كأس العالم: لماذا يهرب المشاهير من قطر؟

2022-05-10

كأس العالم: لماذا يهرب المشاهير من قطر؟

مدة القراءة 8 د.

طارق بانجا Tariq PanjaThe New York Times

 

بالنسبة إلى غاري لينيكر Gary Lineker، لم يكن خياره لعب دور النجومية في استعراض قطر الكبير.

بالتأكيد، استضاف حفل قرعة كأس العالم لينيك بصفته أفضل هدّاف سابق في هذه البطولة، ويعمل الآن مذيعاً تلفزيونياً، وهو شهير في مهنته الجديدة ويتمتّع بعلاقة مهنيّة مستمرّة مع منظّم البطولة، الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا FIFA). لكن بمواجهة الحدث الساحر الذي أُقيم في الدوحة الشهر الماضي، والذي حدّد مباريات كأس العالم هذا العام في قطر، لم يكن لينيكر ليفكّر في انتقاد استضافة قطر البطولة بانتظام. لذلك، وفي محادثة مع رئيس الفيفا، جياني إنفانتينو Gianni Infantino، رفض لينيكر المشاركة في حفل القرعة.

إحجام لينيكر عن أن يكون ضيف القرعة، الذي اضطرّ الفيفا إلى البحث عن بديل، هو أحدث نموذج على الخط الذي يتعيّن على الرياضيين والرعاة المشهورين أن يخطوه عندما يتعلّق الأمر بكأس العالم في قطر، التي كانت غارقة في الجدل منذ بدايتها، فضلاً عن شكاوى من معاملة الدولة للعمّال المهاجرين.

جاء قرار لينيكر في وقت تتّخذ شركاتٌ واتّحاداتُ كرة القدم من بعض الدول المشاركة، خطواتٍ لإبعاد علاماتها التجارية عن البلد المضيف، على الرغم من أنّها دفعت ملايين الدولارات لربط نفسها بأبرز حدث رياضي في العالم.

الاتحاد الدنماركي لكرة القدم: أيّاً من رعاة الفريق لن يشارك في أيّ نشاط تجاري في قطر بحيث تكون المشاركة في نهائيات كأس العالم هي مشاركة رياضية في الأساس، وليس الترويج لفعّاليات منظّمي المونديال

لطالما دفعت قطر التصوّرات السائدة عن الدولة على اعتبار أنّها غير دقيقة أو عفا عليها الزمن في أفضل الأحوال، في محاولة منها للتوضيح أنّه مع تغيُّر المظهر الماديّ للبلد، فقد تغيّرت أيضاً تدابير الحماية التي توفّرها للعمال. لكنّ الأمثلة على السلوك المسيء والمعاملة السيّئة ما زالت قائمة، وتظلّ مادّة لوسائل الإعلام الإخبارية، ولا سيّما في أوروبا، حيث لا تزال إقامة كأس العالم في قطر مصدراً للاحتجاج ومثار انتقاد شديد لمن يرتبطون بها.

بدافع الانزعاج، اختارت بعض الشركات الابتعاد عن رعاية البطولة، في حين أنّه كان من المتوقّع أن تستفيد من الحدث الأكبر في الرياضة الأكثر شعبيّة على وجه الأرض. على سبيل المثال، قرّرتING Group ، وهي مجموعة خدمات مالية ومصرفية دولية كبرى ترعى الفريقين الوطنيّين لهولندا وبلجيكا، عدم الاستفادة من تلك العلاقات خلال الحدث. وقال متحدّث باسم الشركة لصحيفة “نيويورك تايمز” إنّ الشركة لن تقبل أيّ تخصيص لتذاكرها للبطولة أو المشاركة في أيّ عرض ترويجيّ متعلّق بكأس العالم.

وقال المتحدّث باسم الشركة: “بالنظر إلى المناقشات والمخاوف بشأن وضع حقوق الإنسان أثناء أعمال البنية التحتية لكأس العالم، نعتقد أنّ غير مناسب لنا المشاركة في الحدث”. وبدلاً من ذلك، قالت ING إنّها ستركّز جهودها على بطولة كرة القدم الأوروبية للسيّدات التي ستُقام في إنكلترا هذا الصيف.

 

الهروب من “تسويق” الحدث

أصدر عدد من الشركاء الآخرين للفرق الهولندية والبلجيكية بيانات توضح خططهم لتجاهل ما يمكن أن يكون في الظروف العاديّة منصّة تسويق رئيسية. فقالت شركةGLS ، وهي شركة شحن، وترعى فريق بلجيكا، لصحيفة “نيويورك تايمز” إنّه على الرغم من دعمها لفريق “الشياطين الحمر Red Devils” منذ عام 2011، وستواصل القيام بذلك، فإنّها لن تستفيد من تخصيص التذاكر لترويج العملاء أو المشاركة في أيّ حملات إعلانية في قطر “لأنّنا نعتبر أنّ من الأفضل عدم الاستخدام التجاري لكأس العالم 2022، وذلك في سياق حالة حقوق الإنسان في قطر”.

