مواجهة غزّة: تطوّر إسرائيلي نوعي.. والتوقيت ليس إيرانياً

2022-08-09

مواجهة غزّة: تطوّر إسرائيلي نوعي.. والتوقيت ليس إيرانياً

مدة القراءة 6 د.

خلافاً للقراءات والتفسيرات التي تقول إنّ المواجهة الأخيرة بين الجيش الإسرائيليّ وحركة الجهاد الإسلاميّ في غزّة كانت على توقيتٍ إيرانيّ، إلّا أنّ الوقائع تُثبت عكسَ ذلك. فالتوقيت والضربة كانا إسرائيليَّين محضين. أمّا إيران فكانت تبحث عن هدوء في غرفة التفاوض النّوويّ في فيينا، وهذا أيضاً ما حيّد حركة حماس عن المعركة، وليسَ المُساعدات والإغراءات والتسهيلات الإسرائيلية…

لم تكُن المواجهة الأخيرة بين حركة الجهاد الإسلاميّ والجيش الإسرائيلي تفصيلاً عابراً تقليدية كما درجت العادة في السنوات الأخيرة. لم تكن حملة عسكريّة لمحاولة اجتثاث حركة الجهاد كما كان الأمر في معارك تل أبيب السّابقة مع لبنان وفلسطين. بل هو تحوّلٌ جديد في التحرّك الإسرائيلي ينبغي التوقّف عنده وقراءته بعناية. إذ لم يكن ما حصلَ في القطاع، المُحاصَر منذ سنة 2006، أكثر من عمليّة أمنيّة نُفِّذَت بذراع الجيش.

في هذه العمليّة، ضَرَب الثّنائي الحاكم في الكيان الإسرائيلي، رئيس الوزراء يائير لابيد ووزير دفاعه بيني غانتس، عدّة عصافير بحجر واحد: التّوقيت والأهداف والنّمط الجديد والرّسائل من العمليّات الإسرائيليّة ضدّ الفصائل الفلسطينيّة، وربّما وصلت الرسالة إلى آذان حزب الله في لبنان.

اليوم يُحاول لابيد وغانتس إعادة الاعتبار للعقيدة العسكريّة، والقول بطريقة غير مباشرة للنّاخب الإسرائيلي: “أعدنا الكلمة العُليا لتل أبيب على عكس منافسنا نتانياهو”

التّوقيت: فيينا والانتخابات

بالطّبع لم تكُن المُغريات الماليّة وإدخال المُساعدات إلى قطاع غزّة هي ما جنّبت تدخّل الفصيل الإيرانيّ الأقوى في القطاع، حركة حماس، في المعركة. فالحركة لا تحتاج إلى أكثر من اتّصالٍ من أيّ ضابطٍ بحرس الثّورة الإيرانيّ حتى تدخل جميع الجبهات بكلّ ما أوتيت من قوّة صاروخيّة ومسيّرةٍ وبشريّة.

كان اختيار التوقيت على ساعة المُفاوضات النّوويّة في فيينا هو الذي حيّدَ “حماس” عن المعركة حقيقةً وليسَ أيّ شيء آخر. وللمصادفة فإنّها المرّة الأولى منذ سنوات التي تكون فيها الطّلقة والضّربة الأوليان للجيش الإسرائيلي وليسَ للفصائل الفلسطينيّة. وهو ما يؤكّد أنّ اختيار التوقيت كان إسرائيليّاً محضاً. إذ إنّ الجمهوريّة الإسلاميّة كانت تُفاوض الأميركيين على التفاصيل الأخيرة لإعادة الحياة إلى اتفاق 2015، وهي ليسَت بوارد قلب الطّاولة هُناك لاعتبارات عديدة أهمّها:

أوّلاً: التساهل الغربيّ مع طهران مع اقتراب فصل الشّتاء، والحاجة إلى دخول إيران سوق الطّاقة وإعادة ضخّ نفطها وغازها في شرايين أوروبا والغرب عموماً، مع الحصار المضادّ الذي يحضّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشنّه على أوروبا بقيادة “الجنرال ثلج”.

عرَفَ قادة الكيان الإسرائيليّ أنّ نظام الملالي يستشعر بإمكانيّة التّوصّل إلى اتفاقٍ، فانقضّوا على ثاني أكبر فصيل إيرانيٍّ في القطاع بعد حماس، حركة الجهاد الإسلاميّ، التي اكتست ثوبها الإيرانيّ بسبب الخطأ الإسرائيليّ التّاريخيّ بإبعاد 413 قياديّاً من “حماس” و”الجهاد” إلى منطقة مرج الزّهور في جنوب لبنان في أيلول 1992، حيث صاروا تحت رعاية إيران وحزب الله بشكلٍ كامل.

اختيار الجهاد بدلاً عن حماس له اعتبارات عسكريّة تتعلّق بالفارق الكبير في التسليح والعديد البشريّ للحركتيْن. بالإضافة إلى أنّه على الرّغم من كون حماس موالية لإيران، إلّا أنّ فيها حصّة تركيّة على عكس حركة الجهاد التي تلبس الثّوبَ الإيرانيّ من رأسها إلى كاحلها.

ثانياً: بالإضافة إلى ساعة فيينا، كان الاختيارُ أيضاً على توقيت انتخابات الكنيست الخامسة في أقلّ من أربعة أعوامٍ في الأوّل من شهر تشرين الثّاني المُقبل.

