ديمقراطيّة إيران: “قهر الأعـداء” بـانتخابات مـعـلّبة

2024-03-07

ديمقراطيّة إيران: “قهر الأعـداء” بـانتخابات مـعـلّبة

مدة القراءة 7 د.

خلال الانتخابات التشريعية الإيرانية السابقة عام 2020، لم تتخطَّ نسبة المشاركة في التصويت في عموم إيران 42,5% وفق الأرقام الرسمية (المشكك بها أصلا). وفي العاصمة طهران والمدن الكبرى لم تتعدَّ نسبة المشاركة 27%. في حين أظهر آخر استطلاع وفق رويترز أنّ نسبة المشاركة في انتخابات الأول من آذار ستكون في جميع أنحاء إيران بين 24% و27%. ولن تبلغ في العاصمة والمدن الكبرى نسبة 20%. جاء الإعلان الرسمي الصادر من طهران ليفيد بأنّ نسبة المشاركة هذه المرّة هي 41%. وعلى الرغم من هذه الأرقام الموصوفة بـ”المضخّمة” إلا أنّها تبقى النسبة الأقلّ منذ عام 1979. قد يبدو الرقم كبيراً مقارنة بالدول الديمقراطية في العالم، وأمّا في إيران فالوضع مختلف. فالتصويت أيديولوجي والمقاطعة سلاح للمعارضة.

جرت هذه الانتخابات التشريعية الإيرانية لاختيار 290 عضواً لمجلس الشورى (البرلمان). ولإكمال عضوية 88 عضواً لمجلس خبراء القيادة (يختار المرشد قسماً أساسياً منهم بالتعيين). بعدما كان مجلس صيانة الدستور قد انتقى أكثر من 15 ألف مرشّح، و”فلترهم” واعتبرهم مؤهّلين للترشّح.

تعتبر الانتخابات التشريعية الإيرانية مهندسة بشكل ممنهج بدءاً من سنّ قانون الانتخاب “المجحف” بحقّ أغلبية المواطنين. ومروراً باختيار المرشّحين و”فلترتهم”. ووصولاً إلى إعلان النتائج. لن يقدر الناخب على تغيير المشهد السياسي – الاجتماعي لمصلحة الشعب أو لإيصال كتل نيابية تسعى إلى “إصلاحات حقيقية”. وإن صودف فوز أحد الإصلاحيين واتّخذ موقفاً متقدّماً في البرلمان عمدت الأغلبية المتشدّدة لطرده من المجلس.

سعى النظام الإيراني إلى منع المقاطعة والتقليل منها قدر الإمكان. أوهم ناخبيه بأنّ التغيير يتمّ بالمشاركة في الانتخابات. فوصف المرشد علي خامنئي الانتخابات بأنّها “ركن أساسي للجمهورية الإسلامية في إيران، وطريق لإصلاح البلاد”. وتابع قائلاً: “يجب على الجميع المشاركة في الانتخابات. من يريدون ترميم وحلّ المشكلات، فالطريق الصحيح هو الانتخابات، ويجب التوجّه إلى الانتخابات”. ودافع خامنئي عن عملية بتّ أهليّة المرشّحين من قبل مجلس صيانة الدستور. وهي الهيئة التي يختار خامنئي نصف أعضائها مباشرة، والنصف الآخر يسمّيهم رئيس القضاء الذي يعيّنه خامنئي نفسه.

تعتبر الانتخابات التشريعية الإيرانية مهندسة بشكل ممنهج بدءاً من سنّ قانون الانتخاب “المجحف” بحقّ أغلبية المواطنين

ردّد المرشد أنّ “انتخاب الأصلح أمر ضروري، وجميع من تخطّوا إشراف مجلس صيانة الدستور صالحون. لكن يجب انتخاب الأصلح بينهم”. ويضيف المرشد إنّه “خلال عقود، لم نرَ أيّ تجاوز انتخابي بالمعنى المزعوم من الأعداء”. لكن للمفارقة تزامنت تصريحاته مع حلول الذكرى الرابعة عشرة لفرض الإقامة الجبرية على الزعيم الإصلاحي مير حسين موسوي وحليفه مهدي كروبي. وهما اللذان طعنا بصحّة نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009. كما تتزامن أيضاً مع منع السلطات في إيران الرئيس السابق حسن روحاني من تقديم أوراق ترشّحه لانتخابات مجلس خبراء القيادة. وقبلها بثلاث سنوات كان رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني قد استُبعد بدوره من انتخابات الرئاسة.