مع ذلك، فإنّ سلسلة متاجر كارفور Carrefour الفرنسية، التي لها منافذ بيع في قطر، والتي ترعى أيضاً فريق بلجيكا، ردّت بقوّة على مزاعم انضمامها أيضاً إلى ما يبدو أنّه مقاطعة جماعية لكأس العالم. وقالت الشركة في بيان لصحيفة “نيويورك تايمز” إنّ هذه الادّعاءات “أخبار كاذبة”، وهي “لن تشارك أو الشركات التابعة لها في مقاطعة من أيّ نوع”.

لكنّ بعض الفرق المتنافسة تتعامل مع الأمر على نحوٍ أقلّ حدّة. فقد أجرى الفريق الأميركي الوطني لكرة القدم U.S. Soccer مناقشات داخلية حول الإجابات التي يمكن أن يقدّمها اللاعبون عندما يواجهون أسئلة حتميّة حول قضايا حقوق الإنسان في قطر. وارتدى المنتخب الألماني قمصاناً تحمل شعار “حقوق الإنسان” قبل مباراة في تصفيات كأس العالم العام الماضي.

وبعدما حصل فريق الدنمارك على التأهّل العام الماضي، أعلن اتحاد كرة القدم الدنماركي أنّ اثنين من رعاته: اليانصيب الوطني Danske Spil، والمصرف المشهورArbejdernes Landsbank ، قد اتّفقا على التنازل عن المساحة التي دفعوها مقابل معدّات تدريب الفريق واستبدالها برسائل حقوق الإنسان خلال كأس العالم. لاحقاً أوقف المصرف رعايته للفريق الدنماركي، وقال إنّ القرار لا يتعلّق بالقضايا المثارة بشأن حقوق الإنسان في قطر.

إحجام لينيكر عن أن يكون ضيف القرعة، الذي اضطرّ الفيفا إلى البحث عن بديل، هو أحدث نموذج على الخط الذي يتعيّن على الرياضيين والرعاة المشهورين أن يخطوه

أمّا الاتحاد الدنماركي لكرة القدم إنّ أيّاً من رعاة الفريق لن يشارك في أيّ نشاط تجاري في قطر “بحيث تكون المشاركة في نهائيات كأس العالم هي مشاركة رياضية في الأساس، وليس الترويج لفعّاليات منظّمي المونديال.”

وقال ريكاردو فورت Ricardo Fort، المدير التنفيذي السابق للتسويق في شركة كوكا كولا Coca-Cola، والمسؤول عن علاقة الشركة مع الفيفا، التي امتدّت لعقود، إنّ كثيراً من الشركات كانت تحسب عواقب الارتباط بقطر، لكنّه توقّع أن يختار معظمهم في النهاية عدم الابتعاد عن البطولة. قال فورت: “بالنسبة لي يبدو الأمر وكأنّه قضية محليّة”.

وافترض فورت مع ذلك أنّ المشاهير والأفراد سيواجهون خياراً أكثر صعوبة.

وقال: “إذا كنتَ لاعب كرة قدم متقاعداً، وتخطّط لتوقيع عقد في ألمانيا أو فرنسا وغير ذلك، فمن المحتمل أن تكون أكثر نجاحاً في مسعاك، عندما لا تكون منخرطاً في حدث كهذا”.

 

لينيكر هو النموذج

غاري لينيكر، مهاجم منتخب إنكلترا السابق، الذي كان هدّاف كأس العالم 1986، هو نوع وحسب من النجوم الذين ترغب الفيفا ومنظّمو كأس العالم في أن يتصدّروا المشهد في الأحداث البارزة مثل القرعة. وافق لينيكر في المرّة الأخيرة، فحَلَّ في مركز الصدارة في الكرملين في القرعة قبل كأس العالم 2018 في روسيا.

لكن بعد قيامه بذلك، واجه ردّاً عنيفاً من بعض وسائل الإعلام البريطانية، وفي هذه المرّة، أخبر رئيس الفيفا إنفانتينو أنّه خلص إلى أنّه سيكون من النفاق أن يتصدّر حفلاً في حدث ينطوي في جوهره على شكوك. (سيستمرّ لينيكر في لعب دور قيادي في تغطية قناة “بي بي سي” لبطولة كرة القدم في قطر، بعدما قرّر أنّ بثّ التقارير عن الحدث الرياضي، ليس كمثل تقديم الدعم له).