يُريدُ الثّنائي لابيد – غانتس أن يُسجّلا نقاطاً في مرمى منافسهما الأقوى رئيس حزب الليكود بنيامين نتانياهو. وقد نجحا في هذا. إذ لم تُسجّل العمليّة السّريعة أيّ خسائر “مدنيّة” إسرائيليّة على الرّغم من مئات الصّواريخ التي أطلقتها الحركة باتجاه الأراضي المُحتلّة.

وإذا ما قيسَت عمليّة لابيد – غانتس ضدّ القطاع بتلك التي شنّها منافسهما نتانياهو أثناء رئاسته للحكومة في أيّار 2021، فستكون الغلبة للثّنائيّ على “الملك بي بي”، الذي سجّلت عمليّته ضدّ القطاع 13 قتيلاً إسرائيليّاً و600 جريح.

لم تكُن المواجهة الأخيرة بين حركة الجهاد الإسلاميّ والجيش الإسرائيلي تفصيلاً عابراً تقليدية كما درجت العادة في السنوات الأخيرة

الأهداف والنّمط والرّسائل: لا عمليّات برّيّة مُستقبلاً؟

ما ينبغي التّوقّف عنده مليّاً هو شكلُ العمليّة الإسرائيليّة وتفاصيلها. ففي خلال الأعوام العشرين الماضية، كان الجيش الإسرائيليّ يعمدُ إلى الكثافة النّاريّة ومحاولات التقدّم البرّيّ خلال عمليّاته ضدّ “حماس” و”الجهاد” وحتّى حزب الله في 2006.

خلال المواجهات السّابقة، تمكّنت الفصائل المدعومة من إيران من إصابة صُلب وأهمّ ما في العقيدة العسكريّة الإسرائيليّة، ألا وهو إلحاق أقصى هزيمة بالقوات العربيّة من خلال معارك سريعة وخاطفة، وإنهاء الحرب في وضع سياسيّ وعسكريّ أفضل ممّا كان عليه في بدايتها ويدعم الموقف الإسرائيلي في الدّاخل والخارج.

اليوم يُحاول لابيد وغانتس إعادة الاعتبار للعقيدة العسكريّة، والقول بطريقة غير مباشرة للنّاخب الإسرائيلي: “أعدنا الكلمة العُليا لتل أبيب على عكس منافسنا نتانياهو”.

يؤكّد ما سبق قوله هذا الانقضاضُ على قياديّي الجهاد والأهداف باستخدام الآلة العسكريّة، وليسَ عبر أذرعٍ أمنيّة أو طائرات مسيّرة، كانت لتكون كافية لاغتيال قادة الحركة الذين سقطوا في العمليّة العسكريّة. وهذا يدلّ أيضاً على عمق الخرق الأمنيّ الإسرائيليّ في قطاع غزّة.

على الرّغم من الطّابع العسكريّ الذي اتّخذته العمليّة الإسرائيليّة، إلّا أنّ عُمقها كان أمنيّاً لناحية اختيار الأهداف. وهذه لحظة اعتبرها الثّنائيّ لابيد – غانتس فرصة لن تتكرّر لإعادة الاعتبار للعمليّات الخاطفة.

كان لافتاً أيضاً غياب سلاح المدفعيّة والعمليّات البرّيّة. وهذا لمحاولة إبعاد أيّ هدفٍ يمكن أن تطوله صواريخ أو قذائف حركة الجهاد، وهو ما قد يرتدّ سلباً على مزاج النّاخب العبريّ.

إقرأ أيضاً: بعد غزّة: هل تشنّ إسرائيل “عملية استباقية” في لبنان؟

كان التركيز على الضّربات الجوّيّة فقط. وهذا يشير إلى نمطٍ إسرائيليّ جديد في العمليّات ضدّ الفصائل الإيرانيّة، وربّما يكون رسالةً لحزب الله أنّه لن ينال أهدافاً برّيّة سهلة في أيّ مواجهة مُقبلة، على عكس حرب تمّوز 2006 وما رافقها من مشاهد الآليّات والدّبّابات الإسرائيليّة المُتفحّمة في وادي الحجير وبنت جبيل والطّيبة.

إقرأ أيضاً

الرّياض لواشنطن: Take it or leave it

يصلُ وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن إلى العاصمة السّعوديّة الرّياض نهاية الأسبوع للمُشاركة في فعّاليّات “المنتدى الاقتصاديّ العالمي” الذي تستضيفه المملكة يومَيْ الأحد والإثنيْن. فما…

فيصل القاسم “لامس” 22 مليون عربي.. بحكاية فقره وجوعه؟

أحدثت إطلالة الإعلامي الشهير فيصل القاسم، عبر حلقة من برنامج بودكاست “ضيف شعيب”، ضجّة كبيرة على منصّات التواصل الاجتماعي، وحصدت أرقاماً قياسية في عدد المشاهدات….

هل تمرّ رئاسة الجمهوريّة من “خُرم” البلديّات؟

لا مشكلة نصاب في جلسة التمديد الثالث للبلديّات اليوم. تكتّل “لبنان القويّ” برئاسة جبران باسيل وكتلة “اللقاء الديمقراطي” برئاسة تيمور جنبلاط وعدد من النواب قاموا…

الغداء الرئاسي الفرنسي؟

ثلاثة عناوين تركّز عليها فرنسا لإعادة تجديد دورها على الساحة اللبنانية. تستعيد باريس نشاطها بعد تيقّنها من أنّ المسار الذي انتهجته منذ عام 2020 لم…