مصر: جيشٌ للشعب لا شعبٌ للجيش

2021-10-30

مصر: جيشٌ للشعب لا شعبٌ للجيش

مدة القراءة 7 د.

الرئيس عبد الفتاح السيسي إصلاحيّ بالمفهوم السياسي والإنساني. بدأ بمنع الدولة الوطنية من الانهيار. حارب الإرهاب التكفيري. شرع في إصلاح اقتصادي مذهل بكلّ مقاييس العالم في الإنجاز مقارنةً بما لديه من موارد.

يبتدئ الرئيس المصري، الآن، فصلاً جديداً مُكمّلاً للإصلاح الشامل، وهو الإصلاح السياسي.

منذ أكثر من 2500 عام، كتب “صن شو” في كتابه الشهير “فنّ الحرب”: “شعب بلا جيش فعّال مثل جسد بلا قلب نابض”.

وفي الحالة المصرية يصدق هذا القول لأنّه جيش يعبِّر عن كل الطبقات، غير حصري، غير قبليّ، غير طائفي، وغير مذهبي.

يُدرك الرجل الدارس للاستراتيجية أنّ أحد أهمّ عناصر القرار هو “اختيار التوقيت المناسب”

حينما نتحدّث عن الجيش المصري، فنحن نتحدّث عن أوّل جيش لأوّل دولة أُسِّست في وادي النيل (3 آلاف سنة قبل الميلاد).

نتحدّث عن الجيش الذي هزم الحبشيّين والتتار والمغول والأسطول الفرنسي في المنصورة، ووصل بقوّاته وأسطوله إلى مشارف الآستانة وحدود المكسيك.

نتحدّث عن جيش حرب أكتوبر (تشرين الأوّل) المجيدة، والقوّة العربية المسلّحة الأهمّ في تحرير الكويت.

نتحدّث عن جيش انحاز إلى الشعب في كانون الثاني 2011 وحزيران 2013.

نتحدّث عن جيش بنى الأنفاق، والطرق، والجسور والمدن الجديدة، ووفّر رغيف الخبز واللحوم والأسماك والأدوية ولبن الأطفال.

نتحدّث عن تاسع قوة عسكرية في العالم، بعديد من 600 ألف مقاتل، ولديها 30 مليوناً من سنّ 18 إلى 40 سنة تحت الطلب الاحتياطي.

يُدرك الرجل المثقّف سياسياً، الزاهد إنسانيّاً، الدارس لعلوم الاستراتيجية، ذو الخبرة الأمنيّة، أنّ “إصلاح الحجر يجب أن يواكبه إصلاحٌ للبشر”.

يُدرك الرئيس السيسي المتعمّق في جذور المعضلة المصرية، وتحدّيات الشعب المصري الصبور، والمتفهّم لقانون الفعل وردّ الفعل لدى ملايين المصريّين، أنّ أولويّات هذا الشعب بعد كارثة حكم الإخوان كانت حسب الترتيب التالي:

1- إنقاذ الدولة الوطنية من خلال محاربة الإرهاب التكفيري (آمنهم من خوف).

2- توفير الاحتياجات الأساسيّة لملايين المهمّشين (أطعمهم من جوع).

في الوقت ذاته، انبرت عجلة الإصلاح تبني مشروعات عملاقة وفّرت 5 ملايين فرصة عمل جديدة، وشغّلت 120 شركة كبرى وخمسة آلاف شركة صغيرة وعملاقة في استثمارات تفوق 4 تريليونات جنيه مصري.

يُدرك الرجل الدارس للاستراتيجية أنّ أحد أهمّ عناصر القرار هو “اختيار التوقيت المناسب”.

من هنا كان إدراك الرئيس السيسي أنّ الوقت الآن قد أصبح مناسباً لإنهاء حالة الطوارىء في البلاد بعدما توافرت 3 عناصر جوهرية:

1- السيطرة الكاملة على ملفّ الإرهاب التكفيري، وانهيار بنية تنظيم الإخوان المسلمين في الداخل والخارج.

2- تأكيد المؤشّرات الاقتصادية والاجتماعية، المعترف بها دوليّاً، تحسُّن أداء الاقتصاد المصري.

