التطبيع بين الأسد واسرائيل “عضة كُوساية”

2021-02-06

التطبيع بين الأسد واسرائيل “عضة كُوساية”

مدة القراءة 5 د.

نُسب لصحيفة تشرين السورية الناطقة باسم النظام السوري منذ أسابيع افتتاحية طرحت العديد من التساؤلات جاء فيها: “هل نحن عرب؟” يتساءل المقال، ثمّ يجيب بالتالي: “نعم ولا. نعم: لأنّنا نتكلّم العربيّة ويجمعنا التاريخ بالعرب، وطوال عقود ظلّت دمشق قلب العروبة النابض. ولا: لأنّ كثيرين من العرب تآمروا علينا، بينما الحليف الإيرانيّ الذي وقف معنا بصلابة لا يستهويه هذا الكلام عن العرب والعروبة، كما أنّ الأصدقاء الروس يشاركون الأصدقاء الإيرانيّين استياءهم من هذا القاموس”. وفي فقرة أخرى يكتب رئيس التحرير: “وهل نحن مسلمون؟ نعم ولا. نعم: لأنّ أكثريّة شعبنا تعتنق الإسلام ديناً، وقد شكّل الإسلام جزءاً أساسيّاً من هويّتنا الحضاريّة. ولا: لأنّ العالم الذي سنتعامل معه لا يقتصر على المسلمين، فضلاً عن أنّ الحضارة التي سننتمي انتماء عميقاً إليها لا تقتصر على الإسلام، ناهيك عن أنّ حضارتنا تسبق قدوم الإسلام بعدّة قرون”.

ويطرح المقال سؤالاً آخر: “وهل نحن أعداء إسرائيل؟”، ثمّ يجيب: “نعم ولا. نعم: لأنّنا قضينا سنوات مديدة ونحن نقول إنّنا أعداء إسرائيل، كما أنّها لا تزال تحتلّ بعض أرضنا. ولا: لأنّ أموراً كثيرة تجمعنا بهذه الدولة الجارة، أهمّها مكافحة الإرهاب، وهي قد تتطوّع لتحسين علاقاتنا مع الولايات المتّحدة التي لا تزال تقيم في بلدنا، وعلينا أن نتعامل معها بما أمكن من إيجابيّة وتفهّم. ومن يدري فإسرائيل قد تنسحب ذات يوم من الجولان وتعيده إلينا”.

من المؤكد أنّ ما تمّ ترويجه على أنه افتتاحية لصحيفة “تشرين” الناطقة بلسان نظام بشار الأسد بقلم رئيس التحرير “محمد البيرق” غير صحيح، وهو بمصطلح وسائل التواصل الاجتماعي “Fake news”. فالبحث عن المقالة عبر محرّك البحث غوغل لا يوصل إلى نتيجة، كما أنّ البيرق لم يعد رئيساً للتحرير منذ عدة أشهر بعدما أُقيل وعُيّن عارف العلي بديلاً عنه.

يطرح المقال سؤالاً آخر: “وهل نحن أعداء إسرائيل؟”، ثمّ يجيب: “نعم ولا. نعم: لأنّنا قضينا سنوات مديدة ونحن نقول إنّنا أعداء إسرائيل، كما أنّها لا تزال تحتلّ بعض أرضنا

كما من المؤكّد أنّ من عمل على صناعة وتسويق الإشاعة، لم يكن يقصد منها الإساءة للنظام وصورته الممانعة، في سعيه للتطبيع مع العدو الإسرائيلي. بقدر ما كان الهدف من هذه الاشاعة ثلاثة أمور:

1- أن تكون المقالة بمثابة العرض غير الرسمي أو يمكن تشبيهها بالعدد صفر لصحيفة “تشرين” في المرحلة المقبلة التي ستشهد التطبيع بين نظام الأسد وإسرائيل في قابل الأيام.

2- تنميط البيئة السورية بشكل مدروس وممنهج مع مسألة التطبيع، قبل طرحها علانية، وهو ما يخفّف الانتقاد أو الرفض، إن وُجد من ينتقد أو يرفض هذه الخطوة.

3- جاءت إشاعة الافتتاحية والتي من السهل دحضها مباشرة مع الكلام الصلب حول مفاوضات برعاية روسية جرت في قاعدة حميميم بين النظام وإسرائيل. ثم ما قيل عن رسائل وجّهها النظام السوري لإسرائيل يعرض فيها مطالبه للسير بالتطبيع. ولذا، فإنّ إسقاط إشاعة الافتتاحية يساعد بإسقاط حقيقة رسائل حميميم.

