صدام إقليميّ قريب.. على وقع تمرّد برلمانيّ “جماعيّ”

2023-01-20

صدام إقليميّ قريب.. على وقع تمرّد برلمانيّ “جماعيّ”

مدة القراءة 5 د.

تُنبئنا مجريات الجلسة الحادية عشرة للمجلس النيابي بنهاية نسق من الصراع السياسي المنضبط حيال انتخاب رئيس للجمهورية، وانطلاق مسار الرفض والمعارضة للأسلوب المعتمَد في استباحة الدستور. المسار الجديد ستطبعه أشكال غير مسبوقة لمشاركات النواب، ولا سيّما بعد التشظّي في المواقف الذي شهدته الجلسة الأخيرة. فقد أظهرت الأوراق الملغاة، التي حملت عبارات تتعلّق بالحوار والأولويات الرئاسية، بداياتٍ من التمرّد على التعامل السائد مع الاستحقاق الرئاسي، فيما استمدّت الأوراق التي حملت عبارات تتعلّق بتفجير مرفأ بيروت زخمها من جلسات التحقيق الذي يجريه محقّقون أوروبيون في قصر العدل في قضايا غسل واختلاس أموال، ومن لقاءات الوفد القضائي الفرنسي مع المحقّق العدلي طارق البيطار من أجل الحصول على معلومات طلبها القضاء الفرنسي نظراً إلى وجود فرنسيين في عداد ضحايا تفجير مرفأ بيروت.

تُنبئنا مجريات الجلسة الحادية عشرة للمجلس النيابي بنهاية نسق من الصراع السياسي المنضبط حيال انتخاب رئيس للجمهورية، وانطلاق مسار الرفض والمعارضة للأسلوب المعتمَد في استباحة الدستور

يشكّل الشقّ الدولي من التحقيق في الأموال المختلَسة أو المهرَّبة أو في تفجير المرفأ نقطة عبور لاختراق جدار الأزمة اللبنانية من بوّابة التحويلات التي تبحث الحكومات الغربية عن أصولها، أو من بوّابة البحث عن أسباب سقوط ضحايا في تفجير مرفق اقتصادي أساسي، هو مرفأ على البحر المتوسط، ما يزال مجهول الأسباب والدوافع. الملفّان مرتبطان بشكل وثيق بتركيبة السلطة في لبنان التي تقف جميعها وراء التسيّب والفساد والانهيار الاقتصادي والقابضة على الحياة السياسية والنقدية والأمنيّة بمختلف تشكيلاتها ورموزها بما في ذلك قوى الأمر الواقع. والملفّان يشكّلان في الوقت عيْنه نقطتَيْ ضعف في صلب التحالف الذي يقوده حزب الله والمتماسك حول تعطيل جلسات انتخاب الرئيس.

بدء “التمرّد” النيابيّ

في هذا الإطار يمكن فهم التظاهرة النيابية، من كتل سياسية ونوّاب مستقلّين، التي انضمّت إلى أهالي ضحايا تفجير المرفأ، والاعتصام المفتوح الذي بدأه نواب التغيير ليل أمس داخل مجلس النواب اعتراضاً على تطيير نصاب جلسات الانتخاب.

تبقى العلامة الفارقة هي الموقف غير المتوقّع للّقاء الديمقراطي الذي أعلن “تعليق المشاركة في الجلسات المقبلة إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه”، ومجاهرة النائب هادي أبو الحسن أثناء الجلسة بأنّ قضية المرفأ تبقى القضية الأولى، وأنّه آن الأوان للوصول الى الحقيقة، وذلك أنّ اللقاء الديمقراطي دأب طوال الجلسات السابقة على التماهي مع موقف الرئيس برّي في ما خصّ الدعوة إلى الحوار والتمييز بين الأكثرية الملزمة للانعقاد والأكثرية الموجبة للانتخاب. وفي هذا الاطار أيضاً يمكن إضافة موقف قائد القوات اللبنانية سمير جعجع لتلفزيون “الجديد” بعدم القبول برئيس يفرضه حزب الله، ورفضه إطالة الفراغ، وتهديده بـ”إعادة النظر في التركيبة السياسية للدولة” وبالفدرالية. في المقابل يُفهم انضباط التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل خلال الجلسة وتراجعه عن المواقف التصعيدية التي أبداها تجاه حليفه حزب الله وعدم ترشيح أيّ من كوادره.

