عادت النبرة العالية في خطاب السيّد وعاد الأمين العامّ إلى اللعب على وتر الألفاظ وعبارات التحدّي واللامبالاة، حيال الحرب في وقت تتهيّب فيه قلوب اللبنانيين وأهل الجنوب على وجه الخصوص من حرب إسرائيلية مقبلة. حاول السيّد تهدئة بيئته الحاضنة وتقوية عزيمتها بالقول: “إذا أرادوا الحرب يا هلا ويا مرحبا.. والعدوّ يعرف ما الذي تعنيه الحرب مع لبنان”.
لم يكن بمقدور السيّد نصر الله أن يقدّم خطاباً أخفّ حدّة ممّا قدّمه، خاصة أنّ حديثه يأتي في أعقاب العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق وسقوط “قادة كبار لهم قيمة تاريخية في مسيرتنا”، متعاطياً مع الاغتيال كمحطّة مفصلية “لها ما قبلها وما بعدها”، متوعّداً بأنّ “الردّ محسوم”، ومنبّهاً إلى أنّ “الكلّ يجب أن يحضّر نفسه وأن يرتّب أموره وأن يحتاط كيف يمكن أن تذهب الأمور وأن نكون جاهزين لكلّ احتمال”. على أنّ الأهمّ هو حديثه عن “الردّ على الردّ ثمّ الردّ وربّما حرب واسعة”، وهو ما يفسَّر بأنّه تهديد مباشر لإسرائيل بأنّ إيران ستردّ على العدوان، فإن تغاضت إسرائيل عن الردّ على الردّ مرّ قطوع الحرب، وإلّا فالمنطقة ستكون على شفير حرب واسعة وسيتمّ الردّ على ردّها من خلال وحدة ساحات وبضربات موجعة من عدّة مصادر في آن معاً. ووضع توقيت الردّ المحتوم في عهدة الإيراني، وهو “سيكون جزءاً من الحرب”.
تشير التوقّعات لمطّلعين على موقف إيران إلى أنّ هذا الردّ لن يتأخّر وسيكون في غضون الأيام القليلة المقبلة بعدما كان أُرجئ إلى ما بعد احتفال القدس. وسيكون الردّ من إيران حتماً، وفي حال حصول ردّ على الردّ فإنّ ذلك سيحرّك المحور مجتمعاً.
عادت النبرة العالية في خطاب السيّد وعاد الأمين العامّ إلى اللعب على وتر الألفاظ وعبارات التحدّي واللامبالاة، حيال الحرب
الحرس الثوري بالأحمر
لم يكد الأمين العامّ ينهي خطابه حتى سارع الموقع الرسمي للحرس الثوري الإيراني إلى وضع إشارة حمراء على منصّة إكس الخاصة به وأرفقها بآية من القرآن الكريم: “لا يجدون وليّاً ولا نصيراً”. سبقت ذلك تغريدة باللغة العبرية نشرها المرشد الأعلى علي خامنئي على حسابه في منصة إكس يتوعّد فيها إسرائيل: “ستندم بإذن الله على جريمة اعتدائها على القنصلية الإيرانية في دمشق”. إنّها حرب معنوية تقودها إيران مستبقة ردّها العسكري.
عن جبهة الجنوب
على مستوى ساحة الجنوب ولبنان عموماً، رفع السيّد مستوى الجهوزية المعنوية ومستوى الخطاب في ما يتعلّق بالمواجهة ليؤكّد عدم خشيته من الحرب. يمكن اعتبار خطابه بمنزلة خطاب تثبيت جهوزية الساحة اللبنانية للحرب، وهذا ما يرفع مخاطر المواجهة. يشير خطابه إلى أن لا لبنان ولا المنطقة مقبلان على هدوء أو خفض لمستوى التوتّر، وأنّ الهدنة أو وقف النار لم يعودا موضع بحث. الردّ لا محالة آتٍ بالاستناد إلى كلام السيد خامنئي عن أنّ إسرائيل ستتلقّى صفعة وستندم.