نظريّة المؤامرة

ليست المرّة الأولى التي يطرح فيها المرشد الإيراني “نظرية المؤامرة”. فقبل أسابيع قليلة من الانتخابات التشريعية الإيرانية. في 5 شباط الفائت. ناشد خامنئي من سمّاهم “الخواصّ” (أي من يملكون الأهليّة والاستعداد الفكري لاتّخاذ القرار) إقامة انتخابات حاشدة. وأضاف أنّ “خطة الأعداء هي منع الدور المحفّز للخواصّ في المجتمع، وإثارة الشكّ والتقاعس في هذا الدور”. ودعا “الأشخاص المقبولين وأصحاب المنابر إلى تشجيع الناس على المشاركة في الانتخابات”. وتابع أنّ “الانتخابات مظهر من مظاهر جمهورية النظام. ولهذا السبب فإنّ قوى الهيمنة وأميركا الذين يعارضون جمهورية النظام وإسلاميّته، يعارضون الانتخابات ومشاركة الشعب الحماسية في صناديق الاقتراع”. كما كرّر مطالبته برفع نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع، وناشد قادة الحرس الثوري إظهار “زخم انتخابي لتوجيه رسالة إقليمية ودولية”.

الانتخابات التشريعية الإيرانية

سخّر النظام في طهران كلّ القوى، خصوصاً القوات العسكرية، لرفع نسبة المشاركة في الانتخابات ومنعاً للمقاطعة التي يخشاها. ويربط هذه المشاركة بـ”إذلال الأعداء وهزيمتهم”، لكنّ الأرقام “خذلته”. أدنى نسبة مشاركة منذ تأسيس “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” عام 1979.

اللجوء إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية الإيرانية لا يقتصر فقط على معارضي النظام

بالموازاة حضّ خامنئي رجال النظام. ومنهم رجل الدين المتنفّذ علي رضا بناهيان المعروف بخُطبه الناريّة. على حشد الناخبين من البوّابة “المذهبية”. فصرّح بأنّ “الانتخابات التشريعية الإيرانية هي طريق الناس لمساعدة ومرافقة المهدي المنتظر”. وأضاف أنّ “من يريدون مساعدة الإمام في عصر الغيبة، فعليهم بالانتخابات التي تمثّل بعداً من المسؤولية”.

بدوره، قال رئيس مجمع مدرّسي “حوزة قم العلمية” هاشم حسیني بوشهري إنّ “اقتراع الناس سيُرضي المهدي المنتظر”. وكتب المتحدّث باسم مجلس صيانة الدستور، هادي طحان نظيف، على منصّة إكس، أنّ “ظهور المهدي يعكسه الدستور الإيراني بوصفه أحد أهداف الجمهورية الإسلامية في إيران، وبالانتخابات يمكن أن يتحقّق، غداً، بهذا القرب”.

لذا سعت التيارات المتشدّدة واتّفقت على تقديم لوائح موحّدة تضمّ مرشّحين متشدّدين. لا سيما في العاصمة طهران حيث اتفق محمد باقر قاليباف مع جبهة بايداري (الصمود) برئاسة رجل الدين المتشدّد مرتضى آقا طهراني على تقديم لائحة موحّدة من الجناحين. وذلك في محاولة لتكرار سيطرتهم على 30 مقعداً مخصّصة للعاصمة وضواحيها وهو المخطط الذي لم يتحقق.

