أخطبوط إيران: 8 أذرع… و3 قلوب تحصّنه

مدة القراءة 5 د

صرّح رئيس وزراء إسرائيل أنّ استراتيجية حكومته قد تغيّرت، وأنّ بلاده قرّرت القطع مع سياستها القديمة تجاه إيران واضعةً حدّاً للسياسة الإسرائيلية القديمة إزاء تحرّكات طهران في المنطقة. وقرّرت حكومة نفتالي بينيت الكفّ عن التعاطي مع إيران من خلال ضرب أذرعها فحسب، بسبب “ما تتمتّع به إيران من حصانة”. وأردف بالقول: “لم نعد نركّز على استهداف أذرع ايران، بل نعتمد معادلة جديدة قائمة على التوجّه إلى رأس الأخطبوط مباشرةً”، مضيفاً: “اليوم انتهى عصر حصانة النظام الإيراني”.

يعلم الجميع أنّ رأس الأخطبوط متربّع على السلطة في طهران يتنفّس من هواء شعبه حارماً إيّاه كلّ شيء حتى لقمة العيش، ويقمع تحرّكات الإيرانيين المطلبيّة، وينكّل ويأسر ويعدم خيرة أبناء هذا البلد. إلا أنّ غير المعلوم للعامّة هو مَن كان يمنح نظام الملالي “حصانته”.

أبرز تبعات الحرب الأوكرانية على العلاقات الدولية، والعلاقات الغربية – العربية تحديداً، أنّها قلبت الموازين. وقد فهم بايدن هذه المتغيّرات

تمتّع حكم المرشد بحصانة خفيّة انبثقت من لدن حكم الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما ولفيفه من الديمقرطيّين الذين دفعوا باتجاه الوصول إلى اتفاق 2015 النووي السيّء الذكر، وأفرجوا عن المليارات لإيران، وكبحوا مطالبات الجوار بوضع حدّ للتفلّت الإيراني في المنطقة وتحويلها إلى ساحات حرب على حساب سلمها وتطوّرها وازدهارها.

لقد شكَّل تساهل باراك أوباما وإدارته أسهل حصانة مكّنت حكم طهران من التمادي. ويُكمل مَن ورث سياسة أوباما “تحصين” نظام طهران.

“ورُبّ ضارّة نافعة” مقولة تنطبق على ما حدث عندما شنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربه على أوكرانيا وبدأت إمدادات الغاز والنفط بالتقلّص، وعادت واشنطن إلى رشدها فأدركت حاجتها وحاجة أوروبا إلى منطقة الشرق الأوسط ونفطها وغازها.

منذ ولايتَيْ عهد أوباما نسمع بخطة الانسحاب من الشرق الأوسط، والتوجّه نحو الصين لمواجهة المنافس الاستراتيجي. يترافق ذلك مع دعوات إلى “احتضان إيران” والاستفادة من نفطها وغازها وأسواقها، وسحبها إلى “تحت العباءة الغربية”. كرّرت الألسن نظريّات تبرّر تعاطي الإدارات الأميركية مع نظام طهران، ومنها في أروقة واشنطن من تحدّث عن أنّ “الدول العربية تركب القطار مجّاناً، وتشكّل الأوزان الثقيلة على أكتاف أميركا”. وأردفت هذه الأصوات “الديمقراطية” قائلةً إنّ “الشعوب العربية معادية لأميركا بينما الشعب الإيراني محبّ لها”، وكلّ ذلك كي تبرّر وتغطّي السكوت عن أفعال إيران، لدرجة أنّ باراك أوباما دعا “المملكة العربية السعودية إلى تفهّم اقتسام النفوذ في المنطقة مع إيران”. الأكيد أنّه ليس ما هو أوضح من هذه “الحصانة” الخفيّة.

صحيح أنّ قطع رأس الأخطبوط يقلّل من قوّته وقدرته، غير أنّه من المعلوم في علم البحار أنّ أيادي الأخطبوط تبقى تتحرّك من دون الرأس لفترة، فتلتصق مجسّاتها بأحوال الشعوب وتخنقها

