عن شاعر ديكتاتور، طاغية، سفّاح، جزّار

2020-07-23

عن شاعر ديكتاتور، طاغية، سفّاح، جزّار

مدة القراءة 4 د.


من زمان، كان الشاعر لسان القبيلة، يعني كان يلعب دور وزير الإعلام، ووزير الثقافة، وحتّى وزير الدفاع باللغة المحاربة “بالسيف والرمح والقرطاس والقلم “. وكان الشاعر من زمان، هو السامع والمسموع. كان الإذاعة، والمذيع فوق منبر سوق عكاظ، وكان السينمائي باللغة التصويرية على طريقة الفيديو كليب… صورة وراء صورة  “مكرّ مفرّ مُقبل مُدبر معاً / كجلمود صخر حطّه السيل من علي”. كان الشاعر هو المرئيّ النجم  في مجلس السلطان وكواليسه. وكان  هو التلفزيون من قارئ نشرة أخبار بطون وأفخاذ قبيلته إلى كاتب مسلسل بطولات مادحه السلطان، وتاريخ وبطولات غزواته .كان الشاعر يومها كلّ شيء. وكانت الأنا هي محورقصائده وصولاً إلى “أنا من نظر الأعمى إلى أدبي”. أنا، وأنا، وأنا، وصولاً إلى ادّعاء النبوة.

إقرأ أيضاً: لبنان وطن غير نهائي؟

مرّت الأيام الجاهلية، ودارت السنوات بالميلادي والهجري، وراح  الشاعر يفقد دوره وبريقه من إعلامي، ومؤرخ، ونجم بصري، وخطيب. ولكنه لم يتخلّ أبداً عن نفسية “أنا” أو لا أحد. 

يُقــال إنّ الشاعر يحقُّ له ما لا يحقُّ لغيره. ويُروى، أنّ هذا مثقف يحقُّ له أن يكون مزاجياً، وتنتابه نوبات عصبية مختلفة عن باقي البشر وباقي الحيوانات، البرية والبحرية والهوائية. هو مختلف حتّى في طبيعته عن باقي الكائنات النباتية. ومعظم الأحيان، يمتلك المثقف أو الشاعر عشرات النفسيات، ومئات الأرواح، ويتقمَّص كلّ العوالِم، من عالَم الـ”بَنِي آدم” إلى عالم الوحوش وعالم النبات وعالم الجَمَاد. إنه مُعولَم نفساوياً.

أعرف شاعراً يتقلَّب من مزاج “كلب” إلى مزاج “حَمَامَة” بيضاء· يتقلَّب من “العِـــواء” إلى “الهَدِيــل”. وحين أسأله لـمــــاذا؟ يقول لي: “ألستُ شاعراً؟ يحقُّ لي ما لا يحقُّ لغيري. يا عيني”.

وأخبرني أحدهم، أنّه يملك مزاج النساء، فتنتابه مشاعر الغيرة والكيد والنَّكَد، لأنّ نوبات الإلهام مُوجِعَة. لذلك، يشعر بالغضب والرغبة في تحطيم كلّ شيء أمامه، من الأطباق حتّى المرأة التي تُجاوره.. “أنا الشاعر الْمَزاجي، القهَّار الْمُدقِّــر، احترموا مزاجــي، يا أولاد”. ويركض خلف أولاده كالنمر ليأكلهم، لأنه في حالة جوع شِعْري  “وألف صحتين”.

يُقــال إنّ الشاعر يحقُّ له ما لا يحقُّ لغيره. ويُروى، أنّ هذا مثقف يحقُّ له أن يكون مزاجياً، وتنتابه نوبات عصبية مختلفة عن باقي البشر وباقي الحيوانات، البرية والبحرية والهوائية

أعرف ما أعرفه عن شاعر له مزاج القطَّة، سلس، ناعم، يموء من الخَجَل، وفجأة يتحوّل إلى فهد شرس، ثم يقفز بمزاجه ليصبح زهرة.. وردة.. وكلّ ذلك في ساعة واحدة من العمر.

