زياد بارود: لا يؤذي ولا ينقذ

2022-11-30

زياد بارود: لا يؤذي ولا ينقذ

مدة القراءة 8 د.

ينشر “أساس” تباعاً مقالات ومقابلات عن ملفّ رئاسة الجمهورية، بدءاً من مرشّحين “دائمين” لم يحالفهم الحظّ، وصولاً إلى الأسماء المؤهّلة والمرشّحة هذه المرّة. في حلقة اليوم “بورتريه” للوزير السابق زياد بارود.

 

لاسم زياد بارود وقعه وموقعه. هو المتدرّج من المجتمع المدني إلى صفوف السياسيين يؤثِر مع اقتراب كلّ استحقاق رئاسي أن يبتعد عن دائرة الضوء من دون أن يتخلّى عن دور المنظّر القانوني والدستوري في كلّ محطّات الخلاف على تفسير الدستور، وما أكثرها في لبنان. المرشّح الطبيعي للرئاسة لم يعلن ترشُّحه أو يتحدّث عنه مرّة. حتى في الكواليس وفي الصالونات السياسية يتجنّب الحاضرون مثل هذا الحديث معه منعاً لإحراجه.

الوزير السابق الذي خذلته الانتخابات لم ينغمس علناً في أتون السياسة وتعقيداتها. خَطّ لنفسه موقعاً وسط التشريعات والقوانين، وتماهى مع كونه ممثّلاً لزملائه في المجتمع المدني من دون أن يتسيّدهم.

يتمتّع بارود ببرودة بعيدة عن البارود، ويسيطر التردّد على شخصيّته. يعرف من أين تؤكل الكتف

مجتمع مدنيّ ووزارة

بواسطة صديق مشترك تعرّف زياد بارود إلى وزير العدل بهيج طبّارة عام 1995، فعيّنه عضواً في لجنة تحديث القوانين. وكان المحامي بارود نشأ في كنف المارونيّة الكسروانيّة بين جعيتا ومدرسة عينطورة. برزت طموحاته للعمل العامّ باكراً، فكان من أبرز الناشطين في الجمعيّات التي انتشرت، خصوصاً بعد الانتخابات البلدية سنة 1998، وكانت أبرزها حملة “بلدي، بلدتي، بلديّتي”. ثمّ نشط في “الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات”، التي انتُخب أميناً عامّاً لها في عامَيْ 2004 و2005، فمثّل جيلاً جديداً من الشباب الماروني الطامح إلى الخروج من عباءة عصر الميليشيات الذي عايشه صغيراً.

ترعرع في السياسة على نماذج شهابيّة المنحى في معظمها، على مثال فؤاد بطرس الذي تعهّده في لجنته المعروفة باسمه التي كانت أول محاولة لتجديد قانون الانتخابات النيابية (2005-2006)، فتعزّزت بفضل ذلك علاقاته بفرنسا، ووصل إلى مركز وزير الداخلية في حكومتين متتاليتين (2008-2011)، فكانت أوّل تجربة سياسية له أفرزتها تقاطعات المصالح بين فرنسا وحزب الله في بداية عهد ميشال سليمان.

بدأت علاقته بميشال سليمان في أعقاب مشاركته في لقاءات “سان كلو” الحواريّة بدعوة من الخارجية الفرنسية عام 2007 كأحد ممثّلي المجتمع المدني. أدّى “اتفاق الدوحة” إلى انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، الذي احتُسبت وزارتا الداخلية والدفاع من حصّته، فاختار بارود أن يكون على رأس وزارة الداخلية. في عهد حكومة سعد الحريري بين 2009 و2011، هدّدت فرنسا بوقف المساعدات للبنان إذا لم يتمّ تعيينه وزيراً.

 

حداثة استعراضيّة

كانت لبارود الحريص على صورته وعلى أن يمثّل الحداثة تجربة ناجحة في وزارة الداخلية من حيث الشكل وإعلاميّاً: فرض وضع الحزام في السيارة، وأعطى صورة الوزير الشابّ الذي يصل إلى وزارته على درّاجة أو ينزل ليسطّر محضر ضبط بمطعم بربر في سبيرز.

في مقابل هذه الصورة المدنية العصرية، كانت له سقطة مؤلمة في السياسة أشبه بعلامة تصعب إزالتها من سجلّه السياسي: فشله وانكساره في مواجهة ضابط في وزارته اسمه أشرف ريفي. ويؤخذ عليه أيضاً تسجيل 637 جمعية تعنى بشؤون المرأة وحقوق الطفل في عهده.