بالنسبة للآخرين، وعلى الرغم من كلّ ذلك، قد تكون أرقام الدفع السخيّة المعروضة أكبر من أن تُرفض. سجّلت قطر على مدار سنوات بعضاً من أكبر عقود الرعاية في مجال الرياضة، وقد ازداد ذلك مع اقتراب كأس العالم. كان ديفيد بيكهام David Beckham، نجم منتخب إنكلترا السابق، موجوداً مثل لينيكر في القاعة عندما اختيرت قطر لاستضافة بطولة العالم لكرة القدم عام 2022.

الصفقة التي عقدتها قطر مع بيكهام بملايين الدولارات، وهو الآن أيضاً صاحب فريق رياضي (أنتر ميامي الأميركي)، ومستثمر تتخطّى شهرته كرة القدم، تتجاوز بمداها إلى ما بعد نهائيّات كأس العالم. إنّها، في كثير من النواحي، صفقة لكابتن منتخب إنكلترا السابق لتأييد قطر نفسها. وهذا دفع بعض الأشخاص المقرّبين من بيكهام إلى التعبير بشكل خاصّ عن مخاوفهم بشأن طبيعة العقد. وقال شخص مطّلع على الاتفاقية: “إنّها صفقة لتعزيز الدولة القطرية وما تفعله”.

 لم يتحدّث بيكهام علناً عمّا دفعه إلى توقيع العقد مع قطر، وهو كان زائراً متكرّراً لقطر منذ الموافقة على الصفقة منذ أكثر من 18 شهراً. ولم تردّ المتحدّثة باسمه على طلب للتعليق. تجنّب بيكهام حتى الآن التحقيق الصحافي في المناسبات التي جرت في قطر، ومنها مع اللاجئين الأفغان الهاربين من حكومة طالبان، وترويج الخطوط الجوية القطرية، والظهور في حلقة نقاشية في منتدى الدوحة. وهو حدث مبهر يجمع نخبة من رجال الأعمال والسياسة. لكنّه كان غائباً بشكل غريب عن قرعة كأس العالم.

إقرأ أيضاً: هل تتخلّى روسيا عن سوريا لطهران؟

قال تيم كرو Tim Crow، الرئيس التنفيذي السابق لشركةSynergy ، وهي شركة استشارات لرعاة الألعاب الأولمبية وكأس العالم: “هناك الكثير من المخاطر المرتبطة بهذا. لقد فوجئت نوعاً ما بأنّه قرّر أن يضع نفسه في موقف ينطوي على مخاطرة كبيرة، خاصة بالنسبة لرجل لا يحتاج إلى المال”. قد تؤدّي علاقة بيكهام بقطر إلى طرح أسئلة على أحد شركائه الآخرين، شركة تصنيع الملابس الرياضية أديداس Adidas. قدّمت الشركة القليل من التفاصيل حول كيفيّة تفعيل علاقتها مع بيكهام في مونديال قطر، قائلة فقط إنّه “عضو قيم طويل الأمد في عائلة أديداس. وستستمرّ شراكتنا على هذا النحو”.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

إقرأ أيضاً

فريدمان: السلام يضعف إيران وميليشياتها… وليس الحرب

“كان هجوم إيران الصاروخي وبالطائرات بدون طيار على إسرائيل بمنزلة تصعيد يغيّر قواعد اللعبة ويتطلّب من إسرائيل وحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة تفكيراً جديداً”، يسمّيه المحلّل…

حملة فرنسيّة على مليارات الحزب (3/3): شبكات “تهريب وتزوير وتجنيد” بين كولومبيا و”فنزويلا السّوريّة”

مجلّة “لوبوان” الفرنسية الأسبوعية اليمينية المُصنّفة على أنّها “معادية للإسلام” خصّصت في عددها الأخير الذي حمل غلافه صورة المرشد الإيراني الأعلى السيد علي خامنئي والأمين…

حملة يمينية فرنسية على مليارات الحزب (2/3): شبكة فرنسا..

“الحزب هو الدولة الحقيقية داخل الدولة اللبنانية، الميليشيا التي تحوّلت إلى حزب سياسي، على حساب انهيار الدولة، ويتسلّل إليها من كلّ مسامّها. لديه القدرة على…

حملة فرنسية على مليارات الحزب (1/3): كيف فكّك الدولة وفرض نفسه بديلاً؟

“الحزب هو الدولة الحقيقية داخل الدولة اللبنانية، الميليشيا التي تحوّلت إلى حزب سياسي، على حساب انهيار الدولة، ويتسلّل إليها من كلّ مسامّها. لديه القدرة على…