وضع أكثر من طبيعي في لبنان

2020-04-01

وضع أكثر من طبيعي في لبنان

مدة القراءة 4 د.


ما يمرّ فيه لبنان حاليا وما يعيش في ظلّه، يعتبر وضعا اكثر من طبيعي. انّه نتيجة منطقية للتسوية الرئاسية التي أوصلت مرشّح “حزب الله” الى قصر بعيدا في أواخر تشرين الاوّل – أكتوبر 2016 وانتخابات السادس من ايّار – مايو 2018، استنادا الى قانون عجيب غريب وضعه “حزب الله”. امّن هذا القانون قيام مجلس للنوّاب فيه أكثرية مؤيدة لإيران، على حد تعبير قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الايراني الذي يتبيّن كلّ يوم انّه كان مسؤولا مباشرا عن كلّ الملفات التي تهمّ ايران في المنطقة، بما في ذلك ملفّ لبنان.
أقدمت الإدارة الاميركية على تصفية سليماني مطلع هذه السنة بعد مغادرته بيروت الى دمشق ومنها الى بغداد. هذا لم يمنع ايران من الإصرار على انّ شيئا لم يتغيّر وان لبنان ما زال تحت سيطرتها. ما يدلّ على ذلك الخطاب الأخير لحسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” الذي يبدو واضحا انّه يريد القضاء على المصارف اللبنانية من دون اخذ في الاعتبار لواقع يتمثّل في انّ انهيار النظم المصرفي اللبناني يعني انهيار الاقتصاد اللبناني كلّيا.

إقرأ أيضاً: لبنان الذي نعرفه ينتهي

يثبت حسن نصرالله مرّة أخرى انّ لبنان لا يهمّه وان كلّ المطلوب ان يكون البلد ورقة إيرانية. لو لم يكن الامر كذلك، لما تجاهل انّ لا مجال لإنقاذ ما يمكن إنقاذه تفاديا لكارثة من دون التحلّى بالواقعية. الواقعية تعني قبل كلّ شيء معرفة كيف يعمل العالم من جهة وان لا يوجد أي امل للبنان واقتصاده من دون الاستعانة بصندوق النقد الدولي والعرب القادرين من جهة اخرى.
يعيش حسن نصرالله في عالم لا علاقة له بالعالم، خصوصا عندما يتحدّث عن وباء كورونا. كشف ذلك خطابه الأخير، خصوصا كلامه عن اليمن الذي تلاه مباشرة اطلاق الحوثيين ثلاثة صواريخ باليستية في اتجاه الرياض وجازان.
ما يثير القلق الشديد لدى أي لبناني ليس كلام نصرالله الذي يتحدث بصفة كونه “المرشد” فقط. ما يثير القلق انّ ليس هناك من يستطيع الاعتراض على كلامه في وقت ليس معروفا مدى انتشار وباء كورونا في لبنان بسبب التساهل، أصلا، في موضوع الطائرات الايرانية التي حطت في مطار رفيق الحريري آتية من طهران. ليس سرّا ان وباء كورونا انتشر في ايران وأصاب، بين من أصاب طلابا لبنانيين كانوا في مدينة قمّ الايرانية. ليس سرّا أيضا ان انتشار كورونا في ايران كان من قمّ التي كان فيها طلّاب صينيون ينتمون الى الأقلية المسلمة في الصين…
ليس المشهد اللبناني الحالي سوى تتويج لعملية صعود لـ”حزب الله” وصولا الى انتخابات 2018 التي ولد من رحمها مجلس النوّاب الحالي وبالتالي الطاقم السياسي الذي ليست حكومة حسّان دياب سوى جزء لا يتجزّأ منه.

