شهران على بكين: إيران غير معنيّة؟

2023-05-11

شهران على بكين: إيران غير معنيّة؟

مدة القراءة 7 د.

كثيرون من صنعاء إلى بيروت وبعض ضواحيها، في جنوبها القريب أو شمالها البعيد، بدأوا الاحتفالات بحصصهم الموعودة أو المزعومة أو الموهومة، من اتفاق بكين. فعلى روزنامات هؤلاء أنّ مهلة “سداد” الاتفاق شهران. واليوم يمضي شهران ويومان على موعد إعلانه في 10 آذار الماضي. وبالتالي آن الأوان. لذلك ربّما حدّد نبيه برّي موعداً رئاسياً أقصاه 15 حزيران، على اعتبار أنّ 35 يوماً من التأخير، يمكن اعتبارها فترة سماح بين الأحبّة. بعدها يبدأ احتساب غرامات التأخير… فيما العالم الحقيقي في مكان آخر. وهو ما يستحقّ جردة بالوقائع، بين الحقائق والانطباعات.

                                ***********************************

أوّلاً على صعيد العلاقات الثنائيّة بين الرياض وطهران:

هنا قيل إنّ رئيسي سيحلّ في مكّة قبل نهاية رمضان. جاء الفطر ولم يُفطر صيام الزيارات الرئاسية بين مشاطئَيْ الخليج بعد.

أكثر من ذلك، سُجّل تطوّران لافتان في هذه الفترة:

أوّلهما إعلان نظام الملالي إعدامه مواطناً إيرانياً، عربي الإثنية، قبل أسبوع. هو حبيب آسيود الكعبي، ناشط أحوازيّ، بتهمة الانتماء إلى “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز”. مسألة إيرانية داخلية في عُرف البعض. لكنّ صداها لا يمكن إلا أن يتردّد في محيط إيران العربي. فضلاً عن وصول رقم أحكام الإعدام الإيرانية المنفّذة إلى 64 شخصاً في 12 يوماً فقط.

ثانيهما، استمرار طهران في سلوكها الذي كان يصفه الإعلام العربي والدولي قبل أشهر، بـ”القرصنة البحرية”. مع احتجازها في الخليج منذ عشرة أيام، ناقلتَي نفط كانتا قد انطلقتا من موانئ الإمارات العربية المتحدة بالذات. قبل أن تنقل وكالات الأنباء العالمية قبل أيام، صور “رسوّ الناقلتين في مياه ضحلة قرب ميناء بندر عباس. وهو ما يشير إلى عملية احتجاز مطوّلة”.

كثيرون من صنعاء إلى بيروت وبعض ضواحيها، في جنوبها القريب أو شمالها البعيد، بدأوا الاحتفالات بحصصهم الموعودة أو المزعومة أو الموهومة، من اتفاق بكين

هما إشارتان معبّرتان في مسألة الهويّة الذاتية لعرب إيران، وبالتالي مسألة اعتراف نظام طهران بالآخر، والآخر العربي تحديداً، كما في مسألة المصالح الاقتصادية المشتركة بينه وبين محيطه، وأولاها حرّية الملاحة ومعابرها ومنافذها.

طبعاً في الفترة نفسها، سُجّل تطوّر إعلامي لافت في هذا المجال، ألا وهو المساعدة السعودية على إجلاء رعايا إيران ودبلوماسيّيها من مستنقع السودان، مع توثيق هذا التطوّر بالصوت والصورة وتوزيعه وتعميمه بكلّ ما فيه من مودّة سعودية إيرانية.

ثانياً، على الصعيد اليمنيّ:

كلام كثير سال عن خطوات وهدنات وتبادل أسرى وسجناء في حرب اليمنيّين و”اليمنَيْن”. لكنّ الواضح أنّ مسار التسوية هناك يُحسب بالسنوات. وهو ضبابيّ المنتهى:

أيُّ يمن في ختامه؟

ومن يقدر على هذه الإجابة؟ فيما الإعلام السعودي يعطي صورة دقيقة عن أحوال تلك البلاد اليومية، مع عناوين مثل: “نهبٌ حوثيّ لأراضي اليمنيين”. “الحوثيون يُجبرون الطلبة على التجنيد”. “زينبيّات الحوثي يستهدفن النساء بدورات تعبئة طائفية”… وعشرات العناوين لوقائع يومية، وذلك بعد انقضاء مهلة شهرَي اتفاق بكين، ذات الأولويّة اليمنية، كما قيل وتردّد وتكرّر.

ثالثاً، على الصعيد العراقيّ:

في بغداد انقضى شهرا الاتفاق الصيني على وقع زيارات السفيرة الأميركية هناك، حيث اسم آلينا رومانوفسكي بات من الأشهر في البلاد. حركة مكّوكية بين رؤساء ووزراء وحزبيين وسياسيين. من إفطارات العشائر غرباً إلى فطور مقارّ المنطقة الخضراء. وبيانات رسمية تعرض لمداولات السيّدة المتخرّجة من جامعة تل أبيب، في أمور العراق وموازنته العامّة وتفاصيل حياته السياسية.

باختصار، يبدو عراق رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أكثر حماسة صوب الخروج من وصاية طهران، وبشرعية شيعية أكبر لهذا المسار.

في هذا الوقت تخرج إلى العلن أزمة المياه الدولية بين بغداد وأنقرة، والأهمّ بين بغداد وطهران، مع دعوات حكومية عراقية ومراسلات ومناشدات، لتدويل تلك الأزمة في مقاربتها وحلّها، وعدم تركها قضية داخلية.