أعاد التأكيد أنّ المقاومة في لبنان على أتمّ الجهوزية لأيّ حرب. وأنّ الحزب لم يستخدم السلاح الأساسي بعد، وأنّ المقاومين “على الحدود والجبهة الأمامية جاهزون لأيّ ردّ فعل، ونحن نحتاج فقط إلى اتّصال عند أيّ ردّ فعل”. وأضاف “إذا اتُّخذ القرار بإطلاق 100 صاروخ على الجولان، بدقائق معدودة ينفّذ الشباب العمليّة”.
هناك معلومات تقول إنّ أميركا أبدت انزعاجاً من ضربة إسرائيل لقنصلية إيران في سوريا. خاصة أنّ الهدف منها جرّها إلى حرب ضدّ إيران ترفضها
اعتبر نصر الله أنّ “التهديد بالحرب الشاملة على لبنان لم يؤدِّ إلى وقف الجبهة، والضغوطات كلّها لم تغيّر من موقفنا. فالجبهة في لبنان مستمرّة ومرتبطة بغزّة”. مشيراً إلى أنّ “كلّ التهويل الأميركي والبريطاني والمجتمع الدولي لم يتمكّن من توقيف هذه الجبهة وكلّ الجبهات الأخرى”.
أعطى إشارة مهمّة عن كاريش والنفط وكيف أنّ المقاومة تحفظ للبنان ثروته وتحميها لما تشكّله من قوّة رادعة. محذّراً إسرائيل من أيّ حماقة قد ترتكبها. معيداً التأكيد أن لا فصل لجبهة الجنوب عن غزة، وأنّ الحزب مستمرّ في جبهة إسناده، وهذا موقف أخلاقي.
ذكّر أنّها “المرّة الأولى منذ عام 1948 التي يشعر فيها الإسرائيلي بخسارته للوضع الدولي. كما أنّ العجز عن إغلاق الجبهات الأخرى، ومنها لبنان واليمن والعراق، هو إنجاز محقّق”، مؤكّداً أنّ “الاحتلال لديه مشاكل في الشمال والاقتصاد وفي إيلات، وعندما تقف الحرب ستكون المحاسبة”. ولم تفُته المفاخرة بالعلاقة مع إيران ونفى المتداول عن اتفاقات أميركية إيرانية، وأنّ المفاوضات بينهما لا تزال غير مباشرة.
قد يكون خطاب السيّد تمهيداً لحرب لم يعد الحزب يستبعدها ويعدّ العدّة لمواجهتها. هي حرب ستكون لأيّام معدودات وستسعى إسرائيل خلالها إلى تدمير مناطق واسعة في الجنوب والضاحية. ولذا كان كلامه تحذيرياً. فإمّا الحرب أو الانفراج الذي وعد به ضمناً. استفاد نصر الله من التباين الأميركي الإسرائيلي.
إقرأ أيضاً: “محمد رضا زاهدي”.. الإيراني الوحيد في شورى الحزب
وهناك معلومات تقول إنّ أميركا أبدت انزعاجاً من ضربة إسرائيل لقنصلية إيران في سوريا. خاصة أنّ الهدف منها جرّها إلى حرب ضدّ إيران ترفضها. وفي المعلومات أيضاً أنّ أميركا تحاول تلافي ردّ إيران كي لا تندلع حرب في المنطقة لا تريدها. وفي لبنان يدرك الحزب مستوى الضغط الأميركي على إسرائيل للجمها. خاصة أنّ إسرائيل تسعى إلى جرّ الحزب إلى الحرب من خلال اعتداءاتها المتكرّرة والواسعة النطاق في وقت بات فيه الحزب يدوزن ضرباته وكأنّه في عملية تراجع أو حرص على تقليص المساندة .