ثَـمَّـة روائي، ينعزل ويقفل على نفسه، ويُصبح مثل قفير نحل، يطنّ بمزاجه حولنا، ويلسعنَا، لأنه يرغب في عسل لشهده، والروايات أقراص من شَمْع، وينتظر مَلِكَة النحل، مَلَكَة الإلهام، فيبدأ حولنا بالطنّ والزنّ والوزّ والهزّ. وحين نقول له: “كفـى أزعجتنا يا دبُّــور الروايـة”، يعقِصَنَا ويقول: “أنتم لا تفهمون ولا تتفهَّمون مزاجي. أنا في حالة إخصاب وتخصيب…”. يا ما أحلى النووي.

حين سأَلَـتِ الزوجةُ شاعرَها أن يأتي لها بالخضار والفاكهة في طريق العودة، قال لها: “مشغول، أنا في حالة ولادة قصيدة”، فأجابته: “إن شاء اللّه تقوم بالسلامة، بس الأولاد بلا أكل”، فعاد الشاعر الْمِزاجي وفي يده ورقة طلاقها.

لماذا لا أُصدِّق أنّ الشَّاعر يحقُّ له ما لا يحقُّ لغيره، كأنه ديكتاتور، طاغية، سفّاح، جزّار، خليط من الأمزجة. وحين يمارس أحدهم مزاجه عليه يتلوَّى من الغضب فيُرغي ويُزبد؟

أعرف أنّ الشعراء يميلون إلى فكرة الانتحار، ولكن لا أُصدِّقهم من بين الآلاف المؤلَّفـة من الشعراء العرب، لم ينتحر سوى حفنة قليلة. الذين انتحروا لا يتجاوزون عدد أصابع اليد، ومع ذلك يصرُّ كل شاعر مولود حديثاً، على أن يُتحفنا، أو يُتحف حبيبته، بالكلام عن أنه سوف ينتحر غداً. إنها نفسيّة الْمُتسوِّل العاطفي. شحّاذو عواطف ومشاعر. إنه مزاج الاستعطاف من المرأة، ومن الزعيم.

أعرف ما أعرفه عن شاعر له مزاج القطَّة، سلس، ناعم، يموء من الخَجَل، وفجأة يتحوّل إلى فهد شرس، ثم يقفز بمزاجه ليصبح زهرة.. وردة

يُضحكني الْمُثقّف الْمِزاجي، الذي يمزجنا على مزاجه، كأنّنا ألوان، فيخلطنا في خليطة من الخطوط العشوائية، وتارة يحسبنا طحيناً، فيعجننا ويخبزنا بألفاظه.

بصراحة، لا أرى المثقف العربي سوى مزاج، يمارس سلوكاً شاعرياً، ولا يكتب قصيدة، يمارس ساديته ولا يخرج بنص غاضب أو مُغاير.

هنا العالم العربي، حيث عدَّة النَّصب الثقافية من طقوس وشعائر، يتزيَّنون بأزياء مزاجية فاقعة، ولا يعرفون أنهم عُــراة تماماً، ولا يحقُّ لهم أن يمارسوا علينا مزاجهم الصفراوي والبلغمي والرهابي والانتحاري، وباقي النفوس المريضة.

 

ملاحظة: أنا كلّ هؤلاء الشعراء الواردة نفسياتهم أعلاه… أتعالج مؤقتاً بالرواية!

 

إقرأ أيضاً

أميركا “بايدن” ليست أميركا “أيزنهاور”

لماذا جو بايدن ليس قويّاً ولا حاسماً؟ ولماذا بايدن في غزة ليس الجنرال أيزنهاور مع إسرائيل في حرب السويس؟     منصب الرئيس الأميركي هو…

1958، 1967، 2024

يعيش لبنان على خطّ زلزال يشبه الزلزال الذي ضربه بين عامَي 1958 و1975، وهدم الدولة بكامل أركانها وشرّع الكيان على خطر الاندثار. فما يمرّ به…

“لُغة” معراب: إسرائيل “مظلومة”

“سقطة” كبيرة وقعت فيها معراب في بيانها الختامي يوم السبت. قدّمت لغةً لا تصلح لتكون جامعة. بل لغة تقدّم إسرائيل على أنّها “مظلومة”. وتجهّل “الفاعل”…

العراق: “السلطان” التركي.. بمواجهة “الفقيه” الشيعي؟

قد لا يكون من السهل تجاوز الكلام الصادر عن خميس الخنجر، الذي يُعتبر أحد أبرز قيادات المكوّن السُنّي. وهو زعيم “تحالف عزم”. وصاحب “المشروع العربي”….