يبقى هنا أيضاً كلام عن “صحوة سنّيّة”، فيما مقتدى الصدر يستعدّ لعودته مع ذكرى اغتيال والده، في تظاهرة مناوئة لكلّ السياسيين. والمقصود طبعاً: منظومة الشيعية السياسية الإيرانية في النجف، حيث يستعدّ سيّد الذكرى للاحتفال بوثيقة عهد بالدم.

اليوم يمضي شهران ويومان على موعد إعلانه في 10 آذار الماضي. وبالتالي آن الأوان. لذلك ربّما حدّد نبيه برّي موعداً رئاسياً أقصاه 15 حزيران، على اعتبار أنّ 35 يوماً من التأخير، يمكن اعتبارها فترة سماح بين الأحبّة

رابعاً على الصعيد السوريّ:

في دمشق ثمّة سباق محموم بين نمطين من الأخبار:

– تسارع الانفتاح العربي على الأسد.

– وتساقط الغارات الإسرائيلية على كلّ ما له علاقة بإيران على الأراضي السورية.

على هوامش هذا السباق محطات معبّرة لافتة، منها مثلاً صواريخ “غير سورية” المنشأ والمصدر أُطلقت من جنوب سوريا على إسرائيل، بعد نحو شهر على اتفاق بكين. رسالة واضحة أُريد لها أن تقول: لا شيء تغيّر هنا، وأنّ ما جرى في العاصمة الصينية لا علاقة له بكون سوريا الأسد حلقة محدّدة ومحدودة في سلسلة المحور الحديدي.

لكن فجأة قيل إنّ تبديلاً حصل في قيادة الوحدات النظامية السورية هناك. وقيل إنّ التبديل المذكور كان أقرب إلى إعفاء وتغيير، في محاسبة على حادثة الصواريخ، وفي إشارة من الأسد إلى أن ليس صحيحاً أنّ الأمر في سوريا لأحد سواي.

بعدها جاء رئيسي إلى دمشق. ونُظّم له استقبالٌ مذهبيّ بامتياز. فتردّدت أناشيد مقام السيّدة زينب من قلب دمشق إلى حماه وحلب وصولاً إلى المحيط العربي.

أيضاً هنا خرجت الأسئلة إلى العلن: ألم يُحكَ ضمناً وعلناً عن أنّ بعض الانفتاح الخليجي على سوريا، مرتبط بمشاريع “استثمارية”، خصوصاً في الجنوب والجولان؟ فكيف يتعايش الاستثمار مع الكاتيوشا غير المنضبطة؟ وهل من وهم هانوي – هونغ كونغ آخر لسوريا، كما الوهم الذي قضى على لبنان؟ خصوصاً أنّ المستثمر الأكبر، أي السعوديين، لا يستثمر في مناطق الإشتباكات.

سؤال يضيف بعداً آخر إلى إشكالية معرفة بنود اتفاق بكين.

ماذا عن الغرب؟

كلّ هذا فيما ثلاثيّ ألمانيا وبريطانيا وفرنسا بالذات، يوجّه تهديداً مباشراً لإيران بسبب نشاطها النووي. بينما روبرت مالي بات عاطلاً عن العمل في المقلب الآخر من الأطلسي. وباريس تسأل طهران عن مصير مواطنتها سيسيل كوهلر المحتجَزة منذ سنة في سجون الثورة الإسلامية، مبديةً قلق الإليزيه المزدوج والمتزامن معاً: قلقه على مصير امرأة فرنسية تحوّلت رهينة ضمن سياسات الفدية السياسية، وهي السياسات التي خبرتها فرنسا مع إيران منذ ثمانينيّات القرن الماضي، بالدم والمال من بيروت إلى باريس. وقلق الإليزيه في الوقت نفسه على مصير دعمه لمرشّح فريق إيران لرئاسة جمهورية لبنان.

على وقع كلّ ما سبق، ماذا يحصل في بيروت إذن؟

إقرأ أيضاً: 7 أيّار المسيحي؟

هي محاولة لتكرار أسطورة “أبواق أريحا”. صراخ وزعيق وتهويل وتخوين وشائعات واتّهامات، سقط فيها حتى كبارهم.

كلّ ذلك عن اقتناع من البعض بأنّ يشوع بن نون أسقط أسوار أريحا فعلاً بأصوات الأبواق.

فيما أسوار بعبدا الشاغرة لا تبدو معنيّة. كأنّها اقتبست من جونيه شعارها المأثور: ما همّها من هدير بضعة أبواق.

المشهد سيظلّ معلّقاً بانتظار الجواب الشافي والشامل عن السؤال: هل شاركت إيران فعلاً في اتفاق بكين؟!

إقرأ أيضاً

أميركا “بايدن” ليست أميركا “أيزنهاور”

لماذا جو بايدن ليس قويّاً ولا حاسماً؟ ولماذا بايدن في غزة ليس الجنرال أيزنهاور مع إسرائيل في حرب السويس؟     منصب الرئيس الأميركي هو…

1958، 1967، 2024

يعيش لبنان على خطّ زلزال يشبه الزلزال الذي ضربه بين عامَي 1958 و1975، وهدم الدولة بكامل أركانها وشرّع الكيان على خطر الاندثار. فما يمرّ به…

“لُغة” معراب: إسرائيل “مظلومة”

“سقطة” كبيرة وقعت فيها معراب في بيانها الختامي يوم السبت. قدّمت لغةً لا تصلح لتكون جامعة. بل لغة تقدّم إسرائيل على أنّها “مظلومة”. وتجهّل “الفاعل”…

العراق: “السلطان” التركي.. بمواجهة “الفقيه” الشيعي؟

قد لا يكون من السهل تجاوز الكلام الصادر عن خميس الخنجر، الذي يُعتبر أحد أبرز قيادات المكوّن السُنّي. وهو زعيم “تحالف عزم”. وصاحب “المشروع العربي”….