فيصل القاسم “لامس” 22 مليون عربي.. بحكاية فقره وجوعه؟

2024-04-25

فيصل القاسم “لامس” 22 مليون عربي.. بحكاية فقره وجوعه؟

مدة القراءة 6 د.

أحدثت إطلالة الإعلامي الشهير فيصل القاسم، عبر حلقة من برنامج بودكاست “ضيف شعيب”، ضجّة كبيرة على منصّات التواصل الاجتماعي، وحصدت أرقاماً قياسية في عدد المشاهدات. خلال يومين فقط، تخطّى عدد مشاهداتها مليونين، وبعد 4 أيام بلغت 3 ملايين مشاهدة، وذلك على الرغم من طول مدّة الحلقة، التي تجاوزت 3 ساعات وبضع دقائق. أما مجموع مشاهدات المقاطع على كلّ المنصّات، فقد وصل إلى حدود 22 مليون مشاهدة…

 

 

 

لا ريب أنّ الباعث على هذا الإقبال الكبير على مشاهدة إطلالة الإعلامي الشهير فيصل القاسم، عبر حلقة من برنامج بودكاست “ضيف شعيب”، هو الشهرة الواسعة التي يتمتّع بها الضيف. وهي تبرز بوضوح من خلال حجم المتابعات لحساباته عبر شبكات التواصل الاجتماعي. في المقابل فإنّ الصدى الذي أحدثته الحلقة استفزّ نظام الأسد. فدفع بجمهور “المنحبكجيّة” إلى ميادين منصّات التواصل للشتم والذمّ. واستفزّ أيضاً بعض النخب الإعلامية والثقافية، التي ازدرت فيصل القاسم وسخرت منه بشكل فاقع.

الصدمة

“ضيف شعيب”، هو أحدث برامج البودكاست التي تقدّمها منصّة “أثير” التابعة لقناة “الجزيرة” عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ضمن باقة منوّعة من برامج البودكاست. وهو من تقديم الإعلامي الكويتي شعيب الراشد، الذي يذكره العديد من اللبنانيين بفعل ما أحدثته حلقة من برنامجه السابق “برلمان شعيب”، استضاف فيها جورج قرداحي، من عاصفة سياسية ودبلوماسية أطاحت بالأخير من وزارة الإعلام في حكومة حسان دياب.

حسب إحصاءات عرضتها “أثير”، نقلاً عن “غوغل ترند”، فقد بلغ عدد المشاهدات لمقاطع ومحتوى الحلقة الأولى للبودكاست التي حلّ فيها فيصل القاسم ضيفاً نحو 21.9 مليون مشاهدة. كذلك أشارت إلى ارتفاع نسبة البحث عن فيصل القاسم عبر الشبكة العنكبوتية بنسبة 669%.

“ضيف شعيب”، هو أحدث برامج البودكاست التي تقدّمها منصّة “أثير” التابعة لقناة “الجزيرة” عبر شبكات التواصل الاجتماعي

يمكن القول إنّ فيصل القاسم أحدث صدمة لدى المتابعين من خلال ما كشف عنه من محطّات مؤلمة في حياته. وذلك بأسلوب سردي بسيط، خال من الادّعاءات والتكلّف. فخلف سيرته الذاتية الفخمة، المنشورة عبر الشبكة العنكبوتية، ثمّة فصول من المعاناة بسبب الفقر الشديد، لابن عائلة من الطبقة المسحوقة، لم يخجل فيصل القاسم من سردها. مثل تعرّضه للسخرية من زملاء فصله وبعض أساتذته بسبب ثيابه المهلهلة. وعدم قدرته على دخول الكافتيريا في جامعة دمشق طوال فترة دراسته فيها بسبب عدم امتلاكه المال لشرب فنجان شاي أو قهوة. وكذلك معاناته من الجوع. فكان بعض زملائه القلائل يتصدّقون عليه أحياناً.

لم يقُل إنّه كان عليماً بالسياسة منذ صغره، وإنّه كان على ثقة بأنّه سيصعد سلّم المجد والنجومية في المستقبل، بل بالعكس. فقد عبّر بصراحة عن جهله التامّ بالسياسة، وكان حريصاً على التأكيد في أكثر من موضع أنّ مجموعة من المصادفات القدريّة قادته إلى ما هو عليه اليوم.

الحديث عن المصادفات التي تحدث نقاط تحوُّل مفصلية في الحياة، يقودنا إلى ما ذكره الأستاذ سمير عطا الله عمّا صنعته الصدف في حياته المهنية أيضاً، خلال استضافته في بودكاست “مخيال” عبر القناة السعودية إبّان شهر رمضان المبارك في حلقة شيّقة. وذلك على عكس الفكرة النمطية السائدة حول كيفية صناعة النجم الإعلامي أو الصحافي، والأدوار الخيالية التي يحكى عنها للأنظمة وأجهزة الاستخبارات.

ملامسة الواقع

منذ البداية أمسك فيصل القاسم، وقاد الحلقة إلى الاتّجاه الذي أراده. من أجل إيصال رسالة إلى الجمهور، وخاصة الأجيال الصاعدة، بأن يتمسّكوا بأحلامهم، ولا يستسلموا مهما كان حجم الصعوبات. كان بإمكانه أن يطلق العنان لدموعه، أو أن ينفعل، لكسب المزيد من التعاطف، أو أن يسهب في الحديث عن قوّة الإرادة لديه وأنّها كانت السبيل الذي أوصله إلى النجومية، للحصول على المزيد من الإعجاب.

