صفا والإمارات: “الحزب” يطرق علناً أبواب الخليج..

2024-03-26

صفا والإمارات: “الحزب” يطرق علناً أبواب الخليج..

مدة القراءة 7 د.

لن نعرف الكثير عن تفاصيل الزيارة التي قام بها رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب، وفيق صفا، للإمارات. فالرجل ذو مسؤوليّات أمنيّة. وللمهمّات الأمنيّة غموض تلفّه سرّيّة تامّة. وإذا ما سال حبر كثير بشأن مهمّة الرجل، فليس بسبب جدول أعمالها المفترض. بل لأنّ الحزب أراد أن يكون لما هو غامض وسرّيّ ضجيج وجلبة أتاحا لوسائل الإعلام، المحلية والعربية، أن تجود في السعي إلى سبر أغوار أغراض الزيارة وخلفيّتها وتوقيتها. خصوصاً أنّها أوّل زيارة لمسؤول أمني في الحزب إلى الخليج منذ سنوات طويلة.

 

تعيدنا زيارة رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب، وفيق صفا، للإمارات بالذاكرة إلى الزيارات التي كان يقوم بها في سنوات سابقة رجل الأمن الأوّل لدى النظام السوري علي المملوك. كان رجل دمشق يتبوّأ حينها منصب رئيس مكتب الأمن الوطني. سال حبر كثير بشأن زياراته الغامضة للقاهرة والرياض وأبوظبي وعمّان وروما وعواصم عربية وإقليمية ودولية أخرى. كان نظام دمشق يعاني من عزلة مع دول المنطقة. وكانت لزيارات المملوك معانٍ ورسائل ما فوق أمنيّة قد تكون أسّست لاحقاً لاستئناف علاقات دول في المنطقة والخليج مع دمشق قبل وبعد استعادة مقعدها في جامعة الدول العربية في 7 أيار 2023.

لا يهمّنا حالياً ما الذي حقّقته زيارة وفيق صفا للإمارات من أهداف مباشرة آنيّة. فسيظهر الأمر لاحقاً. قيل إنّ مناسبة الزيارة، وفق ما نشره الإعلام الموحى إليه، هي البحث في مسألة الإفراج عن لبنانيين ينفّذون أحكاماً قضائية بالسجن لمدد مختلفة. نسبت وكالة “رويترز” إلى 4 مصادر مقرّبة من الحزب علاقة مهمّة صفا بملفّ المحكومين اللبنانيين في الإمارات. سُجّل اعتراض على قيام الحزب بالتفاوض مع دولة أجنبية بشأن مواطنين لبنانيين لديها بدل حكومة بيروت. والواقع أنّ السجناء هم سجناء الحزب وفق ما تكشف لوائح الاتّهامات عن تورّطهم بالعمالة في الخليج لمصلحة إيران والعمل لحساب حزبها في لبنان.

لا يهمّنا حالياً ما الذي حقّقته زيارة وفيق صفا للإمارات من أهداف مباشرة آنيّة. ما يهمّنا هو الشكل الذي اختاره الحزب للإعلان عن الحدث

فتح أبواب الخليج

ما يهمّنا هو الشكل الذي اختاره الحزب للإعلان عن الحدث. صدر الخبر، حصرياً، عن وسائل إعلام مقرّبة من الحزب. تولّى الحزب تزويد إعلام لبنان برواية أرادها أن تكون شبه رسمية. وتشكّل سبقاً إخبارياً يفسّر حدثاً يريده أن يكون علنيّاً ويشبه تبادل الزيارات بين الدول. أشارت تلك “التسريبات” إلى انتقال صفا بطائرة خاصة إماراتية أُرسلت له لتلبية دعوة إماراتية. وأُريد لهذه العلنيّة أن تعوّم جدارة الحزب وأهلّيته لأن تفتح له عاصمة عربية، في الخليج، أبوابها على الرغم من قرارات تدرجه على لوائح الإرهاب.

