العراق: نافذة السوداني.. و”درس” رفيق الحريري

2023-01-16

العراق: نافذة السوداني.. و”درس” رفيق الحريري

مدة القراءة 7 د.

تنشقّ في العراق هذه الأيام نافذة “سحرية” أمام رئيس الوزراء الجديد محمد شيّاع السوداني. هي نافذة يستطيع منها أن يبدأ النهوض بالعراق ويأخذه إلى “المستقبل” الذي تركض إليه المنطقة العربية، وتحمل بلاده كلّ مقوّمات اللحاق به وتصدّر جنباته، إلى جانب دول “الخليج العربي”.

هي نافذة زمنيّة قصيرة تشبه تلك التي انشقّت لرفيق الحريري ذات 1992. يومذاك فُتِحَت له الأبواب في السنة الأولى من تولّيه رئاسة الحكومة في لبنان، ليقرّر ما يريد، بتعاون غير مسبوق بين الرياض وباريس وواشنطن وحتّى دمشق، حين رأى الرئيس حافظ الأسد أنّ الوقت بات مناسباً لينفّذ الحريري هذا المشروع أو يمرّر ذاك القانون، أو بمصالحة سياسية تهدم جداراً بينه وبين خصومه، أو تفتح أوتوستراداً هنا وتبني صرحاً هناك.

كان الحريري من تلك الخامة من “الكبار” الذين يحصلون على موافقات “الكبار” وتواقيعهم.

حتّى الآن حصل السوداني على ضوء أخضر من المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، كي يفعل ما يستطيعه في اتجاه التعاون مع الدول العربية سياسيّاً، بما يخدم سياسة التعاون والتنسيق والحفاظ على حضور عربي وازن للعراق. الأهمّ أنّ خامنئي فتح الباب الأميركي أمام السوداني بالموافقة على التعامل مع واشنطن وفق ما تقتضيه المصلحة العراقية بصرف النظر عن المواجهة الأميركية-الإيرانية. أمّا الإدارة الأميركية التي تنتظر زيارة السوداني، فقد رفعت أرقام المساعدات العسكرية إلى ثلاثة أضعاف الأرقام السابقة لتؤكّد رغبتها بدعم السوداني، وفق معلومات خاصة بـ”أساس”.

السوداني مدعوٌّ إلى استخلاص “عبرة الوقت” من “درس رفيق الحريري”، وخلاصتها أنّه يجب أن يستثمر سنته الأولى رئيساً لحكومة العراق، وأن يستفيد منها إلى الحدّ الأقصى

لقي السوداني أيضاً ترحيباً وتأييداً ودعماً من وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كي يواصل سياسة التوازن مع الدول العربية والحوار، خصوصاً مع المملكة العربية السعودية.

لكنّ العنصر الأهمّ هو الوقت. إذ لا أحد يستطيع أن يضمن استمرار الضوء الأخضر الإيراني، ولا الترحيب والتأييد السعودي ولا الدعم الأميركي.

إذا عدنا إلى تجربة الحريري، التي أعاد خلالها بناء بيروت وتطوير لبنان، فسنجد أنّه في السنة الثانية من ولايته تغيّر كلّ شيء، سواء في المعادلات الداخلية أو تلك الخارجية والسورية. إذ صار يقاتل من أجل كلّ مشروع تنموي يسعى إلى القيام به، ويخوض أعتى المعارك وأكثرها حدّة من أجل تنفيذ مشروع أو تمرير قانون. وأمضى سنوات ولايته اللاحقة غارقاً في الصراعات السياسية التي أربكته، ونقلته من المقرّر الأوّل والأوحد، إلى واحد من اللاعبين السياسيين على الساحة اللبنانية.