خلال ولايته الوزارية عام 2009 جرت الانتخابات النيابية التي سبقتها أحداث أمنيّة أحدثت تحوّلاً في المشهد السياسي المحلّي. وقد جاء في وثائق “ويكيليكس” أنّ بارود المحامي هو “جهة مفتاحيّة للتواصل مع السفارة الأميركية بشأن مجموعة متنوّعة من قضايا المنظّمات غير الحكومية”.

قبل ذلك كان بارود قد أنهى قطيعة رسمية مع سوريا بدأت في أعقاب اغتيال رفيق الحريري، فزار على رأس وفد أمنيّ دمشق، وكانت الزيارة الأولى لوزير داخلية لبناني إلى سورية، لكنّه لم يلتقِ الرئيس السوري بشار الأسد.

خطا زياد بارود خطوة إلى الأمام في عهد ميشال سليمان، حين صاغ مشروع قانون متكاملاً يتّصل باللامركزية الإدارية (2014) ما يزال في أدراج مجلس النواب كما قانون الزواج المدني الذي غاب في عهد الياس الهراوي.

للوهلة الأولى ظنّ زياد بارود، الذي تبنّته البطريركية المارونية في عهدَيْ البطريركين صفير والراعي، أنّ صورة الشابّ السياسي قادرة على اختراق العمق السياسي الماروني واتجاهاته الإقطاعية. راهن كثيرون على أن يقودهم الوزير السابق المعروف لدى الجمعيّات المدنية من خلال تأليف لائحة نيابية، سواء في دورة 2018 أو دورة 2022، وذهب بعضهم حدّ التخيّل أنّه سيشكّل كاسحة انتخابية، وصاروا يتحدّثون عمّن سيأخذ معه زياد بارود على لائحته. لكنه خيّب أمل الجميع.

 

عونيّ مصدوم

شكّلت تجربتة النيابية الوحيدة صدمةً: انخرط في دعم ميشال عون ولائحة تياره في انتخابات 2018 في كسروان – جبيل. وعلى الرغم من احتضان التيار له اصطدم بالواقع السياسي الشعبي الذي ما يزال متأخّراً أكثر ممّا كان يعتقد بارود ورفاقه، فإذا بالشعبيّة تتوزّع بين منصور البون وخدماته ونعمة إفرام المتموّل وحزبيّة روجيه إدّه وهيبة ميشال عون التي جيّرها لِمن كان في يوم من الأيام صهره على قاعدة “شامل أنا وأنا شامل”.

عزف عن الترشّح مع عون ومع غيره في دورة الانتخابات الأخيرة، لكنّه بقي مرتبطاً بمن يعتبره ممثّلاً للعمق الماروني: عون إيّاه. وهو يُبرز ذلك في كلّ مرّة تتعرّض الرئاسة لافتراء ما، إذ ينبري زياد لشرح صلاحيّات الرئيس وفق الدستور والقوانين.

 

اسمه يُطرب فرنسا

على المستوى الرئاسي، هو المرشّح الذي طُرح اسمه قيد التداول منذ عام 2014 من دون أن يعلن ترشّحه. يطرب الفرنسيون لاسمه، وتربطه بهم علاقات متينة، وهو حاصل على وسام الاستحقاق برتبة ضابط أكبر عام 2009، ثمّ وسام جوقة الشرف من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عام 2010. لكنّ الفرنسيين لا يخوضون معركته، وليست لهم الكلمة الفصل في انتخابات الرئاسة اللبنانية في الوقت الراهن. ومحليّاً لم تدرجه القوى الحزبية الفاعلة في سياق الأسماء التي يمكن أن تتبنّى ترشيحها.

عام 2016 انتخب مجلس نيابيّ مؤلّف من طلاب معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف زياد بارود رئيساً للجمهورية. وكانت الخطوة تشير إلى أنّ بارود يعكس آمال الشباب الذين يتطلّعون إلى مرشّح من خارج الاصطفافات الحزبية وإن كان على تماس معها كلّها تقريباً. ليس زياد بارود مرشّح توافق ولا مختلَفاً عليه. وقد لا يكون انتخابه إلا بكلمة سرّ خارجية يلتزم بها الداخل متى توافرت.

