“ترِيو الرياض” و”ترِيو طهران”

2023-01-06

“ترِيو الرياض” و”ترِيو طهران”

مدة القراءة 6 د.

أعلن “تريو نايت” دخول المملكة العربيّة السعودية رسميّاً عصر العولمة. لمن لم يشاهد الشاشات التلفزيونية ولا قرأ الصحف في اليوم الأوّل من العام الجديد نقول: ليل الرياض في رأس السنة كان يشبه ليل باريس ونيويورك ولندن وسيدني وغيرها من عواصم العالم: حفلة موسيقيّة حتى الفجر، عدّ تنازليّ قبل منتصف الليل، ألعاب ناريّة عند إعلان بدء العام الجديد أشجار الميلاد ارتفعت في فنادق الرياض.

غناء ورقص الرياض

الدولة التي ما تزال تعتمد التقويم الهجري رسمياً، أحيت بداية العام حسب التقويم الغريغوري (الميلادي) وعلى الطريقة الغربيّة: موسيقى، غناء، طرب، رقص، وتمايل خصور على المسارح. ربّما السعوديون لم يصدّقوا ما عاشوه ليلة رأس السنة. وهم معذورون. فإلى سنوات خلَت لم يكن أحد يصدّق، لا في السعودية ولا خارجها، أن تُحدث المملكة هذا التبدّل العميق في مجتمعها وتقاليدها وموروثاتها.

عادت الطائرات أدراجها سالمة آمنة غير آبهة بِرَدّ ما يُسمّى “محور المقاومة”، بل وهي مطمئنة إلى أنّ الردّ على غاراتها لم يعد في سلّم أولويات هذا المحور منذ سنوات. فهو بالكاد قادر على إطعام شعبه وناسه وحتى عناصره

كُثر تشكّكوا منذ سنوات في ما يقوم به الأمير الشابّ محمد بن سلمان، حتى من قلب “البيت العربي” ووصفوه بـ:”المغامر، تنقصه الخبرة”… إلى ما هنالك من تشكُّك بعضه يهدف إلى إحباط السعوديين، وبعضه الآخر لم يتخيّل يوماً أنّ المملكة السعوديّة الوهّابيّة المحافظة ستحقّق انفتاحاً دينياً ومجتمعياً وثقافياً ضخماً إلى هذا الحدّ. وهناك من تتعارض مصالحه مع قرار سعودي مستقلّ إقليمياً ودوليّاً.

تحوّلات استراتيجيّة

أحد الأصدقاء المتابعين والعارفين بما يدور في لبنان والمنطقة، وهو كان من بين المتشكّكين في خطوات المملكة، أقرّ في إحدى مكالماتنا الهاتفية الأسبوعيّة بأنّ هناك تحوّلاً استراتيجيّاً جدّياً في السعوديّة. وقد برز هذا التحوّل في عام 2022 في ثلاث محطات رئيسيّة:

1- زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمملكة على الرغم من رفضها طلب واشنطن زيادة إنتاج النفط للحفاظ على استقرار السوق العالمي، بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا ورفضها المشاركة في العقوبات ضدّ روسيا، مع دول عربيّة أخرى.

2- الزيارة التاريخيّة للرئيس الصينيّ شي جينبينغ للمملكة في الشهر الأخير من العام التي وقّع فيها شراكة استراتيجية بين الدولتين، واختُتمت بقمّتين: الأولى صينيّة – خليجيّة، والثانية صينيّة – عربيّة. لم تأبه السعودية لِما قاله قبل أشهر جو بايدن في جدّة: “لن نغادر ونترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران”.

3- في المحطة الثالثة التي كانت بين القمّتين، صدر قرار خفض إنتاج النفط بدل زيادته كما طلبت واشنطن في شهر آذار من العام السابق. وهو قرار اتّخذته “أوبك +” التي تقودها السعودية وروسيا.

“تريو” رياضيّ أيضاً

“تريو الرياض” هذا العام كان سياسياً وفنّياً ورياضياً أيضاً. ففي ختام العام تمّ الإعلان عن انضمام اللاعب العالمي كريستيانو رونالدو إلى فريق النصر السعوديّ. وظهر اللاعب ينزل من طائرة خاصة مع عائلته متوجّهاً إلى الرياض قائلاً للسعوديين: “ألقاكم قريباً”. ثمّ وصل وكان له استقبال بعشرات الآلاف في الملعب، وشاهده الملايين في العالم، وذكّر المشاهدين بأنّ “المنتخب السعودي فاز على بطل العالم” الأرجنتين، خلال مباريات الدور الأوّل في مونديال الدوحة.

إنّها خطوة متوقّعة تمثّل جزءاً من دخول المملكة عصر العولمة بكلّ مجالاتها، خاصّة بعد إنجاز الفريق الرياضي السعودي في المونديال القطري.

إعجاب جبران باسيل “بما يقوم به محمد بن سلمان” تملّق وليس تبديلاً في الخيار، على ما قال في حديثه لموقع “أساس” قبل أسبوع. هو والآخرون مصرّون على أن يكون عام 2023 أسوأ من عام 2022 على لبنان واللبنانيين

“تريو طهران”: قتل ودمار وجوع

لكن ماذا عن طهران؟

– انعزال عن العالم.

– تخبّط في الأزمات.

– تراجع في الاقتصاد.

– قتل ودمار وفقر وجوع.