3- شيوع حالة من الرضا العام بعدما رأى الناس بأنفسهم بشائر مشروعات الاقتصاد والمدن الجديدة والطرق والجسور والصرف الصحيّ، وتحسُّن مستوى الخدمات الصحيّة والتعليمية في فترة قياسية.

أنصار الرئيس، وأشدّ خصومه في الداخل والخارج، يستحيل عليهم أن ينفوا عنه أنّه رجل الإنجاز المتابع الناجح المنضبط.

ذلك كلّه يخلق معضلة أمام عاصمتين أساسيّتين هما واشنطن ولندن.

كانتا تراهنان فور سقوط نظام الإخوان المسلمين في 30 حزيران 2013 أن لا مستقبل لثورة الشارع المصري التي أيّدها وحماها ودعمها الجيش.

كان رهان واشنطن ولندن على الإخوان تحت دعوى أنّ “نظام الفائز بالصندوق الانتخابي يجب أن يبقى حتى لو كنت تشكّ في إدارة شؤون البلاد والعباد”.

كانت واشنطن ولندن قاب قوسين أو أدنى من التدخّل المباشر في الشأن المصري لولا أمران:

1- حجم التأييد الشعبي لدور المؤسسة العسكرية، ورفض هذه الجماهير الكاسح لحكم الإخوان.

2- المساندة الصريحة الفوريّة من الرياض وأبوظبي وعمّان لثورة 30 حزيران 2013.

لم يستسلم الغرب بسرعة لهذه الثورة المدعومة من الجيش، بل حاول عدّة مرّات البحث عن أيّ تصوّر أو مخرج لإعادة حكم الإخوان في مصر.

ويمكن الآن الكشف عن عقد اجتماع استخباريّ رفيع المستوى لممثّلي 9 دول، أبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، قبل نهاية 2013، في قاعدة عسكرية في ألمانيا، كان الهدف منه تدارس إمكانيّة تقوية وحماية الإخوان مقابل إضعاف الحكم في الفترة الانتقالية في مصر لتجنّب إجراء انتخابات رئاسية جديدة يفوز فيها وزير الدفاع حينذاك المشير عبد الفتاح السيسي.

صدق الرئيس السيسي في إنقاذ البلاد وابتعاده عن القرارات الشعبوية، إذ اتّخذ القرار الصعب بتحرير سعر الصرف وقيادة الجهاز الهندسي بالقوات المسلّحة لمجموعة من المشروعات العملاقة، الأمر الذي أدّى الى إفشال المخطّط الخارجي الشرير.

وقد شعر المواطنون بأنّ هناك حكماً وحاكماً ونظاماً يحنون عليهم بالفعل وليس بمعسول الكلام، فيوفّرون لهم الغذاء والعلاج والخدمات الأساسيّة، ويعطونهم الأمل بحياة أفضل. وهذا هو “سرّ قوّة السيسي والمؤسسة العسكرية”.

دعوني أقولها بصراحة: لم يخرج الجيش المصري من ثكناته في مصر من أجل أن يبقى خارجها إلى الأبد.

خرج الجيش ليقود الإصلاح الشامل لأنّه كان المؤسسة الوحيدة الأكثر كفاءة وتأهيلاً وانضباطاً وقدرةً على إنقاذ البلاد والعباد من الانهيار.

من هنا يمكن أن نفهم أنّ قرار إلغاء حالة الطوارىء في مصر، الذي أصبح سمة للحكم منذ عام 1958، هو بدء حياة سياسية عصرية أكثر انفتاحاً سوف تتصاعد خطواتها على نحو تدريجيّ محسوب بهدف اكتمال مشروع بناء الدولة الوطنية المدنية التي نصّ عليها دستور البلاد.

وإذا كان إنقاذ البلاد أمنيّاً واقتصادياً قد تمّ برعاية مؤسسة الجيش، فإنّ تجربة مصر الفريدة تحت حكم السيسي سوف تثبت أنّ من الممكن بقاء مؤسسات سياسية ومدنية وعسكرية برعاية مؤسسة عسكرية.

أنصار الرئيس، وأشدّ خصومه في الداخل والخارج، يستحيل عليهم أن ينفوا عنه أنّه رجل الإنجاز المتابع الناجح المنضبط

هذه هي تجربة مصر الفريدة، وهذا هو نموذج السيسي الفريد.