لذلك السوداني مدعوٌّ إلى استخلاص “عبرة الوقت” من “درس رفيق الحريري”، وخلاصتها أنّه يجب أن يستثمر سنته الأولى رئيساً لحكومة العراق، وأن يستفيد منها إلى الحدّ الأقصى. وعليه أن يسابق التحوّلات في الداخل والإقليم، لتحقيق ما يحتاج إليه العراق وشعبه من تطوير في كلّ المجالات، وأوّلها التنمية والبنية التحتية لدولة صرفت مئات مليارات الدولارات ولا يزال معظم شعبها يحتاج إلى كلّ شيء.

 

كأس “الخليج العربي”

في هذا الوقت حقّق العراق إنجازاً كبيراً يُبنى عليه، ليس بتنظيمه الناجح نسبياً لدورة كأس الخليج العربي وفوزه فيها فحسب، بل أيضاً عبر تمسّكه بتسمية “الخليج العربي”. أثار ذلك إيران التي ما زالت تعتبر العراق مستعمرة من مستعمراتها، على غرار ما هو عليه حال لبنان المطلوب أن يكون معزولاً بشكل كامل عن محيطه العربي وأن يستمرّ الانهيار فيه إلى ما لا نهاية.

ثمّة محاولة جدّيّة لوقف الانهيار العراقي. يساعد في ذلك وجود ثروة نفطية كبيرة لا تنضب في العراق، في حين أنّه ليس في لبنان غير ثروة الإنسان الذي يسعى إلى مغادرة البلد.

الوقت وحده كفيل بكشف صحّة الرهان على رئيس الوزراء العراقي ومدى استطاعته صنع أيّ فارق في ظلّ أوضاع داخليّة وإقليميّة في غاية التعقيد

باستثناء تدافع الجمهور نحو الملعب في الساعات التي سبقت المباراة النهائية بين فريقَيْ سلطنة عُمان والعراق في مدينة البصرة، كانت الفوضى السائدة ضمن حدود المعقول في بلد شريك للبنان من ناحية وجود جيش آخر غير الجيش النظامي فيه. في العراق، يوجد “الحشد الشعبي”، وهو تكتّلٌ لميليشيات مذهبيّة موالية لإيران، وفي لبنان “حزب الله”، وهو ميليشيا مذهبيّة أيضاً ليست سوى لواء، عناصره لبنانيّة، في “الحرس الثوري” الإيراني.

كشفت دورة كأس الخليج أن ليس في الإمكان الاستخفاف بالسوداني، وأنّ الرجل يمتلك شخصية خاصّة به. صحيح أنّه كان مرشّح “الإطار التنسيقي” لموقع رئيس الوزراء، لكنّ الصحيح أيضاً أنّه وضع مسافة بينه وبين “الإطار”. إذا وضعنا جانباً وجود عدد من الوزراء الذين لا يمتلكون كفاءة تُذكر في الحكومة الجديدة، لا يمكن تجاهل المواقف الأخيرة للرجل، ومنها كلامه عن علاقات العراق العربيّة، وخصوصاً الترابط بينه وبين دول الخليج، ولا يمكن أيضاً تجاهل كلامه عن العلاقة مع الولايات المتحدة والموقف الإيجابي من الوجود العسكري الأميركي في العراق.

 

لغة المنطق

السوداني واحد من العراقيين الذين يتكلّمون بلغة المنطق، ولذلك يرى أنّ للعلاقة بين العراق والولايات المتحدة أهمّية كبيرة لا غنى عنها في عالمنا هذا. الأهمّ من ذلك كلّه أنّ السوداني ربّما يعي ما لا يعيه قادة الميليشيات العراقيّة التابعة لـ”الحرس الثوري”. يعي السوداني أنّه لولا أميركا لما كان ممكناً التخلّص من نظام صدّام حسين. أكثر من ذلك، يعي أنّ قادة هذه الميليشيات عادوا إلى العراق على دبّابة أميركيّة.

