أوكرانيا: بدء العدّ العكسيّ لوقف الحرب

2022-12-11

أوكرانيا: بدء العدّ العكسيّ لوقف الحرب

مدة القراءة 5 د.

هل بدأ العدّ العكسي لوقف الحرب في أوكرانيا؟

من مؤشّرات ذلك أنّ الولايات المتحدة الأميركية بعدما استنفدت كلّ وسائل الضغوط العسكرية (بتسليح أوكرانيا)، والاقتصادية (مقاطعة روسيا اقتصادياً وحصارها ماليّاً)، والسياسية (عزلها عن العالم)، أعادت فتح أبواب التفاوض مع الكرملين من جديد. عبّر عن ذلك الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه الذي كان قد أطلق أسوأ وأبشع النعوت على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إلا أنّه يعلن الآن بنفسه أيضاً أنّه مستعدّ للقائه والحوار معه.

صحيح أنّه ربط هذا الاستعداد بانسحاب روسيا من الأراضي الأوكرانية، إلا أنّ الموقف الأميركي الجديد يشكّل استدارة نصف كاملة تشير إلى إدراك الخطر المتمثّل في أنّ الحرب الأوكرانية بدأت تتحوّل مدخلاً إلى حرب عالميّة ثالثة.

واصلَ الحلف الأطلسي التوسّع فضمّ إليه في عام 2017 مونتي نيغرو (الجبل الأسود في البلقان)، وضمّ ماسيدونيا في عام 2020 على الرغم من اعتراضات روسيا، ولا سيّما أنّ الدولتين البلقانيّتين هما من الدول الأرثوذكسية

يقول الأميركيون إنّ الأزمة انطلقت عندما بدأت القوات الروسية اجتياح مناطق في شرق أوكرانيا بحجّة أنّ سكّانها من أصل روسيّ، وأنّ المناطق ذاتها كانت جزءاً من روسيا الكبرى.

يقول الروس إنّ الأزمة انطلقت بسبب توسّع حلف شمال الأطلسي وتمدّده نحو روسيا خلافاً للاتفاقات السوفييتية – الأميركية التي رافقت إعادة توحيد شطرَيْ ألمانيا الشرقي والغربي.

في الواقع، ما إن جرى حلّ حلف وارسو (بزعامة الاتحاد السوفييتي) في عام 1991، حتى توسّعَ حلف شمال الأطلسي (بزعامة الولايات المتحدة) شرقاً باتجاه الحدود الروسيّة أربع مرّات:

1- في عام 1999 دعا الحلف الأطلسي كلّاً من تشيكيا وهنغاريا وبولندة إلى الانضمام إليه (كانت هذه الدول الثلاث أعضاء في حلف وارسو).

2- في عام 2004 دعا الحلف دول بحر البلطيق ورومانيا وثلاث دول أوروبية شرقية أخرى إلى الانضمام إليه.

3- في عام 2008 دعا الحلف كلّاً من كرواتيا وألبانيا إلى الانضمام إليه. وقد انضمّت الدولتان في العام التالي (2009).

4- في عام 2009 رحّب الحلف برغبة أوكرانيا بالانضمام إليه مع جورجيا، إلا أنّ الأمر توقّف عند حدود هذا الترحيب، لأنّ انضمام الدولتين يجعل الحلف على أبواب الكرملين.

مواصلة توسّع “الأطلسيّ”

واصلَ الحلف الأطلسي التوسّع فضمّ إليه في عام 2017 مونتي نيغرو (الجبل الأسود في البلقان)، وضمّ ماسيدونيا في عام 2020 على الرغم من اعتراضات روسيا، ولا سيّما أنّ الدولتين البلقانيّتين هما من الدول الأرثوذكسية.

الصين التي تتطلّع إلى استعادة جزيرة تايوان إلى الوطن الأمّ، وجدت نفسها أقرب استراتيجيّاً إلى التفاهم مع موسكو منها إلى التفاهم مع واشنطن

لم يتوقّف الأمر على توسّع الحلف الأطلسي على حساب حلفاء الكرملين السابقين. ففي عام 2021 دخلت مدمّرة بريطانية مياه البحر الأسود ووصلت إلى شبه جزيرة القرم في تحدٍّ استعراضي (بعدما دخلت عبر البوسفور التركي). وكانت بريطانيا تستهدف من تلك العمليّة عرض عضلاتها دعماً لأوكرانيا.

