العراق يعتمد الأسلوب الإيراني في رواية “التدخّلات الخارجيّة”

2022-12-07

العراق يعتمد الأسلوب الإيراني في رواية “التدخّلات الخارجيّة”

مدة القراءة 6 د.

بدأت القوّات المسلّحة العراقية بالانتشار على طول الحدود البرّية للعراق مع كلّ من إيران وتركيا. وتقع هذه الحدود أو الخطّ البرّي داخل مناطق إقليم كردستان بحكم جغرافيا هذه المنطقة. ويُعدّ هذا الانتشار من المرّات النادرة التي تنتشر فيها قوات تابعة للحكومة الاتحادية في بغداد من دون أيّ إشكاليّات أو صراعات أو معارك سياسية وسيادية مع حكومة الإقليم الكردية، وتكون هي والقوات الكردية من جهاز البشمركة المشاركة في عملية الانتشار خاضعةً مباشرة لأوامر وإشراف القائد العام للقوات المسلّحة العراقية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

طلب خامنئي

جاء هذا الإجراء، الذي قام به رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وعلى الرغم من أنّه مطلب قديم للحكومة الاتحادية العراقية، بعد زيارة السوداني للجمهورية الإيرانية واللقاء الذي عقده مع المرشد الأعلى للنظام السيد علي خامنئي، وبعدما طلب المرشد مباشرة من الضيف العراقي ضرورة ضبط الحدود المشتركة بين البلدين ومنع الجماعات المسلّحة الكردية المعارضة من استخدام المناطق الحدودية والأراضي العراقية للانطلاق باتجاه المناطق الكردية الإيرانية وتهديد الأمن والاستقرار الإيرانيَّين، وذلك وفق الرواية الإيرانية التي تدّعي أنّ الاحتجاجات في الداخل الإيراني مصدرها “تخطيط وتنفيذ وإشراف” دول عربية وغربية، وتأتي من الناحية الكردية صوب الداخل الإيراني.

بدأت القوّات المسلّحة العراقية بالانتشار على طول الحدود البرّية للعراق مع كلّ من إيران وتركيا. وتقع هذه الحدود أو الخطّ البرّي داخل مناطق إقليم كردستان بحكم جغرافيا هذه المنطقة

إنّ زيارة السوداني لإيران وقرار حكومة بغداد الانتشار على طول الحدود مع إيران وتركيا والسيطرة على المنافذ البرّية على طول هذا الخطّ التي تبلغ نحو ثمانية معابر رسمية، تُضاف إليها ثمانية منافذ غير رسمية، يأتيان بعد تصاعد الاعتداءات العسكرية الإيرانية التي استُخدمت فيها المدفعية الثقيلة والصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة لاستهداف مواقع ومقرّات ومعسكرات حزبَيْ الكوملة والديمقراطي الكردستاني الإيراني داخل أراضي الإقليم العراقي من السليمانية وصولاً إلى مشارف عاصمة الإقليم إربيل، فضلاً عن أنّ هذا القرار قد يساعد في كبح الاعتداءات التركية التي تجاوزت مناطق الإقليم الكردي إلى مناطق سيطرة الحكومة الاتحادية في كركوك وسنجار والتي كانت تستهدف مَن تسمّيهم أنقرة “جماعات إرهابية معادية للمصالح التركية”.

جاء دخول المرشد الأعلى الإيراني على خطّ الضغط ومطالبة الحكومة العراقية بضبط الحدود، بعد سلسلة من الضغوط الإيرانية العسكرية والسياسية التي مارستها طهران على بغداد وقيادة إقليم كردستان، والتهديد المباشر بالتدخّل الميداني والقيام بعملية عسكرية لضرب الجماعات الكردية المعارضة، وتحميل قيادة الإقليم المسؤولية عن تسهيل عمليات ونشاطات هذه الجماعات لاستهداف الأمن والاستقرار والسيادة ووحدة الأراضي الإيرانية.

تهديدات إيرانيّة بلا جدوى

أعقب الإجراءُ العراقي لقاءاتٍ أجراها السفير الإيراني في بغداد محمد آل صادق مع السوداني والقيادات السياسية والأمنية لمطالبتهم بمنع التحرّكات الكردية، وتوجيه طهران الاتّهام المباشر لإربيل وتهديدات لم تصل إلى نتيجة. حتى الزيارة، التي قام بها مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي برفقة وزير داخلية الإقليم ريبر أحمد بارزاني لطهران، لم تلبِّ المطالب الإيرانية التي تتّهم الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيسه مسعود بارزاني بالمشاركة في استهداف النظام الإيراني ومساعدة الجماعات المسلّحة الانفصالية. وتذهب هذه الرواية إلى اتّهام بارزاني باستغلال الحركة الاعتراضية التي بدأت بعد مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني على يد شرطة الاخلاق، وتحوّلت إلى مواجهة عسكرية بين قوات حرس الثورة والجيش الإيرانيّين وبين مقاتلي هذه الجماعات، لأنّ هذه الأخيرة كما تقول السلطات الإيرانية استخدمت الأراضي العراقية للتدريب وتهريب الأسلحة، الأمر الذي جعل المناطق الكردية مناطق عسكرية وأمنيّة.

