اجتياح رفح: الخلاف “التكتيكي” بين بايدن ونتنياهو

2024-03-29

اجتياح رفح: الخلاف “التكتيكي” بين بايدن ونتنياهو

مدة القراءة 5 د.

واشنطن ترفع بطاقة صفراء في وجه إسرائيل. لكنّ رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو مستمرّ في المناورة والمماطلة في المفاوضات والتهديد بمواصلة الحرب واجتياح رفح. يراهن على أنّ إدارة الرئيس جو بايدن التي تحرّكها الآن دوافع انتخابية، تختلف معه في التكتيك لكن ليس في الاستراتيجية. ولن ترفع في وجهه البطاقة الحمراء. فهي لا تريد إضعاف إسرائيل بل تقويتها وتكريسها القوّة المتفوّقة على كلّ جيرانها.

 

 

المحادثات التي يجريها حالياً وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت في واشنطن تثبت رهان نتانياهو على أنّ بايدن لن يرفع يوجهه البطاقة الحمراء أمام اجتياح رفح.

الدولة العبرية تريد أحدث التكنولوجيا العسكرية وأكثر الطائرات الأميركية تطوّراً، والبنتاغون والكونغرس على استعداد لتلبية الطلب من دون تحفّظ. حتى لو ظهر التباين في مواقف الطرفين، فلن يضعف البيت الأبيض حرب إسرائيل على “حماس”.

اضطرار واشنطن إلى عدم استخدام “الفيتو” ضدّ مشروع قرار في مجلس الأمن يطالب بوقف النار في غزة في شهر رمضان وإطلاق جميع الرهائين فوراً، يحدث أزمة في العلاقة بين الطرفين. لكنّه لا يعكس أبداً تحوّلاً استراتيجيّاً في السياسة الأميركية إزاء الدولة العبرية. هكذا قال منسّق مجلس الأمن القومي جون كيربي. ونتنياهو لم يعِر هذا الموقف الأميركي أيّ اهتمام. وواصل التهويل باقتراب اجتياح رفح “حتى لو كان العالم كلّه ضدّنا”. على حدّ قول وزيره المقرّب رون ديرمر.

لا أفق لأيّ هدنة

كلّما حضر مسؤول أميركي إلى المنطقة، زاد منسوب التفاؤل بإمكان التوصّل إلى هدنة، وبعد رحيله تعود الأمور إلى نقطة الصفر. المفاوضات المتنقّلة بين باريس والقاهرة والدوحة لم تخرج إلا بالتشاؤم. نتنياهو يغطّي على عدوانه والجرائم بالمفاوضات. لا يريد اتفاقاً إلا بشروطه من أجل إظهار “حماس” بمظهر المكسور والمستسلم. هذا لم يحصل حتى الآن بعد ستّة أشهر من الجنون العدواني والصمود الأسطوري للغزّيين. لذا تبدو الآمال ضعيفة بإحداث اختراق قريب في صفقة تبادل للأسرى والمحتجزين.

المحادثات التي يجريها حالياً وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت في واشنطن تثبت رهان نتانياهو على أنّ بايدن لن يرفع يوجهه البطاقة الحمراء أمام اجتياح رفح

ترفض إسرائيل أيّ وقف دائم للنار، والانسحاب العسكري من مواقع محتلّة وعودة سكّان الشمال إلى ديارهم. وتسعى إلى التحكّم بالمساعدات الغذائية وتوزيعها وخلق شرخ بين الفلسطينيين من خلالها وإضعاف سلطة “حماس”. وفي المقابل، تدرك المقاومة الفلسطينية خطورة التفريط بورقة الأسرى من دون اتفاق شامل ومضمون دوليّاً. وأن يمهّد للانسحاب العسكري والبدء بإعادة الإعمار وفتح المعابر البرّية. ذلك التنازل سيكون بمنزلة انتحار سياسي. لذا تريد صفقة لا تظهرها ضعيفة ومستسلمة. بل تريد اتفاقاً يضمن مكانتها السياسية في اليوم التالي للحرب.

الهوّة كبيرة بين الجانبين، والحلّ الوسط شبه مستحيل الآن، ويحتاج إلى وقت طويل. إلا إذا حدثت مفاجأة ليست بالحسبان تؤجّل اجتياح رفح أو تلغيه.