يشكّل الشقّ الدولي من التحقيق في الأموال المختلَسة أو المهرَّبة أو في تفجير المرفأ نقطة عبور لاختراق جدار الأزمة اللبنانية من بوّابة التحويلات التي تبحث الحكومات الغربية عن أصولها

تنهال هذه المواقف التصعيدية بعد عجز المبادرات الفرنسية عن إقناع المملكة العربية السعودية بتغيير موقفها من لبنان وتقبّل الوضع القائم والتعامل معه، وبعد زيارتين لبيروت ودمشق قام بهما وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان شاءت طهران من خلالهما توجيه رسائل لخصومها الإقليميين قبل المحليين بأنّها ماضية حتى النهاية في التمسّك بأذرعها المسلّحة وأنّ مصالحها ونفوذها غير قابلين للتفاوض. وفي هذا ردّ واضح على المملكة العربية السعودية وعلى البيان الصادر عن لقاء وزير خارجيّتها بوزير الخارجية المصري المتمسّك بالإصلاحات واستعادة الدولة ورفض الميليشيات المسلّحة.

جلسة الانتخاب أمس الأول، وما نتج عنها وما سبقها، كانت عابقة برائحة الإقليم. وما زيارة وفد من حزب الله لرئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط عقب جلسة الانتخاب إلا تأكيد أنّ حيثيّات الجلسة ومفاعيلها لم تنتهِ عند رفعها في البرلمان، والزيارة إيّاها كما يعلم اللبنانيون هي النموذج الذي اعتُمد في مراحل حرجة سبقت لاستطلاع المواقف وتحديد الاصطفافات قبل أيّ صدام محتمل.

إقرأ أيضاً: بكركي تردّ على نصرالله: لن نسمح بتغيير هويّة لبنان

ما يجري ربّما يشكّل مؤشّراً إلى صدام مرتقب لم تتحدّد ساحاته أو لاعبوه في ظلّ فوضى دولية عارمة قد تُستعاد معها كلّ توصيفات الفوضى البنّاءة والشرق الأوسط الجديد، لكنّ قراءة المستقبل لا تبدو سهلة كما يعتقد البعض.

*مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات

إقرأ أيضاً

العلم الفلسطيني: سرقته إيران.. أم ألقته “الدولة الوطنية” (2/2)

ولادة “الدولة” في المنطقة العربية مرّ بـ”قطوع” التفتيت والتقسيم وفق خريطة “سايكس – بيكو” التي قسمت بلادنا دولاً بين الانتدابين، فرنسا وبريطانيا. لكنّها وُلِدَت بلا…

نهائيّ البطولة بين الحزب ودمشق

لم يُخفِ آموس هوكستين نبرته المتهكّمة وهو يتبادل أطراف الحديث مع أحد الذين التقوه قبل فترة. فالرجل بات يعرف لبنان بخرائطه وأرضه أكثر منّا. والأهمّ…

الورقة الفرنسيّة لرفع العتب.. والحزب ينتظر جثّتين

“هي الفرصة الأخيرة بالشكل، لكن في المضمون يدرك الفرنسيون أنّها لن تنجح، لكنّهم يرفعون العتب عنهم، على قاعدة “اللهمّ قد بلغت”. بهذه الكلمات تصف شخصية…

غزّة والأرمن: المعتدون من قبيلة واحدة.. كذلك الضحايا

“رسالة عاجلة من أرض قمعستان: قمعستان… تلك التي تمتدّ من شواطىء القهر إلى شواطىء القتل إلى شواطىء السحل إلى شواطىء الأحزان ملوكها يقرفصون فوق رقبة…