بعد أسابيع قليلة قامت طائرتان حربيّتان أميركيّتان بالتحليق فوق البحر الأسود، فاضطُرّت روسيا إلى استنفار قوّاتها الجوّية وتهديدهما لحملهما على المغادرة. في الواقع لم تغادر الطائرتان الأميركيتان والمدمّرة البحرية البريطانية إلا بعدما أظهرت روسيا جدّية في استعدادها للذهاب إلى المواجهة العسكرية. والمواجهة العسكرية اليوم تعني مواجهة نووية.

“المعرفة” النوويّة

تعرّف العالم، وخاصة روسيا والولايات المتحدة، على معنى المواجهة النووية أوّلاً من خلال الفظائع التي خلّفتها القنبلتان الأميركيتان اللتان أُلقيتا على هيروشيما وناكازاكي في اليابان، ومن خلال انفجار المفاعل النووي الأوكراني الذي سمّم انفجاره بالأشعّة النووية معظم أرجاء أوروبا.

هذه المعرفة هي التي حملت في الستينيات من القرن الماضي كلّاً من الرئيس الأميركي جون كينيدي والرئيس السوفييتي نيكيتا خروتشوف على تجنّب الصدام النووي في كوبا.

يعرف الرئيسان الحاليان الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين ماذا يعني الصدام النووي. وربّما تكون هذه المعرفة وراء التحوّلات الجديدة التي أعادت فتح الأبواب أمام الاتصالات الدبلوماسية.

لقد راهنت واشنطن على أمرين فشلت فيهما معاً:

الأوّل: وقوع حركة انقلابية داخل الكرملين ضدّ الرئيس بوتين.

الثاني: استدراج الصين إلى موقف متفهّم للموقف الأميركي حرصاً على المصالح الصينية في الولايات المتحدة وأوروبا.

لكنّ الرئيس بوتين أثبت سيطرته على الوضع الداخلي وعزّز نفوذه في بعض دول آسيا الوسطى. أمّا الصين التي تتطلّع إلى استعادة جزيرة تايوان إلى الوطن الأمّ، فوجدت نفسها أقرب استراتيجيّاً إلى التفاهم مع موسكو منها إلى التفاهم مع واشنطن. وهكذا لم يخسر الرئيس بايدن فقط رهانه على زرع إسفين في العلاقات الروسية – الصينية، بل خسر أكثر بدفعه الدولتين الكبيرتين إلى مزيد من التفاهم والتلاقي على حساب الولايات المتحدة.

إقرأ أيضاً: تقرير بريطانيّ: وقائع خسارة بوتين معركة احتلال كييف

من هنا كانت إعادة النظر في الحسابات السياسية التي فتحت طريق الحوار بين موسكو وواشنطن من جديد. غير أنّ هذا الطريق مليء بالحفر والمطبّات السياسية والعسكرية، وأخطرها مطبّ عدم الثقة.

إقرأ أيضاً

التصعيد ضدّ أذرع إيران… تقابله مرونة لإنقاذ رفح؟

تسابق الضغوط من أجل إحياء مفاوضات الهدنة في غزة قرار الحكومة الإسرائيلية اقتحام رفح. يترافق ذلك مع رصد جدّية الليونة التي أبدتها قيادة “حماس” الداخل…

تفشّي وباء الصراعات.. هل يشعل حرباً عالميّة؟

العالم ليس بخير. مشهد العلاقات الدولية في ظلّ الحروب الصغيرة المتنقّلة هنا وهناك والصراع على النفوذ والتناحرات الإقليمية أشدّ تعقيداً ممّا كانت عليه الصورة عشيّة…

قادة غزّة: أزمة مكان أم خيارات؟

كثر الحديث “غير الموثّق بأدلّة رسمية” عن أنّ قطر بصدد الاعتذار عن عدم مواصلة استضافة قيادة حماس، حيث كانت ولا تزال حتى الآن المكان الأكثر…

العلم الفلسطيني: سرقته إيران.. أم ألقته “الدولة الوطنية” (2/2)

ولادة “الدولة” في المنطقة العربية مرّ بـ”قطوع” التفتيت والتقسيم وفق خريطة “سايكس – بيكو” التي قسمت بلادنا دولاً بين الانتدابين، فرنسا وبريطانيا. لكنّها وُلِدَت بلا…