لا داعي للمفاصلة: إما الحياد أو الانفصال؟

2020-10-29

لا داعي للمفاصلة: إما الحياد أو الانفصال؟

مدة القراءة 4 د.


الورقة التي جرت تسميتُها بـ”البرنامج المرحلي للمبادرة الوطنية” هي خطوة مهمة وضرورية، لأنّها بمثابة المنهج للعمل الوطني الحاضر والمستقبلي. ومع أنها تأخرت كثيراً فلا ينبغي التقليل من أهميتها. لكنّني أريد أن أقول شيئاً في الأولويات، وفي الترابط والاتّساق. 

إقرأ أيضاً: أحمد فتفت: الخوف يقتل الجبناء قبل العاصفة

الأمر الأول الذي أريد قوله يتعلّق بوثيقة الوفاق الوطني والدستور. وثيقة الوفاق الوطني هي الفذلكة أو الفلسفة للدستور، وهي بالنسبة لنا نحن اللبنانيين مناط الإجماع الذي لا يجوز التخلّي عنه أو عن بعض بنوده كما بدت موجزةً في مقدّمة الدستور. الوثيقة تقول إنّها مقتضى العيش المشترك. ولذلك، ونحن نقول إنّ الحديث عن تعديل الدستور لا تتوافر ظروفه ولا شروطه  وبخاصةٍ أنّ النظام اللبناني لم يخضْ بعد تجربة تطبيقه، أرى أنه وإن توافرت الظروف والشروط بالنسبة للنظر في الدستور نَظَرَ مراجعة؛ فإنّ الوثيقة، ولأنها تتعلّق بالوجود الوطني اللبناني ذاته، لا يصحّ أن تتعرّض لإعادة النظر بأيّ شكل، لأنها تقرّر الهوية الوطنية ومقتضياتها. 

وثيقة الوفاق الوطني هي الفذلكة أو الفلسفة للدستور، وهي بالنسبة لنا نحن اللبنانيين مناط الإجماع الذي لا يجوز التخلّي عنه أو عن بعض بنوده كما بدت موجزةً في مقدّمة الدستور

أما الأمر الثاني فيتعلّق بالشرعيات: الشرعية الدستورية، والشرعية العربية، والشرعية الدولية.  كلّ هذه الشرعيات تقرّر معنى الدولة الوطنية اللنبانية. فلا دولة بلا دستور، ولا دولة بلا هوية، ولا دولة بدون اعترافٍ من المجتمع الدولي. الشرعية الدستورية تقرّر مبادئ الشراكة. والشرعية العربية تقرّر مسألة الهوية والانتماء ونظام المصالح. والشرعية الدولية تقرّر مبادئ وترتيبات وضمانات الانتماء لميثاق الأمم المتحدة وقرارات المجتمع الدولي. وهذه الشرعيات جميعاً تقتضي أن لا يكون هناك سلاحٌ غير سلاح الدولة، أو لا تكون هناك شراكة، بل ولا تكون هناك سلطة واحدة، كما يكون هناك خروجٌ على القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية. إنّ تأجيل بحث مسألة السلاح بحجّة أنه إقليمي، هو أمرٌ لا معنى له إلاّ العجز السياسي، والتخلّي عن الدولة الوطنية وشرعياتها. فلا معنى للتأجيل ولو تكتيكاً، بل لا بدّ من الاستمرار في إدانة السلاح غير الشرعي ورفضه، لكي تبقى الدولة والنظام.

الفيدرالية لا تحمي، بل هي هي نفسها التي يطالب بها الحزب باسم المثالثة. أما الهوية العربية فهي قوةٌ للبنان كلّه وسط متغيّرات الظروف والمحاور

والأمر الثالث مسألة الحياد: التي طرحها البطريرك الراعي. لقد بدأ البعض يقولون إما الحياد وإما الفيدرالية. والحياد هو الذي تقرّره وثيقة الوفاق الوطني، وهو موجودٌ في مقدّمة الدستور. فلا داعي للمفاصلة: إما الحياد وإما الانفصال. ما هو الحياد في التجربة اللبنانية؟ هو منع سيطرة أيّ طرف على الطرف الآخر بالداخل من طريق الاستقواء بالخارج والعمل عنده. ولهذا المعنى يكفي الدستور ومقدّمته، وتكفي القرارات الدولية لتحقيق الحياد. الفيدرالية لا تحمي، بل هي هي نفسها التي يطالب بها الحزب باسم المثالثة. أما الهوية العربية فهي قوةٌ للبنان كلّه وسط متغيّرات الظروف والمحاور.

أما الأمر الرابع والأخير، فيتعلّق بتسمية مجموعة البرنامج المرحلي: هل هي كتلة المبادرة الوطنية، أم الكتلة اللبنانية. والتسميتان جميلتان. وما كنت أحبّ كلمة: الكتلة، بسبب كثرة حديث القوميين العرب عن الكتلة التاريخية. لقد أحببتُها في سياقها الجديد: فلتكن هذه المجموعة الصغيرة هي الكتلة الحرجة أو التاريخية للبنان الحرّ والمستقلّ الذي تخلّص من تحالف الميليشيا مع المافيا.

 

* النص الحرفي للمداخلة التي ألقاها الدكتور رضوان السيد في اللقاء الذي عُقد يوم الثلاثاء بتاريخ 27 تشرين الأول 2020 في نقابة الصحافة بحضور حشد من الأحزاب والتجمعات والشخصيات السياسية والإعلامية والنقابية لإطلاق “برنامج مرحلي مشترك لإنقاذ لبنان”.

 

إقرأ أيضاً

عراضة “الجماعة” في عكّار.. ومرحلة ما بعد حرب غزّة

بعد العراضة المسلّحة لـ”الجماعة الإسلاميّة” في منطقة عكار الشمالية، بدأت تظهر ملامح مرحلة ما بعد حرب غزّة في لبنان. تبدو الحاجة أكثر من أيّ وقت…

لا عزاء للمساكين

“لم أغسل دمي من خبز أعدائي  ولكن كُلّما مرّت خُطَايَ على طريقٍ فرّتِ الطرقُ البعيدةُ والقريبةُ   كلّما آخيت عاصمة رمتني بالحقيبةِ فالتجأتُ إلى رصيف الحلم…

“أخوة يوسف”* أمام معضلة خط الحرير العراقيّ

عاديّ أن يقلق البعض على هامش زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الأخيرة للعراق، أمام مشهد توقيع مذكّرة تفاهم رباعية للتنسيق والتعاون ذات طابع استراتيجي…

الجماعة الإسلامية إلى أين؟

عندما أنشئت الجماعة الإسلامية في ستينات القرن الماضي (وتمّ وقتها الترخيص للحزب الشيوعي وكان وزير الداخلية كمال جنبلاط)، كانت تهدف إلى المحبة والتسامح والعيش المشترك…