الصدر ينسحب.. ويحضّر “لانتفاضة شعبية”

2022-06-16

الصدر ينسحب.. ويحضّر “لانتفاضة شعبية”

مدة القراءة 7 د.

كان واضحاً أنّ مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري في صدد الإعداد لخطوة تصعيدية الهدف منها إحراج كلّ القوى السياسية والأحزاب الشيعية التابعة لإيران، المتحالفة تحت مسمّى “الإطار التنسيقي”. التي تختلف معه حول منهجية إدارة الدولة والحكومة وآليّات استكمال الاستحقاقات الدستورية في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكليف رئيس جديد للوزراء.

خطوة استقالة الكتلة الصدرية من البرلمان، التي ذهب إليها الصدر وشملت جميع نواب الكتلة الصدرية الذين يبلغ عددهم 76 نائباً، أعادت خلط الأوراق بعد مرور نحو تسعة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في 10/10/2021 والنتائج التي أسفرت عنها ووضعته في صدارة المشهد السياسي من دون منازع بما هو زعيم الكتلة الكبرى داخل المكوّن الشيعي وداخل البرلمان العراقي بشكل عام.

كان التعطيل أو الانسداد السياسي، الذي عاشه العراق على مدى الأشهر الثمانية الماضية، ترجمةً للصراع الذي نشأ نتيجة رؤيتين متعارضتين حول طبيعة الحكومة المقبلة وإدارة الدولة، بين حكومة أغلبية وطنية تمسّك بها الصدر، في مقابل مطالبة الإطار التنسيقي بحكومة وحدة وطنية، ورفض تفرّد الصدر وتحالف “إنقاذ وطن” بتسمية رئيس الوزراء على حساب حقوق المكوّن الأكبر والتفاهم معه.

خطوة استقالة الكتلة الصدرية من البرلمان، أعادت خلط الأوراق بعد مرور نحو تسعة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية

انسحب حلفاء الصدر في “إنقاذ وطن” الديمقراطي الكردستاني وائتلاف السيادة من الواجهة لسحب ذريعة “الإطار التنسيقي” الذي اتّهمهم بالتدخّل في شؤون المكوّن الشيعي. وتمسّكوا بموقف موحّد يقوم على عدم الذهاب إلى إنجاز الاستحقاقات الدستورية من دون توافق شيعي.

في هذه الأثناء، كان الصدر قد لجأ إلى سياسة متدرّجة في التعامل مع الإطار، إذ حاول التواصل معه والتفاهم على قاعدة الاعتراف به كفائز أكبر والقبول بمرشّحه لرئاسة الوزراء وإسقاط مطالب الإطار بالمشاركة في تشكيل الحكومة. وبعدما فشل في هذا المسار، انتقل إلى محاولة إغراء بعض مكوّنات الإطار للانضمام إلى الكتلة الصدرية مقابل الحصول على بعض المكاسب الحكومية. إلّا أنّه واجه صلابة في موقف الإطار أجهضت هذا المسعى ودفعته إلى مغازلة النواب المستقلّين الذين تدرّج في محاولة إغرائهم، من الدعوة للانضمام إلى تحالف “إنقاذ وطن” مع المغريات ذاتها التي قدّمها لبعض جهات الإطار، وصولاً إلى تركهم يسمّون رئيس الوزراء من الشخصيات الوطنية المستقلّة.

 

فشل كل محاولات الصدر

أمام فشل جميع هذه المحاولات، انتقل الصدر إلى التصعيد بإعلان الاعتكاف وتعليق البحث في الأزمة السياسية لمدّة أربعين يوماً، تاركاً الخيار أمام “الإطار التنسيقي” لاستكمال الاستحقاقات إذا استطاع، خاصة بعد فشل البرلمان في تمرير انتخاب رئيس الجمهورية، الذي عطّله الإطار والمستقلّون مستخدمين سلاح الثلث المعطِّل، لأنّ تمريره يعني فتح الباب أمام الصدر وتحالفه “إنقاذ وطن” لاختيار رئيس جديد للوزراء بالأكثرية المطلقة.