بمعزل عن مواقف فيصل القاسم، فإنّ ما قيل بحقّه قيل أيضاً من قبل الأشخاص أنفسهم بحقّ نجوم إعلاميين. منهم الإعلامي مارسيل غانم

بيد أنّه لم يقُم بأيٍّ من ذلك، ما خلا مرّة واحدة فقط، ظهر فيها التأثّر على وجهه، حينما عبّر عن اعتزازه بصوره التي رُفعت في “ساحة الكرامة” في السويداء، ومثّلت ثأراً معنوياً له من كلّ ما عاناه في صباه في الساحة نفسها، التي كان يقف فيها، مثل عشرات غيره من العمّال المياومين، بانتظار من يأخذهم إلى عمل عابر لتحصيل بعض الدريهمات.

ما عبّر عنه وجه فيصل القاسم من قهر وأسى حينما ذكر هذا التفصيل، يمثّل بالضبط مشاعر الآلاف من العمّال السوريين الذين يقفون في ساحات وشوارع سوريا، ولبنان، وتركيا، وسائر المهاجر. ويتعرّضون للضرب والتنمّر والتجريح، ويُحمّلون وزر أعمال نظام بشار الأسد، والأزمات الاقتصادية والمعيشية في الدول التي هم فيها.

الوقائع الصادمة، وسلاسة السرد وبساطته، كلّها عوامل جعلت ما يمكن أن نسمّيه “رواية فيصل القاسم” يلامس قلوب ومشاعر الكثير من السوريين والعرب، من الطبقتين الوسطى والفقيرة. ولا سيما ذوو الفقر المدقع. لأنّهم يشتركون معه في المعاناة نفسها تقريباً. وهذا ما عبّر عنه العديد من المتابعين والنشطاء عبر عشرات التعليقات والتدوينات والتغريدات المطوّلة. وأسهم في زيادة الإقبال على مشاهدة الحلقة على الرغم من طول مدّتها، حيث وصفها البعض “كأنّها 3 دقائق”.

بعض الآراء اتّهمت فيصل القاسم بالسعي إلى كسب تعاطف الجمهور من أجل دور سياسي مستقبلي

“منحبكجية” الأسد.. ضدّ فيصل

هذا وقد تلاقت تلك الآراء “النخبوية” مع “منحبكجيّة” الأسد، ولو بشكل غير مقصود. فمع أنّ فيصل القاسم لم يتعرّض لنظام “الأسدين” إلا بشكل عابر. إلا أنّ جيوش محبّي الأسد اندفعت إلى ميادين شبكات التواصل. خاصة تلك الفئة التي توصّف نفسها بـ”الناشطين”. لتخوين فيصل القاسم والطعن به بطريقة سيّئة للغاية، مقابل تقديسهم لـ”حذاء” بشار الأسد، كما وضع بعضهم على حساباته.

ذلك أنّ أيّ قصة نجاح خارجة عن سيطرة الأنظمة الشمولية تستفزّها، لأنّها تعرّي فشلها وعجزها. بعض الآراء اتّهمت فيصل القاسم بالسعي إلى كسب تعاطف الجمهور من أجل دور سياسي مستقبلي.

فهل الطموح إلى دور سياسي تهمة أصلاً؟ إلا إن كان هناك من يجد أنّ عالم السياسة يجب أن يكون مقصوراً على أشخاص معيّنين محصورين في دوائر ضيّقة جداً.

هي قصة تبعث الأمل من ركام اليأس لدى العشرات ممّن يعيشون معاناة فيصل القاسم نفسها، حتى لو كان كاذباً أو متصنّعاً. وهذا وحده يكفي.

إقرأ أيضاً: “عرس” وجدي معوّض في بيروت… يا فرحة ما تمّت

إقرأ أيضاً

حبّة “المورفين” الأوروبيّة توحّد الغضب على ميقاتي

قامت القيامة على المليار دولار التي قدّمها الاتّحاد الأوروبي ولم تقعد بعد. يرفض رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تصنيفها “رشوة” لأنّها مُخصّصة، وفق تأكيداته،…

الورقة الفرنسية: سياسة العصا والجزرة

 لحظة تسلّم رئيس مجلس النواب نبيه بري الورقة الفرنسية فضّل الاطّلاع عليها منفرداً في منزله. في اليوم الثاني أسرّ لمحيطيه بمضمونها السلبي. مجرد تسريب خبر…

هل يدفع الحزب رئاسيّاً… ليحمي ظهره بعد “التسوية”؟

ليست المواجهة في المشهد اللبناني بين الحزب وإسرائيل فقط. لأنّ الأميركيين منذ ما قبل الانهيار في البلد، قرّروا الاستغناء عن “الدور بالوكالة” ودخلوا بالأصالة لتخليص…

من يسعى لشيطنة السُنّة في لبنان؟

من يسعى لشيطنة السُنّة في لبنان، من صيدا إلى طرابلس وعكّار، مروراً بالعاصمة بيروت؟ المشهد ينسخ نفسه ظهور مسلّح نافر ومستفزّ تشهده مراسم التشييع التي…