حدودها في القطاع فيما حافظت “جبهات الإسناد” على محدودية مشاركتها.

إقرأ أيضاً: الدولة الوطنية (1/2): كيانات بوجه التطرّف الديني وفلسطين

حتى الآن لا تبدو الحرب العالمية أو الإقليمية حتمية، ولا التصعيد العسكري الكبير على الأبواب. ذلك أنّ الحذر لا يزال سيّد الموقف في العواصم الأساسية. ولا يزال أنصاره يتمتّعون بالقدرة على الضبط وعدم ترك الأمور تنفلت على غاربها. لكنّ انفجار الحروب يتوقّف عادة على أحداث غير متوقّعة، أو على لاعبين مهووسين بالقوّة أو يرفضون الاعتراف بأحجامهم الحقيقية. وأمثال هؤلاء يوجد الكثير منهم في عالمنا اليوم.

إقرأ أيضاً

الصهيونية والصهيونية المسيحيّة ومعاداة الساميّة (1/4)

في حين أنّ “الصهيونية” مصطلح يشير إلى حركة سياسية علمانية تهدف إلى إعادة توطين اليهود في فلسطين، يستخدم تعبير “الصهيونية المسيحية” للإشارة إلى مجموعة من…

أزمنة التّحوُّل الغربي العنيف؟

تواجه قيم التنوير والدولة الحديثة تحدّيات تتمثّل في بروز فئات من المثقّفين والشباب تخاصم الغرب الليبرالي والدولة من الداخل. وفي الوقت نفسه هناك انقسام حادٌّ…

طلّاب أميركا يُحدثون فارقاً تتنازعه إسرائيل وانتخابات الرئاسة؟

تحرّكات طلاب الجامعات الأميركية الاحتجاجية ضدّ الحرب على غزة وقمعها قد لا تعدّل في موقف جو بايدن الداعم لإسرائيل. لكنّها تؤثّر في تكتيكاته الانتخابية. وهي…

بعد الدوحة.. هل تستضيف إيران قيادات “الحركة” في لبنان

منذ أن أعلنت الدوحة في 17 نيسان الماضي استياءها من انتقادات وُجّهت لها من منابر أميركية بشأن دورها في المفاوضات بشأن صفقة في غزّة، ومنذ…