دفع التوتّر القائم بين قيادة الإقليم الكردي والنظام الإيراني والحشود العسكرية على الحدود مع الإقليم، حكومة الإقليم إلى الاستعانة بالحكومة الاتحادية ورئيسها السوداني للعب دور يؤدّي إلى التهدئة وتفكيك هذا التوتّر

أسواق وسكّة حديد

لئن اتّخذت زيارة السوداني الأولى لإيران، بعد زيارته الأردن والكويت، طابعاً ذا علاقة بالمخاوف الإيرانية من الحدود المشتركة والاتّهامات التي وجّهتها إلى قيادة الإقليم الكردي، فقد شكّلت مناسبة للجانب الإيراني لإعادة تأكيد طلباته التي يسعى إلى الحصول عليها من بغداد. وهي طلبات بقيت من دون تنفيذ منذ حكومتَيْ عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي، خاصة ما يتعلّق منها بالمناطق الحدودية وإنشاء أسواق مشتركة بين الطرفين. إلى ذلك أكّد المرشد ضرورة تنفيذ الاتفاق المتعلّق بالسكّة الحديد التي تربط خرمشهر (المحمرة) بالبصرة، والذي اعتبره المرشد حيويّاً بالنسبة إلى “محور المقاومة”، باعتباره يسمح بربط خطوط السكة الحديد الإيرانية بتلك العراقية، وصولاً إلى الأنبار، ومنها بالخطوط السورية التي تسمح لإيران بالوصول إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط.

يسعى السوداني الذي اختارته قوى “الإطار التنسيقي”، وحصل على دعم تحالف “إدارة الدولة” التي تشارك فيه إلى جانب “الإطار” الأحزاب الكردية والقوى السنّيّة، إلى إعادة تفعيل الدور العراقي في تقريب وجهات النظر بين دول الجوار العراقي، وخاصة لعب دور الوسيط بين بين الإيرانيين والسعوديين الذين يساعد التفاهم بينهم في تعزيز الاستقرار العراقي ويسمح للحكومة في الانطلاق نحو تطبيق مشاريعها التنموية والسياسية بدعم منهم. ويسعى السوداني أيضاً إلى إعادة تفعيل دور العراق في الحوار بين إيران وكلّ من الأردن ومصر، بعد قرار القاهرة وعمّان تعليق الحوار مع إيران إثر التهديدات التي أطلقها قائد حرس الثورة حسين سلامي بشنّ حرب على السعودية واتّهامها بالتدخّل في الأحداث الداخلية الإيرانية والاعتراضات الشعبية التي تشهدها.

إقرأ أيضاً: إيران… القمع هو الحلّ ولا مكان للحوار

على الصعيد الداخلي، دفع التوتّر القائم بين قيادة الإقليم الكردي والنظام الإيراني والحشود العسكرية على الحدود مع الإقليم، حكومة الإقليم إلى الاستعانة بالحكومة الاتحادية ورئيسها السوداني للعب دور يؤدّي إلى التهدئة وتفكيك هذا التوتّر. لكنّ الحكومة الاتحادية وظّفت هذه الفرصة للحصول على تعاون، حتى لا يُقال “تنازلات”، من قيادة الإقليم وحكومته في ما يتعلّق بالحدود والمنافذ الحدودية، وتنسيق بين جهاز مكافحة الإرهاب الاتحادي وبين قوات البشمركة بعدما كانت هذه الأخيرة متمسّكة برفضه، خاصة أنّ الخلاف بين بغداد وإربيل على المنافذ والسيطرة والسيادة على الحدود وصل في زمن حكومة حيدر العبادي إلى حدود المواجهة بعد معركة السيطرة على كركوك عام 2017 وإفشال نتائج الاستفتاء على الانفصال، واضطرّ العبادي حينذاك إلى إرسال قوات الحكومة الاتحادية عبر الأراضي التركية للانتشار في هذه المنافذ.

إقرأ أيضاً

عراضة “الجماعة” في عكّار.. ومرحلة ما بعد حرب غزّة

بعد العراضة المسلّحة لـ”الجماعة الإسلاميّة” في منطقة عكار الشمالية، بدأت تظهر ملامح مرحلة ما بعد حرب غزّة في لبنان. تبدو الحاجة أكثر من أيّ وقت…

لا عزاء للمساكين

“لم أغسل دمي من خبز أعدائي  ولكن كُلّما مرّت خُطَايَ على طريقٍ فرّتِ الطرقُ البعيدةُ والقريبةُ   كلّما آخيت عاصمة رمتني بالحقيبةِ فالتجأتُ إلى رصيف الحلم…

“أخوة يوسف”* أمام معضلة خط الحرير العراقيّ

عاديّ أن يقلق البعض على هامش زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الأخيرة للعراق، أمام مشهد توقيع مذكّرة تفاهم رباعية للتنسيق والتعاون ذات طابع استراتيجي…

الجماعة الإسلامية إلى أين؟

عندما أنشئت الجماعة الإسلامية في ستينات القرن الماضي (وتمّ وقتها الترخيص للحزب الشيوعي وكان وزير الداخلية كمال جنبلاط)، كانت تهدف إلى المحبة والتسامح والعيش المشترك…