بيروت – بغداد: دولة.. أو حسينيّة؟

2022-08-06

بيروت – بغداد: دولة.. أو حسينيّة؟

مدة القراءة 3 د.

حين رفع أنصار مقتدى الصدر في رحاب مجلس النواب العراقي لافتة كُتب عليها “يا حسين” صار واضحاً أنّ مؤسّسة التشريع أصبحت حسينيّة. وكان على الجميع أن يفهموا أنّ ما يجري إنّما يتعلّق بمستقبل الدولة التي سيديرها الصدر. فهي دولة دينية بل وطائفية. كان الفعل قد تجاوز المنطق السائد، لكنّ الفكرة التي تقف وراءه لم تكن غريبة على المكان. كان مجلس النواب العراقي أشبه بالحسينيّة يدخله النواب وهم يرتدون أكفاناً، وأمّا النساء فكلّهنّ متّشحات بالسواد.

لم يفعل حسن نصر الله ما فعله الصدر. الوضع في لبنان لا يسمح حتى الآن بالقيام بذلك. ولكنّ حزب الله يسعى إلى أن يجد له مكاناً خفيّاً في مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل في محاولة منه لكي يفرض على الدولة اللبنانية شروطه متظاهراً بالضغط على إسرائيل من خلال رغبته في إزعاجها من غير أن يلتفت إلى واقعة تفجير مرفأ بيروت التي اعتبرها يومئذ مجرّد حادث. لم تسمح ظروف المأساة له بأن يُقيم حسينيّة في المكان.

الوضع في لبنان لا يسمح حتى الآن بالقيام بذلك. ولكنّ حزب الله يسعى إلى أن يجد له مكاناً خفيّاً في مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل

التفكير في الحسينيّات مستلّ من عقيدة المسيرات الجنائزية التي تبنّاها الخميني، وقد جعل منها مبدأ أساسيّاً لبقاء نظامه. لذلك لن تكون دولة مقتدى في العراق أفضل حالاً من دولة حسن نصر الله التي تسعى إلى ضمّ لبنان كلّه إلى الضاحية الجنوبية لبيروت. ستتوسّع الحسينيّة الصغيرة لكي تلتهم البلاد كلّها وتحوّلها إلى حسينيّة كبيرة. لقد قام البسطاء من أتباع مقتدى بتحويل قاعة مجلس النواب العراقي إلى سوق شعبية، تُباع فيها الأشياء الرخيصة.

 

ماذا سيكتب التاريخ؟

في الحالين ما كان ذلك ليحدث لو أنّ هناك حكومة قوية في البلدين. سيُكتب تاريخ هذه المرحلة بطريقة سيّئة قد تسيء إلى الشعب الذي كان ولا يزال ضحية تدنّي الخيارات بحيث صارت الحسينية بديلاً عن الدولة. وحلّ الهوس الديني الطائفي محلّ الرغبة في عيش حياة متكافئة بين المواطنين بغضّ النظر عن ديانتهم وأفكارهم.

سيُقال إنّ ذلك الشعب كان يخشى اندلاع حرب أهليّة يكون حطبها، ففضّل الخنوع على الموت. وتلك كذبة اشتُقّت من كذبة أكبر هي الهالة التي تمّ تلفيقها حول نصرالله ومقتدى الصدر اللذين أشاعا كذبة الحرب الأهليّة، رغبة منهما في إلهاء جماهيرهما الفقيرة عن رؤية الحقيقة التي دُفنت في حسينيّة.

ما يُخطَّط له فعلاً أن تُدفن الدولة المدنيّة في حسينيّة.  

هل يكون الإرث المدنيّ في بغداد وبيروت مجرّد حكاية تُروى لا أثر لها في الواقع؟

تلك واحدة من خرافات أيّامنا التي يمكن في أيّة لحظة أن تتحوّل إلى واقع لا يمكن إنكاره. فمَن يصدّق أنّ مصير شعب بمزاج شعب فُطر على الغضب مثل الشعب العراقي سيكون بين يدي شاب مُغامر وحديث العهد في السياسة ولا يجيد أصول لعبتها؟ ومَن يتوقّع أنّ لبنان الذي كان حاضنة للحداثة وداعية جمال وهو الذاهب إلى حافات الكون بقدموسه سيتلقّى شعبه دروساً في الكمال على يد رجل لم يرَ في حياته سوى النجف وقم، وهما حوزتان للدين والسياسة.

إقرأ أيضاً: الصدر في الشارع: انتخابات مبكّرة.. أو حرب أهلية

لن يُقبل الأمر على أنّه صفعة على خدّ الحاضر، بل هو صفعة في وجه التاريخ.

العراق ولبنان دولتان، بنتهما شعوب مدنية، مهدّدتان اليوم أن تتحوّلا إلى حسينيّتين كبيرتين لن تشهدا إلا مجالس للعزاء. فإن كان حزب الله لم يرفع في مجلس النواب اللبناني لافتة مكتوباً عليها “يا حسين” فلأنّه ينتظر أن يحين الوقت الذي يقف الشعب اللبناني كلّه في انتظار ظهور الإمام الحجّة، المهدي المنتظر.

 

*: كاتب عراقي

إقرأ أيضاً

عدوان 7 أيّار.. حان وقت العودة من الدّوحة

بعد أحداث 7 أيار 2008 بأسبوع واحد، شهدت منطقة المصيطبة في بيروت حراكاً مكثّفاً من قبل حركة أمل باتّجاه أهل المنطقة السُّنّة، وذلك بهدف معالجة…

غزّة تشطر تركيا إلى شطرين

تأخّر رجب طيب إردوغان ستّة أشهر قبل أن يحسم رأيه في قضية غزة. حدث “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر (تشرين الأول) وأحدث معه الارتباك الإردوغانيّ…

“منظومة الانتهاك”

لا عُذر لمن فوجئ. أين المفاجأة؟ 1 + 1 = 2. معادلة بسيطة. كلّ ما نعيشه منذ 20 عاماً في هذا البلد لا بدّ أن…

القطار الصّينيّ السريع يخترق أوروبا من شرقها

حطّت طائرة الرئيس الصيني شي جينبينغ في صربيا بتوقيت لا يخلو من الرمزية. ففي مثل هذا التاريخ قبل 25 سنة قصفت الطائرات الأميركية السفارة الصينية…