كورونا: ما زلنا في الموجة الأولى

2020-06-06

كورونا: ما زلنا في الموجة الأولى

مدة القراءة 5 د.


كيف نواجه الموجة الثانية من الوباء؟ وهل يؤدي التخفيف من الإجراءات إلى ارتفاع نسبة العدوى في المجتمع؟

وفي المقابل، هل ثمة مبالغة في تقدير خطورة الوباء؟ ولماذا تنخفض الوفيات في بلد وترتفع في آخر؟ وهل هناك شعوب مكتسبة للمناعة أكثر من شعوب أخرى؟

أكّد بحث جديد نُشر في المجلة البريطانية الطبية “ذي لانست – The Lancet”، أنّ عدم الالتزام بالاحترازات والقيود خلال مرحلة رفع القيود على التنقّل والتجمّع، سيؤدّي إلى مضاعفة نسبة العدوى بين الأفراد. واعتمد البحث المذكور، على قراءة منهجية لدراسات مقارنة يبلغ عددها 172 دراسة صادرة في 16 بلداً في القارات الستة، بلغات مختلفة، وإلى تاريخ 3 أيار الماضي.

يأتي هذا التحذير مع فتح المطاعم واكتظاظ الحدائق بالروّاد، واستئناف الأعمال، في أجزاء من أوروبا وآسيا ومعظم الشرق الأوسط، استفادةً من تسطيح منحنيات الإصابة بفيروس كورونا المستجدّ. إلا أن أجزاء من الولايات المتحدة والهند وأميركا اللاتينية ما زالت تسجّل آلاف الإصابات الجديدة كلّ يوم.

إقرأ أيضاً: السويد تتراجع: أخطأنا في عدم الإقفال.. وكبار السنّ دفعوا الثمن

الموجة الأولى لم تنقضِ بعد. وسيرسم السلوك البشري معالم الموجة الثانية من حيث الشدّة أو الضعف، أي مدى التزام التباعد الاجتماعي، والفحص، والطرائق التقليدية الأخرى للتحكّم بالوباء. ومن العوامل الأساسية تحديد طبيعة الفيروس نفسه.

ثمة احتمالات عدة، منها أن يتعرّض منحنى الإصابات لطلعات ونزلات، إلى أن يتلّقح عدد كافٍ من السكّان، أو أن تتشكّل مناعة ذاتية. فقد أثبتت فحوص المناعة في فرنسا وإسبانيا والسويد أن أقلّ من 10% من الأفراد أفرزت أجسامهم مضادات للفيروس، ما يدلّ أن نسبة قليلة من السكان فقط التقطت الفيروس واكتسبت المناعة نظرياً لمدة زمنية قصيرة. وبناء على هذه المعطيات، فإن انفتحت المجتمعات قبل كبح الفيروس على نحوٍ كافٍ، فمعنى ذلك أن الموجة الأولى لم تنقضِ بعد. ولا يمكن تغيير المسار إلا بارتداء الكمامات، واستخدام وسائل النقل العام بالاحترازات المطلوبة، وتجنّب الاحتشادات الاجتماعية.

تاريخياً، معظم أوبئة الأنفلونزا كانت تشهد موجتين، يفرق بينهما زمنياً ستة أشهر. لكن لا تأكيدات بأن ذلك سيتكرّر مع فيروس كورونا. وثمة عوامل أخرى تتحكّم بالموجة الثانية، تقع خارج سيطرة الإنسان. فإذا اكتسبنا المناعة: كم ستدوم؟

هناك قلة من علماء الأوبئة الذين يرون مبالغة في تقدير مآل الفيروس. وإحدى أشهر هؤلاء، سونيترا غوبتا (Sunetra Gupta)، وهي أستاذة في نظريات علم الأوبئة في جامعة أوكسفورد، وتقول إنّ الفيروس قد يكون في طريقه إلى الاندثار

تدوم المناعة أحياناً عشرات السنين. لكن المناعة ضد الفيروسات التاجية المكتشفة سابقاً كانت تختفي خلال عام كما هو الاعتقاد. فإن كانت المناعة غير دائمة من هذا الفيروس الجديد، كما يقول بحث صادر عن جامعة “هارفارد”، فمن المتوقّع إذاً أن يدخل الفيروس في مسار اعتيادي، يظهر سنوياً أو كموجتين في السنة، أو كموجات متفرّقة، مع ملاحظة أثر المناخ، أي البرد والدفء والرطوبة والجفاف. ولم يتأكّد بعد إن كان كورونا المستجدّ يتصرّف كالأنفلونزا، أي يظهر في الشتاء. لكن بما أن معظم الناس حالياً لم يكتسبوا المناعة بعد، فلن يكون للمناخ أيّ أثر واضح في تراجع الوباء صيفاً.