وقّعت الإمارات (والبحرين) الاتفاقات الإبراهيمية مع إسرائيل في واشنطن في منتصف أيلول 2020. اعتبر الأمين العامّ للحزب يومها أنّ “ما قامت به الإمارات من تطبيع هو خيانة للقدس وخدمة انتخابية شخصية للرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو‎”. شنّت منابر الحزب حملة ضدّ “المطبّعين”. صعّدت من مواقفها ضدّ “المؤامرة الإسرائيلية التي يسوقها أصحاب هذه الاتفاقات”. انتهى ذلك التصعيد، قبل أيام، بزيارة قام بها المسؤول الأمنيّ في الحزب وفيق صفا للإمارات.

لو تمّت الزيارة بشكل سرّيّ ومن دون أن تفرد لها الصحف، بإيعاز من الحزب، صفحات وأعمدة، لكان يمكن إدراج الحدث في إطار عاديّات تواصل أجهزة الأمن والمخابرات. حتى بين الأطراف المتحاربة، وتبادل المهمّات فيما بينها. وكان يمكن القول إنّ موقف الحزب من “التطبيع” لا يتناقض مع أنشطة أجهزة الأمن وعلاقاتها البينيّة. وكان يمكن دائماً إدراج الخبر في إطار الشائعات والتكهّنات أو على الأقلّ الشكّ في دقّتها.

الإعلام.. والبُعد السياسي للزيارة

لكنّ الحزب أراد في الجهر بتحرّك وفيق صفا نحو الخليج، إعطاء المهمّة بعداً سياسياً علنيّاً.

أراد إبلاغ من يهمّه الأمر، بما في ذلك جمهوره، أنّه يطوّر، في عزّ الهجمات الإسرائيلية ضدّ مواقعه وقياداته وقرى وبلدات بيئته، علاقات مع دولة عربية تمّ تخوينها وشيطنتها قبل سنوات.

بات الحزب لأسبابه يودّ الإطلالة، من خلال الواجهة الأمنيّة وفيق صفا، على احتمالات التعويم السياسي في المنطقة، وفي الخليج بالأخصّ

ربّما أراد أن يثبت للإمارات قدراته على تطويع جمهوره وبيئته ولبنان برمّته، واستعراض نفوذه المانع داخل محوره لخروج أيّ اعتراض على تواصله العلنيّ مع واحدة من دول الاتفاقات الإبراهيمية.

أراد أيضاً أن يُسجّل، من خلال علنيّة زيارة الإمارات، اختراقاً داخل البيئة العربية، الخليجية بالذات. التي لطالما عاداها بحملات إعلامية ممنهجة وبتهديدات أمنيّة داخلية شهدتها دول الخليج. خصوصاً السعودية والكويت والإمارات والبحرين. إضافة إلى الأخطار التي أطلقها الحوثيون من اليمن. وهم الذين يحظون برعاية ودعم إيران وحزبها في لبنان.

في شباط الماضي، ووفق وكالة “رويترز”. أبلغ الأمين العامّ للحزب قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني أنّ الحزب سيذهب إلى أيّ حرب بمفرده. واعداً أن لا يجرّ إيران إلى حروبه.

بات الحزب لأسبابه يودّ الإطلالة، من خلال الواجهة الأمنيّة وفيق صفا، على احتمالات التعويم السياسي في المنطقة، وفي الخليج بالأخصّ. يذهب الحزب باتّجاه الإمارات من دون الحاجة إلى انتظار هدنة في غزّة تمّ التداول بشأن احتمالاتها وقرب حدوثها. وبدا أنّ الحزب يتحرّك تحت سقف العلاقة الجديدة بين الإمارات وإيران منذ الزيارة المفاجئة التي قام بها مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد لطهران في كانون الأول 2021.