هل يمكن الرهان على محمّد الشياع السوداني في مجال عودة العراق دولةً تلعب دوراً طبيعياً في المنطقة، أي أن تكون دولة عربيّة تعيش سلاماً داخلياً وآخر مع جيرانها، دولة متصالحة مع نفسها أوّلاً لا تفرقة فيها بين سنّيّ وشيعي وبين عربي وكرديّ وتركماني، على غرار ما كانت عليه الحال في العهد الملكي الذي أنهاه ضبّاط جهلة يؤمنون بالعنف في 14 تموز 1958؟

إلى الآن، يمكن الكلام عن رئيسٍ للوزراء ذي عقل موزون في العراق. قد يكون الاعتراض الإيراني على تسمية “الخليج العربي” تمويهاً وحسب، وقد يكون اعتراضاً صادقاً يكشف الشعور الفارسي الحقيقي تجاه كلّ ما هو عربي في المنطقة. يعتبر الفرس أنفسهم عنصراً متفوّقاً مقارنة مع العرب، ويرفضون الاعتراف بأنّ ذلك ليس سوى وهم أوصل “الجمهوريّة الإسلاميّة” إلى ما وصلت إليه، أي إلى نظام مرفوض من الشعوب الإيرانيّة كلّها.

الوقت وحده كفيل بكشف صحّة الرهان على رئيس الوزراء العراقي ومدى استطاعته صنع أيّ فارق في ظلّ أوضاع داخليّة وإقليميّة في غاية التعقيد. في مقدَّم هذه الأوضاع الطموح الإيراني الدائم إلى أن يكون العراق جرماً يدور في فلك “الجمهوريّة الإسلاميّة” لا أكثر، واستطاعة “الحرس الثوري” فرض واقع عراقي جديد خارج معادلة: العراق هو العراق وإيران هي إيران.

إقرأ أيضاً: بن سلمان وخامنئي يفتحان طريق “السوداني” نحو واشنطن؟

لا شكّ أنّ نجاح رئيس الوزراء العراقي في تنظيم المباراة النهائية في الوقت المحدّد لها وفي البصرة يشكّل إنجازاً شخصيّاً من جهة، ويكشف تصميمه على النجاح من جهة أخرى. يكشف مثل هذا الحدث أيضاً امتلاك السوداني أدواتٍ أمنيّة تسمح له بفرض إرادته. لكن على الرغم من ذلك كلّه، لا بدّ من السؤال: هل يمكن الرهان على الرجل في ظلّ نظام يتحكّم به الفساد والميليشيات؟ وهل يعتمد على “النافذة السحرية” التي فتحها له “الضوء الأخضر” الفارسي، و”الترحيب والتأييد والدعم” العربي والانفتاح الأميركي؟

إقرأ أيضاً

ما الذي يجمع بين أيمن نور المصري ووّهاب اللبناني؟

أيمن نور ووئام وهاب يقودان المعارضة السعودية الجديدة. في مشهد سوريالي يبين كيف أنّ هذه المنطقة العربية معقدة المصالح وأنها على بعد سنوات ضوئية في…

اجتماع معراب: إنهاكٌ فقط أم انقسام؟

دعت القوات اللبنانية إلى اجتماعٍ للنواب والفعّاليات لاستنكار إدخال الحزب للبنان في الحروب. وطالب المجتمعون بضرورة تطبيق القرار الدولي رقم 1701، وضرورة ضبط الحدود مع…

قمّة البحرين تستعيد القضيّة من الانحياز الأميركيّ والتوظيف الإيرانيّ؟

هل تقتنص المنظومة العربية فرصة القمّة المقبلة في البحرين من أجل استعادة القضية الفلسطينية إلى إطارها العربي؟ أم اختلال ميزان القوى مع أميركا سيدفع واقعيّاً…

لبنان بين ثنائيّتين وربط نزاع أميركي – فرنسي

ثلاث قناعات تحيط بالواقع اللبناني في هذه المرحلة: – الأولى: أميركية. تصارح الإدارة الأميركية نفسها، في اعتراف تامّ، بعدميّة تمكّنها من فرض أيّ حل بمفردها…