ويعتقد العلماء أنّ بعض البلدان قد تكون نجحت في القضاء فعلاً على الفيروس بحيث لا يكون متوقّعاً تعرّضها لموجة ثانية ذات أثر، وهي البلدان التي طبّقت إجراءات فعّالة جداً، مثل نيوزيلندا من خلال اعتمادها نظام الفحص والتعقّب للمخالطين. أما الذين أصيبوا بالوباء في الموجة الأولى، فقد تكون هذه هي تجربتهم الأخيرة معه. وحتى لو فشلت الرقابة الحدودية في منع تسرّب الفيروس إلى الداخل، إلا أنّ نظام التعقّب فعّال إلى درجة كافية للتحكّم بأيّ وباء موسمي إلى حين ظهور اللقاح، بحسب ما رأى نيك ويلسون (Nick Wilson) أستاذ الصحة العامة في جامعة “أوتاغو”. وفي الإجمال، فإنّ البلدان الصغيرة كنيوزيلندا، أو المعزولة جغرافياً كأستراليا، قد تكون قادرة على مواجهة أيّ موجة ثانية. وبالمثل، فإن كوريا الجنوبية مؤهلة كذلك، بفضل نظام تعقّب الإصابات وكبح الانتشار. لكن سيكون صعباً جداً على معظم البلدان الأخرى، كبح موجة ثانية من الوباء، لا سيما البلدان الكبيرة وذات الحدود غير المقفلة تماماً.

على صعيد آخر، هناك قلة من علماء الأوبئة الذين يرون مبالغة في تقدير مآل الفيروس. وإحدى أشهر هؤلاء، سونيترا غوبتا (Sunetra Gupta)، وهي أستاذة في نظريات علم الأوبئة في جامعة أوكسفورد، وتقول إنّ الفيروس قد يكون في طريقه إلى الاندثار. وترى غوبتا أن الدراسات المتعلّقة بالأجسام المضادة أي المناعة، لا تأخذ بعين الاعتبار احتمال أن يكون كثير من الناس قد اكتسبوا المناعة فعلاً من كوفيد-19، بسبب تعرّضهم إلى فيروسات “حميدة”، أي لا تؤدّي إلى عوارض مَرَضية واضحة. وفي الاتجاه نفسه، يقول عالم الأعصاب كارل فريستون (Karl Friston): إن بعض الشعوب اكتسبت نوعاً من المناعة ما جعل نسبة الوفيات فيها متدنّية مثل ألمانيا، بالمقارنة مع إسبانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة. لكن معظم الحكومات تبني خططها على السيناريو الأسوأ، وهو أنّ ملايين الأفراد معرّضون للعدوى.

للدكتورة غوبتا رأي وجيه في هذه المسألة، فقد لاحظت أنّ نسبة العدوى ترتفع ثم تنخفض في كلّ الأماكن، على الرغم من الاختلاف في صرامة الإغلاقات بين بلد وآخر. أي إنّ الأمر سواء، حتى في البلدان التي لم تفرض أيّ إغلاق من أيّ نوع. هو مجرّد اكتساب المناعة.

إقرأ أيضاً

أيّها اللبنانيّون.. إلى الكمّامة  دُرْ

أعلن وزير الصحة فراس أبيض ارتفاع النسبة الموجبة لفحوص كورونا إلى 2 .14% بعدما كانت تراوح في بداية شهر كانون الأول الفائت بين 5.5% و6%….

كورونا يعود بقوّة: زيادة الوفيات 78% في الشرق الأوسط

قالت منظمة الصحة العالمية أمس الأول (الثلاثاء) إنّ حالات الإصابة بفيروس كورونا تضاعفت ثلاث مرّات في جميع أنحاء أوروبا خلال الأسابيع الستة الماضية، وهو ما…

الكورونا مجدّداً في لبنان: هل “ينفجر” في تموز؟

كورونا.. جدري القردة.. التهاب الكبد الوبائيّ. يبدو أنّ البيئة المجتمعية والصحيّة في لبنان تساعد على تكاثر الفيروسات. دخل “جدري القردة” لبنان عبر حالة وافدة من…

“أنت البطل في معركة الوباء”.. كواليس كورونا الصينية

“أنت البطل في معركة الوباء” (To fight against covid-19, you are the hero) هو عنوان كتاب يعود بنا إلى بداية أحداث انتشار وباء فيروس كورونا في…