مكانة الإمارات لدى إسرائيل

تملك الإمارات من خلال الاتفاقات الإبراهيمية مع إسرائيل مكانة لدى هذه الأخيرة والولايات المتحدة تمكّنها من إعمال نفوذها في السعي إلى منع الحرب التي ما برح قادة إسرائيل يتوعّدون بها الحزب ولبنان. ولئن بقي خطاب الحزب عالي النبرة في تهديد إسرائيل بعظائم الأمور، فإنّ الحزب بدا محشوراً في الالتزام بما زعمته إيران عن “الصبر الاستراتيجي”. وهو يدفع ثمناً غالياً في مواقعه وقادته وبيئته. وبدا بالمقابل أنّ إسرائيل، بما تملكه من معلومات واختراق أمنيّ حتى داخل الدوائر القريبة من الحزب، تملك زمام المبادرة في إنزال خسائر موجعة في صفوف الحزب من دون الذهاب إلى الحرب الكبرى.

لو تمّت الزيارة بشكل سرّيّ ومن دون أن تفرد لها الصحف، بإيعاز من الحزب، صفحات وأعمدة، لكان يمكن إدراج الحدث في إطار عاديّات تواصل أجهزة الأمن والمخابرات

يتواصل الحزب مع الإمارات مباشرة من دون العبور ببيروت أو حتى من خلال طهران. يعلن موعد زيارة موفده وخبر عودته. ويؤسّس في هذا التفصيل لاستدارة إقليمية قد تتموضع مع اتفاق بكين بين السعودية وإيران. كان الحزب رحّب بالاتفاق بحرقة وعلى مضض. وفيما يعبّر الحدث عن انقلاب موجع يبتلع سرديّات سابقة، فإنّ منابر قريبة من الحزب رأت فيه انتصاراً للحزب و”المقاومة” من غزّة إلى بيروت. وإذا حملت الأنباء قريباً عودة الموقوفين اللبنانيين، فإنّ في هوس “الانتصار” الدائم ما من شأنه الإطاحة بما أراده الحزب إعلاميّاً أن يكون حدثاً فوق العادة.

يبقى أنّ في إعلان الحزب “الاحتفالي” لزيارة موفده للإمارات اعترافاً بالعالم وقواعده. وبالواقع وشروطه. وبتعملق “بيوت الزجاج”، وفق وصف نصر الله للإمارات (أيلول 2019) . التي باتت والسعودية والخليج رقماً صعباً في المنطقة والعالم.

إقرأ أيضاً: وفيق صفا في الإمارات: إعلان فشل الزيارة لم يلغِ مفاعيلها

هو إقرار مكتوم بسقوط عقيدة الانتصار الأزليّ، وزوال الأوهام.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@mohamadkawas

إقرأ أيضاً

التصعيد ضدّ أذرع إيران… تقابله مرونة لإنقاذ رفح؟

تسابق الضغوط من أجل إحياء مفاوضات الهدنة في غزة قرار الحكومة الإسرائيلية اقتحام رفح. يترافق ذلك مع رصد جدّية الليونة التي أبدتها قيادة “حماس” الداخل…

تفشّي وباء الصراعات.. هل يشعل حرباً عالميّة؟

العالم ليس بخير. مشهد العلاقات الدولية في ظلّ الحروب الصغيرة المتنقّلة هنا وهناك والصراع على النفوذ والتناحرات الإقليمية أشدّ تعقيداً ممّا كانت عليه الصورة عشيّة…

قادة غزّة: أزمة مكان أم خيارات؟

كثر الحديث “غير الموثّق بأدلّة رسمية” عن أنّ قطر بصدد الاعتذار عن عدم مواصلة استضافة قيادة حماس، حيث كانت ولا تزال حتى الآن المكان الأكثر…

العلم الفلسطيني: سرقته إيران.. أم ألقته “الدولة الوطنية” (2/2)

ولادة “الدولة” في المنطقة العربية مرّ بـ”قطوع” التفتيت والتقسيم وفق خريطة “سايكس – بيكو” التي قسمت بلادنا دولاً بين الانتدابين، فرنسا وبريطانيا. لكنّها وُلِدَت بلا…