قضية عدنان الزراعي: الدراما السورية في ملفّ “قيصر”

2021-01-26

قضية عدنان الزراعي: الدراما السورية في ملفّ “قيصر”

مدة القراءة 3 د.

في شباط 2012 اعتقل نظام الأسد كاتبَ السيناريو السوري عدنان الزراعي. وفي حزيران 2020 ظهرت صورةٌ، من بين آلاف الصور التي سرَّبها المصوّر المنشقّ “قيصر” لمعتقلين قضوا تحت التعذيب، قال العديد من أصدقاء الزراعي إنّها تعود له، بينما نفى آخرون ذلك.

وسواء كانت تلك الصورة للزراعي فعلاً، أم لم تكن له، فإنَّ ذلك لا يُغيّر شيئاً من حقيقة أنّه ثمَّة في سوريا كاتب سيناريو يغيب في أفظع المعتقلات البشرية، لأكثر من ثماني سنوات، بسبب تعبيره عن رأيه السياسي.

والحقّ أنَّ قضية الزراعي، التي يجب علينا كزملاء له التذكير بها دائماً، تصلح لأن تكون نقطةَ تقاطع تلتقي عندها العديد من القضايا السورية الشائكة، وعلى رأس تلك القضايا موقف “الفنانين” السوريين الذين مثَّلوا المسلسلات التلفزيونية التي ألَّفها لهم هذا الكاتب.

فباستثناء ما قاله بعض الفنَّانين المعارضين من إدانةٍ لجريمة التغييب القسري، لم يصدر أيّ تعليق من بقيَّة “الفنَّانين” الذين مثَّلوا مسلسلات الزراعي وعملوا معه وعرفوه عن قربٍ أكثر من سواهم!

الحقّ أنَّ قضية الزراعي، التي يجب علينا كزملاء له التذكير بها دائماً، تصلح لأن تكون نقطةَ تقاطع تلتقي عندها العديد من القضايا السورية الشائكة، وعلى رأس تلك القضايا موقف “الفنانين” السوريين الذين مثَّلوا المسلسلات التلفزيونية التي ألَّفها لهم هذا الكاتب

وحتّى باعتبارهم مؤيّدين لنظام الأسد، لا يمكنهم الادّعاء بأنَّ صمتهم التامّ عن جريمة تغييب زميلهم، ينمُّ عن “موقف سياسي”، بقدر ما يعبّر عن انحطاط إنساني وأخلاقي يَجري مجرىً مشابهاً لذاك الذي سَلَكَه جلَّادو الزراعي ومعذّبوه.

بعض هؤلاء “الفنَّانين” لم يكتفِ بالصمت والتواطؤ، بل إنّه شارك في صنع اسكتشات تلفزيونية تسخر من ضحايا القصف والتعذيب والاعتقال!

الممثّلة الشهيرة أمل عرفة، والتي سبق لها أن مثَّلتْ بعضاً مما كتبه عدنان الزراعي، لعبتْ دور البطولة في اسكتش تلفزيوني مبتذل، عُرِضَ سنة 2019، يسخر من ضحايا مجزرة الكيمياوي معتبراً المجزرة مجرَّد تمثيلية! (مسلسل “كونتاك” على قناة “لنا”).

وغيرُها فعل مثلها، وشارك في أعمال أُخرى استعملتْ صور “قيصر” في سياق معاكس للحقيقة، مثلما فعل مسلسل “مقابلة مع السيّد آدم” الذي تعمَّد استخدام صورة الشهيدة تحت التعذيب رحاب علَّاوي على أنّها صورة لشابَّة مصرية قُتِلتْ في سوريا بهدف سرقة أعضائها!

بعض هؤلاء “الفنَّانين” لم يكتفِ بالصمت والتواطؤ، بل إنّه شارك في صنع اسكتشات تلفزيونية تسخر من ضحايا القصف والتعذيب والاعتقال!

إنَّ الدراما السورية التي انفضحت ماهيَّتها كأداة دعائية في يد النظام، واكبت الجرائم الأمنية بجرائم فنّية جعلت الكاميرا لا تختلف، لجهة استعمالها، عن الكرباج والدولاب وكرسي التعذيب.

لا نعرف إذا ما حصلتْ معجزةٌ سمحت لعدنان الزراعي بمتابعة موقف زملائه وهو في سجنه. بل إنّنا لا نعرف أصلاً إذا ما كان عدنان الزراعي ما يزال على قيد الحياة لنتمنَّى له السلامة والحرّية، أو أنّه قد قضى فعلاً لنتمنَّى له السلام في قبره.

إقرأ أيضاً: معتقلات الخبز

الحياة التي عاشها الزراعي قبل اعتقاله ربما شابهت، في قِصَرِها، اسكتشاته اللاذعة والقصيرة. اشتُهر للزراعي اسكتش في مسلسل “بقعة ضوء” حمل عنوان “الرجل البخَّاخ”. استلهم فكرته، بعد اندلاع الثورة، بعضُ الشباب في سوريا، فراحوا يتلثَّمون ويبخُّون الجدران بالشعارات تماماً كما كان يفعل “الرجل البخَّاخ” في المسلسل.

أمَّا افتضاح موقف زملاء عدنان الزراعي تجاه قضيته، فيمكن اعتباره الاسكتش الأخير الذي اختتمَ به رحلة الكتابة.

 

إقرأ أيضاً

العلم الفلسطيني: سرقته إيران.. أم ألقته “الدولة الوطنية” (2/2)

ولادة “الدولة” في المنطقة العربية مرّ بـ”قطوع” التفتيت والتقسيم وفق خريطة “سايكس – بيكو” التي قسمت بلادنا دولاً بين الانتدابين، فرنسا وبريطانيا. لكنّها وُلِدَت بلا…

نهائيّ البطولة بين الحزب ودمشق

لم يُخفِ آموس هوكستين نبرته المتهكّمة وهو يتبادل أطراف الحديث مع أحد الذين التقوه قبل فترة. فالرجل بات يعرف لبنان بخرائطه وأرضه أكثر منّا. والأهمّ…

الورقة الفرنسيّة لرفع العتب.. والحزب ينتظر جثّتين

“هي الفرصة الأخيرة بالشكل، لكن في المضمون يدرك الفرنسيون أنّها لن تنجح، لكنّهم يرفعون العتب عنهم، على قاعدة “اللهمّ قد بلغت”. بهذه الكلمات تصف شخصية…

غزّة والأرمن: المعتدون من قبيلة واحدة.. كذلك الضحايا

“رسالة عاجلة من أرض قمعستان: قمعستان… تلك التي تمتدّ من شواطىء القهر إلى شواطىء القتل إلى شواطىء السحل إلى شواطىء الأحزان ملوكها يقرفصون فوق رقبة…