صحيح أنّ انقسامات ظهرت بين القيادة الإسرائيلية نفسها وبينها وبين جمهورها. في شأن إعطاء الأولوية لإطلاق المحتجزين، وتجنيد المتزمّتين اليهود “الحريديم”، والعلاقة المتوتّرة مع واشنطن. لكنّ ثمّة مبالغات في تقديرات المراهنين على سقوط حكومة نتنياهو بسبب هذه الخلافات. أطراف الائتلاف متمسّكون به على الرغم من خلافاتهم. ويبدو أنّ رئيسها يبرع في إدارة البيع والشراء تجنّباً لأيّ صداع ولضمان بقاء حكومته.

لا يزال اقتحام مدينة رفح الهدف المفضّل لنتنياهو. ويعدّ العدّة له غير آبه بالتحذيرات الأميركية والدولية

إذا كان هناك 75 في المئة من الإسرائيليين لا يريدون بقاء نتنياهو في الحكم. فإنّ النسبة نفسها تقريباً تريد استمرار الحرب للقضاء على “حماس”. وهذا يصبّ حتى الآن في مصلحة بقائه في السلطة. لذا سيواصل الحرب لأنّها باتت هي الهدف الذي يضمن بقاءه في الحكم وتأخير التحقيقات. التي ستحمّله حتماً مسؤولية ما جرى في السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل 2023)… وما يجري بعده من إخفاق استراتيجي على مختلف المستويات.

لا يزال اقتحام مدينة رفح الهدف المفضّل لنتنياهو. ويعدّ العدّة له غير آبه بالتحذيرات الأميركية والدولية. خصوصاً أنّ هذه العملية المحتملة تحوز تأييد غالبية الإسرائيليين، وموافقة كلّ القوى السياسية الإسرائيلية، وإن اختلفت دوافعهم. ومن شأن التلويح باجتياح رفح والتهديد بشنّها وقضم المدينة تدريجياً، تحويل المفاوضات حول الهدنة والأسرى إلى محادثات للتغطية على مواصلة الحرب، بما في ذلك احتلال رفح.

إقرأ أيضاً: نخبة أميركا في “فورين أفيرز”… ضدّ حرب غزّة

نتنياهو ماضٍ في حربه، لكنّها لن تؤدّي بالضرورة إلى توجيه ضربة قاضية للمقاومة الفلسطينية. ذلك أنّه ما دام الاحتلال موجوداً فستوجد المقاومة وإن تغيّر شكلها واسمها وطبيعتها. وكلّما طال أمدها، ترسّخت صورة الوحش الإسرائيلي في أذهان العالم، وتدهورت المكانة التي رسمتها إسرائيل عن نفسها وازدادت عزلتها الدولية.

إقرأ أيضاً

التصعيد ضدّ أذرع إيران… تقابله مرونة لإنقاذ رفح؟

تسابق الضغوط من أجل إحياء مفاوضات الهدنة في غزة قرار الحكومة الإسرائيلية اقتحام رفح. يترافق ذلك مع رصد جدّية الليونة التي أبدتها قيادة “حماس” الداخل…

تفشّي وباء الصراعات.. هل يشعل حرباً عالميّة؟

العالم ليس بخير. مشهد العلاقات الدولية في ظلّ الحروب الصغيرة المتنقّلة هنا وهناك والصراع على النفوذ والتناحرات الإقليمية أشدّ تعقيداً ممّا كانت عليه الصورة عشيّة…

قادة غزّة: أزمة مكان أم خيارات؟

كثر الحديث “غير الموثّق بأدلّة رسمية” عن أنّ قطر بصدد الاعتذار عن عدم مواصلة استضافة قيادة حماس، حيث كانت ولا تزال حتى الآن المكان الأكثر…

العلم الفلسطيني: سرقته إيران.. أم ألقته “الدولة الوطنية” (2/2)

ولادة “الدولة” في المنطقة العربية مرّ بـ”قطوع” التفتيت والتقسيم وفق خريطة “سايكس – بيكو” التي قسمت بلادنا دولاً بين الانتدابين، فرنسا وبريطانيا. لكنّها وُلِدَت بلا…