تنميط البيئة السورية بشكل مدروس وممنهج مع مسألة التطبيع، قبل طرحها علانية، وهو ما يخفّف الانتقاد أو الرفض، إن وُجد من ينتقد أو يرفض هذه الخطوة

سَعْيُ النظام السوري للتطبيع مع إسرائيل ليس وليد الساعة، أو بالأمر المفاجئ والطارئ. الاتصالات بين الطرفين ما توقّفت يوماً. وتحديداً منذ بداية الثورة وتشكيلها تهديداً مباشراً على بقاء الأسد ونظامه. وآخر هذه الاتصالات ما جرى من لقاء في مطار إحدى العواصم العربية وكان “جوكر” النظام علي مملوك أحد أطرافه.

لقد اشترى حافظ الاسد ومعه حزب البعث السلطة والناس في سوريا بمفردات العداء لإسرائيل والشعارات القومية كأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. اليوم يسعى نجله بشار ومن بقي معه من الحزب شراء البقاء في السلطة عبر التطبيع مع إسرائيل.

القضية عند النظام السوري من الأب وصولاً إلى الابن، هي كيفية القبض على الشعب السوري وحكمه، مرة بالعداء لإسرائيل ومرة بالتطبيع معها. ولم تكن يوماً قضية عروبة ومقاومة إلخ… من المصطلحات المفرّغة من مقاصدها.

إقرأ أيضاً: موسكو تُحجِّم إيران في سوريا: إسرائيل في الجوّ والفيلق 5 على الأرض

بافتتاحية صحيفة أو بلقاء في قاعدة عسكرية أو حتى برسالة كتبت في غرفة مقفلة، الحقيقة واحدة لا يمكن العبث بها وهي أنّ نظام الأسد يلعب ورقة التطبيع للبقاء في السلطة. الأمر لا يحصل بغفلة عن حلفاء هذا النظام، وعلى رأسهم إيران، ومن المؤكد، روسيا الراعية دوماً لهذا التوجه. النظام الإيراني وكما حارب في كلّ العواصم العربية من اليمن إلى العراق فسوريا ولبنان بأذرعته كحزب الله والحوثيين والحشد الشعبي وليس بشكل مباشر، فإنه يعمل على التطبيع مع إسرائيل بشكل غير مباشر أيضاً. إنها سياسة  الواسطة بكل شيء بحيث يبيع إسرائيل الأمن على حدودها بعملية الترسيم في لبنان حيث حزب الله وبالتطبيع مع النظام السوري من دون أن يتورط مباشرة في هذا المسار.

التطبيع بين إسرائيل ونظام بشار الأسد مسألة وقت، أو كما يقال في المسلسلات السورية الشعبية “عضّة كُوساية”. هي خطوة سيذهب اليها بشار الأسد حتماً قبل الانتخابات الرئاسية السورية إن نجح المجتمع الدولي بتأجيلها، أو بعد الانتخابات إن أجراها النظام بمواصفاته الخاصة وبعيداً عن الرقابة الدولية ومشاركة النازحين السوريين في شتات الارض فيها، وإنّ غداً “لناظره قريب”.

إقرأ أيضاً

التصعيد ضدّ أذرع إيران… تقابله مرونة لإنقاذ رفح؟

تسابق الضغوط من أجل إحياء مفاوضات الهدنة في غزة قرار الحكومة الإسرائيلية اقتحام رفح. يترافق ذلك مع رصد جدّية الليونة التي أبدتها قيادة “حماس” الداخل…

تفشّي وباء الصراعات.. هل يشعل حرباً عالميّة؟

العالم ليس بخير. مشهد العلاقات الدولية في ظلّ الحروب الصغيرة المتنقّلة هنا وهناك والصراع على النفوذ والتناحرات الإقليمية أشدّ تعقيداً ممّا كانت عليه الصورة عشيّة…

قادة غزّة: أزمة مكان أم خيارات؟

كثر الحديث “غير الموثّق بأدلّة رسمية” عن أنّ قطر بصدد الاعتذار عن عدم مواصلة استضافة قيادة حماس، حيث كانت ولا تزال حتى الآن المكان الأكثر…

العلم الفلسطيني: سرقته إيران.. أم ألقته “الدولة الوطنية” (2/2)

ولادة “الدولة” في المنطقة العربية مرّ بـ”قطوع” التفتيت والتقسيم وفق خريطة “سايكس – بيكو” التي قسمت بلادنا دولاً بين الانتدابين، فرنسا وبريطانيا. لكنّها وُلِدَت بلا…