بعد فشل هذه المحاولة، كسر الصدر صمته السياسي بأن عمد إلى الإعلان باسم “إنقاذ وطن” عن تبنّي مرشّح الحزب الديمقراطي ريبر أحمد بارزاني لرئاسة الجمهورية، وإعلان ترشيحه السيد محمد جعفر الصدر، سفير العراق في بريطانيا، لمنصب رئاسة الوزراء. وهما ترشيحان بقيا معلّقين لعدم قدرة هذا التحالف على عقد جلسة برلمانية مخصّصة لانتخاب الرئيس.

سياسة أو استراتيجية إقفال الأبواب أمام الحوارات والتفاوض مع القوى الأخرى بحثاً عن مخارج، سمحت للصدر بأن يتفرّغ لرسم المشهد الذي يريده في المرحلة المقبلة. فمن خلال اللجوء إلى تفعيل عمل البرلمان، استطاع تمرير ما يريده من قوانين ذات طابع ماليّ واقتصادي تساعد على قيادة مرحلة الفراغ إذا ما فشل الجميع في إنتاج تسوية أو تمرير الاستحقاقات الدستورية وانتخاب رئيس للوزراء، خاصة قانون الأمن الغذائي بعدما فشلت حكومة مصطفى الكاظمي في تمريره بصفة قانون طوارئ بعد تصدّي المحكمة الاتحادية لذلك.

قدّم الصدر، الذي تخلّى عن مبدأ “رفض المحاصصة”، إغراءات لبعض أطراف الإطار التنسيقي، وأعطاهم حصصاً في تخصيصات قانون الأمن الغذائي. إلا أنّه وظّفه في سياق معركته مع الإطار، واتّهام أركانه بالسعي من أجل الحفاظ على مصالحهم الخاصة على حساب المصلحة الوطنية.

 

خيار الاستقالة

في هذه الأثناء، كان الصدر وتيّاره السياسي ينشط في الإعداد لاحتفالات الذكرى السنوية الـ13 لاغتيال والده محمد محمد الصدر وأخويه على يد نظام صدام حسين، والتي تحوّلت إلى استعراض للنفوذ وحشد القاعدة الجماهيرية في كلّ محافظات الجنوب والوسط وصولاً إلى بغداد، في رسالة واضحة للقوى والأحزاب والفصائل الشيعية تُظهر حجم التمثيل الشعبي الذي يمتلكه والقادر على تحريكه كيفما شاء وتوجيهه حيثما أراد. ولعلّ انسحابه من الحفل المركزي في هذه الذكرى، وأسلوب تعامله مع الجمهور، والتصرّفات التي قام بها رئيس الكتلة البرلمانية حسن العذاري أثناء انسحابه، كانت واضحة الدلالة على أنّ هذه الكتلة البشرية، الشعبية منها والنخبة، هي طوع بنانه وتنفّذ أوامره من دون أيّ اعتراض. في حين أنّ خصومه يفتقرون إلى مثل هذه القاعدة.

نجح الصدر في استخدام لغة الشارع، التي سبقت الخطوة الحاسمة على المستوى السياسي، وفي تنفيذ ما مهّد له بطلبه من النواب كتابة استقالاتهم وإيداعها في مكتبه، ثمّ توجيه الأمر إلى رئيس الكتلة حسن العذاري بعد يومين بتقديم الاستقالات إلى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي سارع إلى التوقيع عليها قبل ساعات من زيارته للمملكة الأردنية الهاشمية.

رمت الاستقالة، التي باتت نافذة بعد تقديمها رسمياً، حسب التفسير الذي قدّمه الحلبوسي، كرة نار الأزمة السياسية في حضن “الإطار التنسيقي”، الذي دخل دوّامة الاجتماعات والحوارات والاتصالات لاستيعاب تداعيات هذه الخطوة والسعي إلى أخذ المبادرة بعد التغيير الحاصل في موازين القوى وتوزّعها داخل البرلمان، خاصة أنّه بات الوريث لمقاعد التيار الصدري، وأصبحت مهمّة تسمية رئيس الوزراء في عهدته.