نهاية الحصانة

لعلّ أبرز تبعات الحرب الأوكرانية على العلاقات الدولية، والعلاقات الغربية – العربية تحديداً، أنّها قلبت الموازين. وقد فهم بايدن هذه المتغيّرات، فزيارته المرتقبة للمنطقة هي مؤشّر جيّد إلى عودة الشرق الأوسط إلى واجهة الاهتمام بسبب أهميّة استمرار إمدادات الغاز والنفط من دول المنطقة. إلا أنّ المملكة السعودية ليست آبار نفط فقط، بل هي الدولة الأولى ورأس الحربة في مواجهة الإرهاب بشتّى أنواعه ودوافعه. غير أنّ اللوبي الإيراني في أميركا ما زال يضغط لتوقيع “اتفاق مع إيران ولو سيّئاً لأنّه أفضل من عدم الاتفاق”، وهو ما يتطلّب بعض الرويّة في الاستنتاجات النهائية، ولا سيّما لناحية مدى استغراق الحرب الأوكرانية من وقت لتضع أوزارها.

يعلن بينيت “استهدافه لرأس الأخطبوط” لشعوره أنّ حصانة النظام الإيراني لم تعُد قائمة. غير أنّ الأخطبوط الإيراني يملك وفقاً للتسمية اللاتينية المعطاة له “أوكتوبيس” (أوكتو التي تعني ثمانية) أكثر من ثماني أذرع لها مجسّات تمتدّ من الحوثيّين والزينبيّين والفاطميّين والحسينيّين وحزب الله العراقي وفصائل الحشد الشعبي إلى “جهاد” غزّة وحزب الله في لبنان.

يحمي الأخطبوط الأصليّ رأسه ونظامه عبر أخطبوطيّات مهمّتها درء أيّ اعتداء على اليابسة الإيرانية من جهة، وتغيير موازين القوى داخل البلدان الموجودة فيها، وجعلها جزءاً من الهلال المسيطَر عليه من طهران إلى شرقي البحر المتوسط، من جهة ثانية.

صحيح أنّ قطع رأس الأخطبوط يقلّل من قوّته وقدرته، غير أنّه من المعلوم في علم البحار أنّ أيادي الأخطبوط تبقى تتحرّك من دون الرأس لفترة، فتلتصق مجسّاتها بأحوال الشعوب وتخنقها. وأكبر دليل على ذلك نتائج الانتخابات في كلّ من العراق ولبنان، التي لا تزال ميليشيات طهران أو أخطبوطيّاتها قادرة على الانقلاب عليها وعلى خيار الشعوب الذي ظهر في صناديق الاقتراع، مواصلةً منع ترجمتها في الحياة السياسية والعامّة.

إقرأ أيضاً: زيارة بايدن… محطّات ودلالات

أخيراً وليس آخِراً، وكما هو معلوم بيولوجيّاً، فإنّ للأخطبوط ثلاثة قلوب، وكذلك هي الحال مع نظام الملالي الذي له حصانة مثلّثة من الدول العظمى التي تحميه: الفيتو الروسي والإمداد بالسلاح، الفيتو الصيني مرفقاً باتفاقيات اقتصادية تتخطّى 400 مليار دولار، وحصانة “العمّ سام” الممتنع حتى اليوم عن دعم المعارضة الإيرانية الديمقراطية وجعلها تتوحّد لتصبح أكثر فعّاليّة لكي تقضي هي قبل غيرها على رأس الأخطبوط لأنّها الأجدر بتغيير النظام في طهران.

* كاتب لبنانيّ مقيم في دبي

مواضيع ذات صلة

وفد أمني في سوريا: الحدود أوّلاً

منذ الزيارة الأولى، والأخيرة، لرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي لسوريا، التي سبقت بساعات تكليف نوّاف سلام تأليف الحكومة الجديدة، إلى اللقاء الذي جَمَع رئيس الجمهورية…

لبنان على مفترق خطير: هل تعود الحرب؟

الفرصة التي لاحت أمام لبنان منذ انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية للانتقال من الساحة إلى الدولة، تواجه تحدّيات محلّية وإقليمية كبيرة. استمرار إسرائيل بخرق…

رسالة ترامب لإيران: لا صواريخ ولا أذرع.. وإلا فسقوط النّظام

هل يريدُ الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب ضربَ إيران؟ وما هو الاتّفاق الذي يسعى إلى فرضهِ على طهران؟     تشير كُلّ الأحداث في المنطقة إلى…

أورتاغس لـ”أساس”: لماذا يسمح الجيش اللّبنانيّ بإطلاق الصّواريخ؟

بين الكلام الذي قاله المبعوث الأميركي الخاصّ إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وكلام نائبته الخاصّة بلبنان مورغان أورتاغس، فارق في التعبير وفي الكلام الدبلوماسي والتقنيّ…