كلّ ما في الامر انّ لا وجود حاليا لايّ توازن سياسي من ايّ نوع في البلد في ظلّ حكومة يتأكّد كلّ يوم اكثر انّها “حكومة حزب الله” وانّ مهمتها التلهي بالصغائر

مثلما انّ حسن نصرالله يعيش في عالم لا علاقة له بالعالم، خصوصا عندما يتحدّث عن تأثير كورونا على مستقبل الولايات المتحدة او أوروبا، فان الطاقم السياسي الحالي يعيش في عزلة عمّا يدور على الأرض ان في لبنان او في المنطقة. هذا الطاقم السياسي لا يستطيع ان يكون في مستوى الحدث الداخلي او الإقليمي او على بينة بما يدور في العالم. هذا الطاقم اسير شهوات آنية من نوع المحاصصة في ما يخص نواب حاكم مصرف لبنان او أعضاء لجنة الرقابة على المصارف وتعيينات اخرى. هذا الطاقم عاجز عن مواجهة الحقيقة المتمثلة في الاعتراف بانّ لبنان يدفع يوميا ثمن تحوّله الى مجرّد “ساحة” في خدمة السياسة الايرانية. لا وجود لاي وعي لخطورة العجز عن استيعاب انّ لا مستقبل من ايّ نوع للبنان عندما تكون كلمة السرّ، بما في ذلك كلمة السرّ في مواجهة كورونا او الازمة المالية عند “حزب الله”. بكلام أوضح، ان بقاء كلمة السرّ في حوزة الحزب يعني، بين ما يعنيه، انّ لبنان مستعمرة إيرانية من جهة وان من راهن، ولو عن حسن نيّة، على ان ميشال عون سيلعب دور بيضة القبّان في الداخل بعد انتخابه رئيسا للجمهورية، كان مخطئا من جهة اخرى.
كلّ ما في الامر انّ لا وجود حاليا لايّ توازن سياسي من ايّ نوع في البلد في ظلّ حكومة يتأكّد كلّ يوم اكثر انّها “حكومة حزب الله” وانّ مهمتها التلهي بالصغائر… فيما القضايا الكبرى من اختصاص “حزب الله” وحسن نصرالله بالذات.
تحقّق انتصار سياسي كبير لـ”حزب الله”. ما يعيشه البلد حاليا هو وضع طبيعي وُلِد نتيجة هذا الانتصار. المؤسف ان لا ترجمة لهذا الانتصار سوى عبر مزيد من الكوارث تحلّ بالبلد في وقت لا يزال شخص مثل جبران باسيل يؤمن بان الحزب الذي أوصل ميشال عون الى رئاسة الجمهورية سيوصله اليها أيضا. لم يطرح جبران على نفسه سؤالا في غاية البساطة: هل ستبقى جمهورية بعد نهاية ميشال عون كي يوجد من يصل الى قصر بعبدا؟

 

إقرأ أيضاً

التصعيد ضدّ أذرع إيران… تقابله مرونة لإنقاذ رفح؟

تسابق الضغوط من أجل إحياء مفاوضات الهدنة في غزة قرار الحكومة الإسرائيلية اقتحام رفح. يترافق ذلك مع رصد جدّية الليونة التي أبدتها قيادة “حماس” الداخل…

تفشّي وباء الصراعات.. هل يشعل حرباً عالميّة؟

العالم ليس بخير. مشهد العلاقات الدولية في ظلّ الحروب الصغيرة المتنقّلة هنا وهناك والصراع على النفوذ والتناحرات الإقليمية أشدّ تعقيداً ممّا كانت عليه الصورة عشيّة…

قادة غزّة: أزمة مكان أم خيارات؟

كثر الحديث “غير الموثّق بأدلّة رسمية” عن أنّ قطر بصدد الاعتذار عن عدم مواصلة استضافة قيادة حماس، حيث كانت ولا تزال حتى الآن المكان الأكثر…

العلم الفلسطيني: سرقته إيران.. أم ألقته “الدولة الوطنية” (2/2)

ولادة “الدولة” في المنطقة العربية مرّ بـ”قطوع” التفتيت والتقسيم وفق خريطة “سايكس – بيكو” التي قسمت بلادنا دولاً بين الانتدابين، فرنسا وبريطانيا. لكنّها وُلِدَت بلا…