إلا أنّ العبور إلى استحقاق رئاسة الوزراء لا بدّ أن يمرّ أوّلاً عبر انتخاب رئيس للجمهورية، ولن يكون الإطار قادراً على الاستمرار في دعم موقف زعيم حزب الاتحاد الوطني بافل طالباني المتمسّك بترشيح برهم صالح في مواجهة مرشّح الحزب الديمقراطي. وهو بحاجة لفتح صفحة جديدة من الحوارات مع أربيل والرئيس مسعود بارزاني لتسهيل تسوية كردية داخلية تساعد على إخراج الاستحقاق الرئاسي من التعطيل.

 

إحراج “الإيرانيين”

خيار الصدر الخروج من العملية البرلمانية بالكامل، وترك خيار اللجوء إلى المعارضة الإيجابية الذي طالما لوّح به، وضعا قوى “الإطار التنسيقي” أمام تحدّي تلقّف كرة النار التي رماها الصدر في أحضانهم. فلا هم قادرين على الإمساك بها من دون التفكير في التحدّيات التي ستواجههم، ولا هم قادرين على إبعادها لِما لذلك من تداعيات مدمّرة لا تقف أو تقتصر ارتداداتها السياسية عليهم، بل ستصيب العراق بمقتل وتُدخله في فراغ حقيقي، خاصة أنّهم يعرفون أنّ الصدر وتياره متربّصون بهم.

وإذا ما كانت قوى الإطار، ومعها القوى الأخرى من المكوّنين السنّيّ والكردي، محكومة بتفعيل الاستحقاقات الدستورية منعاً للانهيار، فإنّ الصدر أيضاً لن يسمح بنجاح الإطار في قيادة هذه المرحلة على حسابه. إذ من المتوقّع أن يعيد تفعيل خيار الشارع الذي وضعه ضمن استراتيجيته السياسية في حال فشل في خيار قيادة العملية السياسية. لذا من المتوقّع، وهذا ما يتخوّف منه “الإطار التنيسقي”، أن يلجأ الصدر إلى قيادة حراك شعبي واسع في كلّ المحافظات ضدّ أيّ حكومة جديدة، والعمل على إسقاطها في الشارع، وهو ما يساعده على العودة على حصان المطالب الشعبية ليفرض الرؤية التي يريدها ويعمل على إخراج القوى السياسية الإطارية من العملية السياسية ومؤسّسات الدولة بشكل حاسم.

إقرأ أيضاً: العراق: تركيا تتدخّل… وإيران تفكّك تحالف الصدر؟

قد يكون خيار الشارع خياراً معقّداً وصعباً لِما فيه من إمكانية “دم” كبيرة وانفجار المواجهة ودخول العراق في موجة عنف واسعة، خاصة أنّ طرفَيْ الصراع يمتلكان القدرة على الذهاب إلى هذا الخيار، الصدر وقاعدته الشعبية المطيعة والمسلّحة والمدرّبة والمستعدّة حسب تسريب صوتي للقيادي في التيار نصار الربيعي، والفصائل التي تعتبر نفسها مستهدفة وعلى استعداد للدفاع عن وجودها ومكتسباتها إلى النهاية.

 

إقرأ أيضاً

عراضة “الجماعة” في عكّار.. ومرحلة ما بعد حرب غزّة

بعد العراضة المسلّحة لـ”الجماعة الإسلاميّة” في منطقة عكار الشمالية، بدأت تظهر ملامح مرحلة ما بعد حرب غزّة في لبنان. تبدو الحاجة أكثر من أيّ وقت…

لا عزاء للمساكين

“لم أغسل دمي من خبز أعدائي  ولكن كُلّما مرّت خُطَايَ على طريقٍ فرّتِ الطرقُ البعيدةُ والقريبةُ   كلّما آخيت عاصمة رمتني بالحقيبةِ فالتجأتُ إلى رصيف الحلم…

“أخوة يوسف”* أمام معضلة خط الحرير العراقيّ

عاديّ أن يقلق البعض على هامش زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الأخيرة للعراق، أمام مشهد توقيع مذكّرة تفاهم رباعية للتنسيق والتعاون ذات طابع استراتيجي…

الجماعة الإسلامية إلى أين؟

عندما أنشئت الجماعة الإسلامية في ستينات القرن الماضي (وتمّ وقتها الترخيص للحزب الشيوعي وكان وزير الداخلية كمال جنبلاط)، كانت تهدف إلى المحبة والتسامح والعيش المشترك…