كانت لبارود الحريص على صورته وعلى أن يمثّل الحداثة تجربة ناجحة في وزارة الداخلية من حيث الشكل وإعلاميّاً

الوجه الطفوليّ المحبَّب

لكنّ مشكلة زياد بارود أنّه كلّما بلغ قمّةً أدار ظهره لرفاقه إلا إذا كانوا أقوى منه. هذا على الرغم من أنّه يعمل في القانون بانتظام وتؤدة، ويسعى إلى كسب رزقه.

خاض بارود غمار الحياة السياسية من فوق، لاعباً دور المتواضع. أوصله ميشال سليمان إلى الداخلية، فانصرف على الفور إلى بناء صورة مستقلّة عنه شكلاً ومضموناً، وارتبط بالتيار العوني بأشكاله كافّة وخاض معه انتخاباته النيابية في عام 2018 ولم يوفَّق.

ضاع بارود وأضاع الناس في متاهة لا تنتهي، فاحتاروا متسائلين: هل هو مع ميشال سليمان أو ميشال عون أو شربل نحّاس أو ضدّ أشرف ريفي (كان الأخير مديراً لقوى الأمن الداخلي)؟

يتمتّع بارود ببرودة بعيدة عن البارود، ويسيطر التردّد على شخصيّته. يعرف من أين تؤكل الكتف، ويرتطم طموحه بلغة خاضعة لسيطرة رجل القانون على حساب رجل السياسة.

يميل إلى الفرنسيّين ويتواصل مع معظم الأطراف اللبنانية، ويقال إنّه كان عونيّاً مختبئاً بعباءة القانون، وفي أحيان كثيرة خلف جريدة “النهار” والشهيد جبران تويني.

إقرأ أيضاً: ناصيف حتّي… الدبلوماسيّة سيف بحدّين

يُتداول اليوم اسم زياد بارود لرئاسة الجمهورية، إذ يمرّ على تقاطع مقبول من حزب الله، معطوف على رفض جبران باسيل القاطع لقائد الجيش جوزف عون وسليمان فرنجية. وبذلك تتمدّد مجسّاته السياسية لتمسك بمصالح متقاطعة علّها تخدم الغاية. يخشى البعض أن يكون ميشال سليمان آخر، بينما يخشى البعض الآخر أن يكون الرئيس الضعيف الذي يقود إلى رئيس قويّ. وقد يجذب وقوف زياد بارود، عموماً، خارج الاصطفافات، شريحةً من اللبنانيين إلى صفّه. ويسهّل عليه هذا تمتُّعُه بوجه طفوليّ ومحبَّب. وهو يجذب أيضاً المجتمع المدني الذي كان أحد ممثّليه. للرجل طروحاته القانونية والدستورية والإدارية ودائماً على الورق لا أكثر ولا أقل، وهذا مفيد في المرحلة المقبلة، لكنّ المطلوب أيضاً رئيس باهتمامات اقتصادية، وهذا غير معروف عند بارود.

إقرأ أيضاً

جهاد أزعور: ثلثين الولد للخال

لا يُسأل شخص عن جهاد أزعور إلا ويقول إنّه رجل المرحلة. فهو رجل اقتصاد ومال وسياسة. يعرف الدولة اللبنانيّة من الداخل. يعرف نقاط ضعفها ونقاط…

جوزف عون مرشّح “المرحلة الثالثة”

“جوزف عون مرشّح المرحلة الثالثة في الاستحقاق الرئاسي”. هذا ما يقوله أحد السفراء المتابعين عن قرب لانتخابات رئاسة الجمهوريّة. نحن اليوم في المرحلة الأولى، مرحلة…

ميشال معوّض مثل الخط 29.. للتفاوض دون الرئاسة

غالباً ما تكون الأسماء التي تُطرح علناً وفور انطلاق المعركة الرئاسية أسماءً للحرق. أسماء تلتهمها نيران المعركة المتّقدة. أسماء للحرق ولأشياء أخرى أيضاً، منها اليوم…

ناصيف حتّي… الدبلوماسيّة سيف بحدّين

الرئاسة حلم كلّ ماروني. كلّ ماروني مشروع رئيس، إلا أنّ الذي يتبوّأ منصب وزير الخارجية يكون أكثر جدّيةً وأوفر حظّاً من بينهم، ذلك أنّ المنصب…