ولكن ما الذي جعل المؤسسة العسكرية المصرية نموذجاً فريداً مختلفاً عن غيره من النماذج في دول العالم الثالث، من حيث “الأفكار والسلوكيّات والمبادىء”؟

يروق للمثقّفين والليبراليّين و المعممين الدينيين صبغ المؤسسات العسكرية “بالعسكر”، وتجريم “فكر الجنرالات العسكري” القائم، من وجهة نظرهم، على الرغبة في الحكم تحت جنازير الدبّابات.

يصدق البعض في هذه الرؤية، لكنّها لا تصدق على حالة المؤسسة العسكرية المصرية منذ كانون الثاني 2011 حتى يومنا هذا.

كيف؟ ما هو الدليل على ذلك؟

في كانون الثاني 1977، نزل الجيش كعنصر حاسم لوقف التظاهرات الشعبية العنيفة التي عُرِفت بتظاهرات الخبز في معظم المدن المصرية الكبرى احتجاجاً على رفع الأسعار.

كان الجيش وقتها في أعلى درجات شعبيّته بعد انتصاره الكبير في حرب أكتوبر (تشرين الأوّل) 1973، ومع ذلك سيطر الجيش على الموقف، وأعاد الاستقرار، ثمّ عاد إلى ثكناته.

عندما سافر الرئيس أنور السادات إلى القدس في تشرين الثاني 1977، أيّد الجيش رحلة الرئيس، وعاد الرجل إلى القاهرة بسلامة، ولم نجد الجيش يُصدر بياناً يعلن فيه عزله.

في الثمانينيّات قام جنود الأمن المركزي بحركة احتجاج مسلّحة ضدّ قياداتهم، ولم يُسيطَر عليها إلا بعد تدخّل الجيش الذي كان ممسكاً عسكرياً بكلّ مفاصل الدولة. وعقب ثورة حزيران 2013، سُلِّمت السلطة إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا إلى حين سنّ دستور جديد وانتخاب رئيس.

في هذا السياق، لو أراد المشير أبوغزالة الانقلاب في الثمانينيّات لكان قادراً على ذلك.

وبعد كانون الثاني 2011، سلّم المشير طنطاوي السلطة إلى الرئيس المنتخب شعبيّاً الدكتور محمد مرسي.

إقرأ أيضاً: نموذج السيسي: كيف فعلها الرجل؟ (1/2)

ذلك كلّه يوضح حقيقة أنّ الجيش ليس طالباً للسلطة، لكنّه عند الضرورة يتدخّل أو لا يتدخّل، يخرج من الثكنات أو يبقى بداخلها، وقد يتدخّل في الحياة المدنية للبناء والإعمار وتوفير الغذاء.

يتدخّل الجيش حينما يصبح ذلك واجباً، وطبعاً للإنقاذ، ويعود إلى دوره الأساسي والأول، وهو تأمين البلاد والعباد، حينما يطمئنّ على شعبه.

هذا هو جيش الشعب المصري.

إقرأ أيضاً

ثلاث حقائق على محمد طقّوش إدراكها

على الأمين العام للجماعة الإسلامية الشيخ محمد طقوش أن يدرك ثلاث حقائق: الأولى: إنّه حتماً ليس الشيخ فيصل المولوي الأمين العالم الطرابلسي وخطيب الجمعة في…

 8 سنوات على رؤية محمّد بن سلمان: الأماني ممكنة

قبل ثماني سنوات، نشرت السعودية وثيقة من ثمانين صفحة وضعت فيها أهدافاً استراتيجية و243 مؤشّراً تفصيلياً لقياس الأداء، تبدأ بحجم اقتصاد البلاد ومساهمة القطاعات غير النفطية فيه،…

حراك الجامعات: المنظومة الأميركية مهدّدة..

الحراكات الطالبية في الجامعات الأميركية وامتدادها في مثيلاتها الغربية، يقظة متأخّرة نسبياً من سبات عميق يغطّ فيه ما يسمّى العالم الحرّ الذي يعمل جاهداً على…

ما الذي يجمع بين أيمن نور المصري ووّهاب اللبناني؟

أيمن نور ووئام وهاب يقودان المعارضة السعودية الجديدة. في مشهد سوريالي يبين كيف أنّ هذه المنطقة العربية معقدة المصالح وأنها على بعد سنوات ضوئية في…