في إيران وبدل أضواء المسارح والصالات احتفاء بالعام الجديد، كانت أضواء الإطارات المشتعلة تنير ليل المدن الإيرانيّة. وبدل الألعاب الناريّة كانت القنابل الدخانيّة تُطلق في شوارعها. وبدل أن تصدح الموسيقى سيطر أزيز الرصاص الذي تطلقه عناصر الباسيج والحرس الثوري ضدّ الشابّات والشبّان الثائرين، وانتشر خبر استقبال العام الجديد بإعدام شابّين – طفلين، أحدهما عمره 18، والآخر 19، بتهمة المشاركة في الثورة.

في سوريا

تأخّر المشهد 24 ساعة في سوريا الأسد. فهو يسير بحسب التوقيت الإسرائيلي. ليل اليوم الأول من العام الجديد أضاءت الطائرات الحربية الإسرائيليّة ليل دمشق المظلم. أفرغت في مطارها كامل حمولتها من الصواريخ. عطّلت مدارجه. وقتلت من قتلت من سوريّين و”حزب اللهيين” وإيرانيين.

عادت الطائرات أدراجها سالمة آمنة غير آبهة بِرَدّ ما يُسمّى “محور المقاومة”، بل وهي مطمئنة إلى أنّ الردّ على غاراتها لم يعد في سلّم أولويات هذا المحور منذ سنوات. فهو بالكاد قادر على إطعام شعبه وناسه وحتى عناصره.

في لبنان

في لبنان، الطرف الثالث في “تريو طهران”، كانت العتمة. لم يضئ في ليلة رأس السنة سوى أنوار سيارات عالقة في الطرقات لساعات. ولكي لا يختلط الأمر على القارئ، تلك السيارات ليست لأستاذ مدرسة أو أستاذ جامعة، ولا لموظّف في مرفق عام أو مؤسّسة خاصّة، بل بعضها يقودها مغتربون أتوا لزيارة عائلاتهم أو زُوّدت بوقود دفع ثمنه مغتربون، فيما بعضها الآخر يملكها بعض المقتدرين من أصحاب الأعمال “الُمدَولَرين”. وشارك المواطنون في برامج المسابقات وهم يردّدون: “لا نستطيع المشاهدة، لا يوجد كهرباء”. لكنّهم اتصلوا علّهم يربحون بعض الدولارات من خارج الميزانيات المكسورة.

في كلّ الأحوال، لم تغيّر أضواء السيارات هذه من حال البلاد التي تعيش منذ ثلاث سنوات في سُبات قاتل أشبه بسُبات الموت.

إقرأ أيضاً: 

قطر.. إيران.. السعوديّة: أيُّ “حُلمٍ” أقرب إلينا؟

في “تريو نايت” الرياض شارك ثمانية فنّانين لبنانيين (من أصل 13)، وحضر وديع الصافي من خلال أغنيته وصورته. هؤلاء كانوا يُحيون حفلاتهم هنا في لبنان، ويحضرها الخليجيون هنا في لبنان. لكنّ لبنان، بلد السهر والحفلات والفنّ والفرح، هو اليوم بلد الميليشيات وزعاماتها والسياسيين الفاسدين المرتَهنين لها. هؤلاء مصرّون على أن يبقى لبنان في “تريو طهران” المتخلّف.

إعجاب جبران باسيل “بما يقوم به محمد بن سلمان” ليس تبديلاً في الخيار، على ما قال في حديثه لموقع “أساس” قبل أسبوع. هو والآخرون مصرّون على أن يكون عام 2023 أسوأ من عام 2022 على لبنان واللبنانيين. فلن ينتخبوا رئيساً، ولن ينجزوا إصلاحاً، ولن يوقّعوا اتّفاقاً ليحصل الشعب المسكين على “فِلس” يشتري به كسرة خبز يسدّ بها جوعه.

إنّه خيار بين “ترِيو الرياض” و”ترِيو طهران”: والمنطقة لن يخطىء حدسها.

إقرأ أيضاً

نهائيّ البطولة بين الحزب ودمشق

لم يُخفِ آموس هوكستين نبرته المتهكّمة وهو يتبادل أطراف الحديث مع أحد الذين التقوه قبل فترة. فالرجل بات يعرف لبنان بخرائطه وأرضه أكثر منّا. والأهمّ…

الورقة الفرنسيّة لرفع العتب.. والحزب ينتظر جثّتين

“هي الفرصة الأخيرة بالشكل، لكن في المضمون يدرك الفرنسيون أنّها لن تنجح، لكنّهم يرفعون العتب عنهم، على قاعدة “اللهمّ قد بلغت”. بهذه الكلمات تصف شخصية…

غزّة والأرمن: المعتدون من قبيلة واحدة.. كذلك الضحايا

“رسالة عاجلة من أرض قمعستان: قمعستان… تلك التي تمتدّ من شواطىء القهر إلى شواطىء القتل إلى شواطىء السحل إلى شواطىء الأحزان ملوكها يقرفصون فوق رقبة…

الدولة الوطنية (1/2): كيانات بوجه التطرّف الديني وفلسطين

عند كلّ مفصل تاريخي، تتكشّف هشاشة “الدولة” في البلدان العربية. كلّ أفكار الدولة وتعريفاتها السياسية لم تنجح. الطارىء المستجدّ على فكرة الدولة، خصوصاً على مستوى…