الطعام في العلاقات الدوليّة

2022-10-26

الطعام في العلاقات الدوليّة

مدة القراءة 4 د.

تعاني الإنسانية كأسرة واحدة من أمرين أساسيَّين ومترابطين:

1- تضاؤل المساحة المزروعة.

2- تضخّم التلوّث.

تقول الدراسات العلمية إنّ الزراعة تستخدم نصف الأرض الصالحة للمعيشة، وإنّ ثلاثة أرباع هذه الأرض تُستخدم لتربية الماشية على أنواعها.

تقول هذه الدراسات أيضاً إنّ 30% من التلوّث مصدره الأراضي الزراعية بسبب صناعة الأسمدة الكيمياوية، وبسبب الصناعات الغذائية.

من أجل ذلك يواجه النظام الغذائي الذي يهمّ كلّ إنسان ضغوطاً نتيجة سلسلة من العوامل المترابطة أهمّها:

– المناخيّ.

– الزيادات في عدد سكّان الكرة الأرضية (حوالي 8 مليارات).

– التحوّلات في النظام الغذائي نحو المزيد من استهلاك الموادّ الغذائية، وخاصة اللحوم والأسماك.

تقول الدراسات العلمية إنّ الزراعة تستخدم نصف الأرض الصالحة للمعيشة، وإنّ ثلاثة أرباع هذه الأرض تُستخدم لتربية الماشية على أنواعها

من أجل ذلك انطلقت صناعة الموادّ الغذائية من موادّ عضوية. والانطلاقة ليست جديدة. أذكر أنّني كنتُ ضيفاً على شركة “شل” للنفط في لندن. وكنت مدعوّاً للغداء في مبنى الشركة مع بعض المسؤولين. كان الغداء قطعة من اللحم المشوي. وأعترف أنّها كانت شهيّة. ولكن فوجئتُ بمضيفي يسألني: هل أعجبك الطعام؟ فلمّا أجبت بالثناء، قال لي إنّه مصنوع من مشتقّات النفط!

مزارع الأسماك أصبحت مألوفة ومنتشرة في كلّ أرجاء العالم. عندما وصلت “البطاطا” إلى أوروبا للمرّة الأولى في القرن السابع عشر امتنع الناس عن تناولها بحجّة أنّها تصيب الإنسان بمرض الجذام، حتى إنّها وُصفت بـ”رؤوس الشياطين” لأنّها بالنسبة إلى المؤمنين الكاثوليك ليست مذكورة في الإنجيل (علماً بأنّ تناول الجراد مذكور في الإنجيل). لكنّ البطاطا هي التي حفظت الشعب الإيرلندي الكاثوليكي من المجاعة بعد الحصار الذي ضربته عليه إنكلترا الأنغليكانية.

دور أوروبا في القرون الوسطى

غيّر اكتشاف أميركا الجنوبية النظام الغذائي الأوروبي (ثمّ العالمي). فقد تعرّف الأوروبيون على البندورة والذرة اللتين حملهما البحّارة المستكشفون إلى بلادهم، حتى إنّ المطبخ الإيطالي يقوم على عناصر غذائية معظمها من أميركا الجنوبية. حتى المطبخ الآسيوي، وخاصة الهندي، يعتمد أساساً على التوابل، ومصدرها أميركا الجنوبية أيضاً.

حمل الأتراك أثناء فتوحاتهم الأوروبية البنّ اليمنيّ إلى الدول التي وصلوا إليها. وتعرّف الأوروبيون للمرّة الأولى على القهوة. في عام 1648، وبناء على توصية من رئيس أساقفة كانتربري في ذلك الوقت الأسقف لاند، أصدر مجلس العموم البريطاني تشريعاً بتحريم القهوة بحجّة أنّها تصيب من يشربها بالهلوسة فيتخلّى عن دينه ويعتنق الإسلام.

عندما احتلّ الإنكليز الهند وسيطروا على الصين (من خلال حرب الأفيون)، نقلوا إلى بلادهم الشاي الذي أصبح المشروب الوطني.

والآن فيما يزداد الإقبال على الخضار والفاكهة والبقوليّات العضويّة (أي التي لا تدخل الأسمدة الكيمياوية في إنتاجها)، فإنّ الدعوة إلى تقليد المجتمع الصيني في تناول بعض الحشرات، بحجة أنّها تحتوي على نسبة عالية من البروتينات، وتقليد المجتمع الكوري الذي يستسيغ لحم الكلاب، لم تعُد دعوة مغلقة.

إقرأ أيضاً: اقتصاد ألمانيا رهين الهجرة والتغييرات الإثنية

معروف عن الملكة الراحلة إليزابيث أنّها كانت لا تحب الثوم، لا طعماً ولا رائحة. ولذلك اشترط قصر باكنغهام أثناء ترتيب زيارتها اليتيمة لكوريا الجنوبية، ليس فقط عدم تقديم أطباق “مثوّمة” إليها، لكن وجوب تجنّب المسؤولين الكوريّين تناول الثوم قبل عقد اللقاء معها. فالثوم والملفوف يُعتبران في أساس المطبخ الكوري.

نجح العلم الحديث في زيادة إنتاج الحبوب والأرزّ عن طريق إدخال تعديلات على “موروثها الجينيّ”. وفّرت هذه الزيادة الغذاء لشعوب فقيرة في آسيا وإفريقيا. لكنّ العلم لا يجزم بعد أنّ هذا التعديل لا يضرّ بصحّة الإنسان على المدى البعيد، ولذلك مُنعت هذه المنتجات الغذائية من دخول الأسواق الأوروبية، لكنّها موضع مراقبة من قبل العلماء الأوروبيين. وكما ثبت أنّ القهوة لا تصيب مَن يشربها بالهلوسة، كذلك يُنتظر أن يثبت العلماء أنّ من يأكل الطعام المعدّل جينيّاً لا يُصاب بأمراض خبيثة.

إقرأ أيضاً

التصعيد ضدّ أذرع إيران… تقابله مرونة لإنقاذ رفح؟

تسابق الضغوط من أجل إحياء مفاوضات الهدنة في غزة قرار الحكومة الإسرائيلية اقتحام رفح. يترافق ذلك مع رصد جدّية الليونة التي أبدتها قيادة “حماس” الداخل…

تفشّي وباء الصراعات.. هل يشعل حرباً عالميّة؟

العالم ليس بخير. مشهد العلاقات الدولية في ظلّ الحروب الصغيرة المتنقّلة هنا وهناك والصراع على النفوذ والتناحرات الإقليمية أشدّ تعقيداً ممّا كانت عليه الصورة عشيّة…

قادة غزّة: أزمة مكان أم خيارات؟

كثر الحديث “غير الموثّق بأدلّة رسمية” عن أنّ قطر بصدد الاعتذار عن عدم مواصلة استضافة قيادة حماس، حيث كانت ولا تزال حتى الآن المكان الأكثر…

العلم الفلسطيني: سرقته إيران.. أم ألقته “الدولة الوطنية” (2/2)

ولادة “الدولة” في المنطقة العربية مرّ بـ”قطوع” التفتيت والتقسيم وفق خريطة “سايكس – بيكو” التي قسمت بلادنا دولاً بين الانتدابين، فرنسا وبريطانيا. لكنّها وُلِدَت بلا…