مقتدى الصدر في آخر استعراضاته المجّانيّة

2024-04-24

مقتدى الصدر في آخر استعراضاته المجّانيّة

مدة القراءة 4 د.

لا يُلام مقتدى الصدر على استعراضاته المتكرّرة بل يقع اللوم على مَن يصدّق تلك الاستعراضات ويشارك فيها. وقد انخفض عدد مناصري الصدر بسبب ما أُصيبوا به من خيبات نتجت عن سلوك زعيمهم الملتبس والغامض. الذي أدّى في النهاية إلى أن يتمّ تزييف نتيجة الانتخابات بقرار من الصدر نفسه. فتسلّم المهزومون في انتخابات عام 2021 دفّة الحكم في العراق. انخفاض لا يعني أنّ الصدر فقدَ شعبيّته. بدليل أنّه لا يزال قادراً على ابتكار أشكال وأساليب استعراض جديدة يعتقد أنّها تؤهّله لتعكير مزاج الطبقة السياسية المتنفّذة التي كانت دائماً تقف في انتظار خطوته التالية. التي يمهّد من خلالها لعودته إلى العملية السياسية بعد انسحابه المذلّ وقد كان منتصراً.

 

 

ليس “التيار الوطني الشيعيّ” الذي أعلن مقتدى الصدر رفع لافتته بدلاً من “التيّار الصدري” سوى استعراض جديد، لن يحصد منه العراقيون سوى مزيد من الفوضى التي تعصف بفكرة إقامة دولة في العراق وتزيد من استحالتها.

فإن كان الصدر يمارس ألعاباً مبسّطة من خلال اللعب بالتسميات وإبدال شعار بآخر من غير طرح برنامج عمل سياسي يكون قاعدةً للعمل الوطني النزيه في مقاصده والواضح في ثوابته العملية… فإنّ هذه الصفة تخدم الأطراف التي تمكّنت من القبض على مفاصل الدولة الهشّة. ومكّنت النظام السياسي الذي كاد أن يسقط نهاية عام 2019 من إعادة إنتاج آليّات وجوده. بحيث عاد فتيّاً وقويّاً بأجهزته الأمنيّة وميليشياته. والأهمّ بالغرف السرّية التي تدير عمليات الفساد التي نجح في أن يخلق لها امتدادات إقليمية.

ليس من غطاء آمن تتمّ تحته أكثر عمليات الفساد دهاءً وحبكةً مثل الفوضى التي يسبّبها ظهور واختفاء مقتدى الصدر بين حين وآخر

فليس من غطاء آمن تتمّ تحته أكثر عمليات الفساد دهاءً وحبكةً مثل الفوضى التي يسبّبها ظهور واختفاء مقتدى الصدر بين حين وآخر. وإذا ما قلت إنّ هناك مَن لا يزال يراهن على الصدر في مسألة إنقاذ العراق من محنته… فأنا لا أبالغ في التشاؤم أو التفاؤل بقدر ما أصف وضعاً فكرياً رثّاً بدأ في سنة الاحتلال الأميركي الأولى بظهور “جيش المهدي” ويجد اليوم في “التيار الوطني الشيعي” مادّة تغنيه عن النظر إلى الواقع بطريقة علميّة محايدة.

هزل السياسة المؤلم

لو لم يكن هناك انفصال في العقل السياسي العراقي، وهي تسمية مجازية، لما استطاع مقتدى الصدر أن يستمرّ زعيماً لتيّار سياسي، يضعه الآخرون في حساباتهم. هناك هزل مؤلم في الحياة السياسية العراقية، لكن مَن يضحك على مَن؟

يكتب الكثيرون بجدّ مبالغ فيه عن إمكانية أن يقلب الصدر المعادلات القائمة. وهي معادلات لا قيمة لها في عالم العمل السياسي:

1- فالصدر هو ابن النظام الطائفي، ولو لم يُقِم الأميركيون النظام الطائفي لما كان هناك ذكر له ولا لسواه من أركان العملية السياسية في العراق. ذلك أوّلاً.

2- وثانياً مهما تحذلق الصدر في وطنيّته فإنّه طائفي. ولو لم يكن كذلك لما تصدّر المشهد الشيعي.

3- أمّا الأمر الثالث فيتّصل بإيران الممسكة بخيوط العملية السياسية. وهي لو شاءت لمحت على انتهائه. ولا يهمّها في ذلك رأي محبّيه.

ليس “التيار الوطني الشيعيّ” الذي أعلن مقتدى الصدر رفع لافتته بدلاً من “التيّار الصدري” سوى استعراض جديد، لن يحصد منه العراقيون سوى مزيد من الفوضى

العراق الغائب دائماً

ينتقل الصدر بخفّة بين حبلَي الوطن والمذهب. تلك هي عادته التي ليست جديدة. وإذا ما تحدّثنا عن وطنية مقتدى فلا بدّ أن نعود إلى أزمة والده الذي رفض مرجعية النجف التي يسيطر عليها الإيرانيون. تلك عقدة أدرك مقتدى أنّه لن ينتصر عليها حتى لو رفع أمامها شعار الوطن. فالإيرانيون اليوم لا يحكمون النجف وحده، بل العراق كلّه. ذلك ما دفع به إلى أن يتمسّك بالمذهب لكن من خلال مدخل وطني، من غير أن يستغرق كثيراً. فيذكر العراق في اللافتات التي يرفعها من أجل التعريف بتيّاره.

يصعب على الصدر أن يكون عراقيّاً وهو يعلن شيعيّته التي صارت بحكم العادة السياسية مذهباً إيرانياً. وهو ما يخالف التاريخ والحقيقة. واقعياً فإنّ شيعة العراق هم عراقيون أوّلاً. فلم يكن عراقياً إلا من وجهة المروّجين له أو الذين دفعتهم النوايا الحسنة إلى اعتباره بطلاً قومياً.

 

إقرأ أيضاً: أزمة سوريا بين الحضنين الإيراني والعربي

 

*كاتب عراقي

إقرأ أيضاً

عبد الناصر.. سيرة المدن القتيلة

يصعب أن يُعزى مصير منطقة معقّدة مثل الشرق الأوسط إلى أفعال أو أفكار شخص الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر حصراً. بيد أنّ تاريخ الشرق…

من يسمّي الرئيس الأميركي المقبل: الكارهون لترامب أم الغاضبون من بايدن؟

للوھلة الأولى قد تعتقد أنّ تصریحات بعض أعضاء الكونغرس الأمیركي وبیانات عمدة نیویورك والشرطة صادرة عن وزارات الحكومات والأجھزة الأمنیّة العربیة التي تسارع إلى اتّھام…

كيف يفكّر نتنياهو؟

كيف يفكّر نتنياهو في قرارة نفسه؟ وما هي العناصر الحاكمة التي تعتبر مفاتيح شخصيّته والتي تحكم قانون الفعل وردّ الفعل لديه؟   من الصعب جدّاً…

فرنسا في خدمة واشنطن: غزّة قبل لبنان

يشتدّ التساؤل بشأن طبيعة مهمّة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه بشأن “تدبير” هدوء على الحدود الجنوبية وحقيقة ما تملكه باريس من قدرات ومواهب ونفوذ في…