المقاطعة سلاح المعارضين

اللجوء إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية الإيرانية لا يقتصر فقط على معارضي النظام. بل حتى من أبنائه الذين وجدوا طريق إصلاح الأمور من داخل النظام والحكومات مغلقاً. فاختاروا المقاومة المدنية من خلال المقاطعة كموقف اعتراضي “مؤلم لشرعية النظام”. يرى هؤلاء أنّ محاولة الخروج من الأزمات الحالية صعب عبر التظاهرات والاحتجاجات. خصوصاً أنّ النظام لم يسمح بنضوج أيّ تحرّك سلميّ احتجاجي سابق. فاختاروا “مقاطعة الانتخابات” للدلالة على حجم الاعتراض.

يعتبر التيار المتشدّد أنّ كثافة الاقتراع في الانتخابات التشريعية الإيرانية تشير إلى موافقة الشعب على تنامي دور إيران الإقليمي

يعتبر التيار المتشدّد أنّ كثافة الاقتراع في الانتخابات التشريعية الإيرانية تشير إلى موافقة الشعب على تنامي دور إيران الإقليمي. بحسب هذ التيار، فإنّ “الرأي العام منشغل بالقضايا الداخلية، مثل التضخّم والغلاء وعدم الكفاءة الموجودة. لكنّه يغفل عن حوادث مليئة بالفوائد”، وإنّ “اليوم يتحدّد مصير غرب آسيا. خصوصاً بعد أحداث غزة. هناك تنافس بين الدول، وإيران وجدت كرسيها بين هذه الشعوب، ويجب عليها تثبيته بالإقبال الكثيف على الاقتراع… ومن المهمّ أن يرى الأميركيون والأوروبيون بعد 45 سنة، على الرغم من العقوبات والحرب والاغتيالات، أنّ نظام الجمهورية الإسلامية قويّ في المنطقة… صوّتوا لمن تريدون، لكن يجب على الشعب أن يأتي للساحة الانتخابية ويصوّت”.

إقرأ أيضاً: الانتخابات الإيرانية: أكثرية صامتة… وعودة أحمدي نجاد

بالطبع يعلم الجميع أنّه بعد تصفية المرشّحين وغربلتهم “وفلترتهم”، فالتصويت هو للاختيار بين المتشدّد والأكثر تشدّداً من أبناء النظام. وهذا ما حصل بفوز المتشدّدين. وفي حين أراد الملالي قهر أعداء الداخل والخارج، جاءت رياح المقاطعة بعكس ما يشتهيه المرشد. 59% قاطعوا، وبالتالي الأكثرية تعارض هذا النظام في إيران.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@BadihYounes

إقرأ أيضاً

التصعيد ضدّ أذرع إيران… تقابله مرونة لإنقاذ رفح؟

تسابق الضغوط من أجل إحياء مفاوضات الهدنة في غزة قرار الحكومة الإسرائيلية اقتحام رفح. يترافق ذلك مع رصد جدّية الليونة التي أبدتها قيادة “حماس” الداخل…

تفشّي وباء الصراعات.. هل يشعل حرباً عالميّة؟

العالم ليس بخير. مشهد العلاقات الدولية في ظلّ الحروب الصغيرة المتنقّلة هنا وهناك والصراع على النفوذ والتناحرات الإقليمية أشدّ تعقيداً ممّا كانت عليه الصورة عشيّة…

قادة غزّة: أزمة مكان أم خيارات؟

كثر الحديث “غير الموثّق بأدلّة رسمية” عن أنّ قطر بصدد الاعتذار عن عدم مواصلة استضافة قيادة حماس، حيث كانت ولا تزال حتى الآن المكان الأكثر…

العلم الفلسطيني: سرقته إيران.. أم ألقته “الدولة الوطنية” (2/2)

ولادة “الدولة” في المنطقة العربية مرّ بـ”قطوع” التفتيت والتقسيم وفق خريطة “سايكس – بيكو” التي قسمت بلادنا دولاً بين الانتدابين، فرنسا وبريطانيا. لكنّها وُلِدَت بلا…