فريد زكريا متفائل: الدول العربيّة تتجذّر في الاستقرار والسلام

2024-03-13

فريد زكريا متفائل: الدول العربيّة تتجذّر في الاستقرار والسلام

مدة القراءة 5 د.

هناك شعور بالكآبة والاكتئاب من أهوال الحرب الجديدة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، التي تعاني من العنف وعدم الاستقرار. رغم ذلك يتطلّع المحلّل السياسي الأميركي فريد زكريا إلى المستقبل بتفاؤل. لأنّه على ثقة بأنّ هناك تحوّلاً مهمّاً حدث في الآونة الأخيرة يسمح بهذا التفاؤل. وهو أنّ الدول العربية التي أصبحت الآن قادة الشرق الأوسط تلعب دوراً مهمّاً وبنّاءً في تحقيق استقرار الوضع وتعمل من أجل تحقيق الاستقرار والسلام.

تشهد الدول العربية، في رأي فريد زكريا، تغييراً جذرياً عمّا كان عليه الحال في العقود الماضية. حيث لفترة طويلة كانت الدولة التي حدّدت أجندة العالم العربي هي الآتية:

– مصر: خاصة في عهد الزعيم جمال عبد الناصر ذي الشخصية الكاريزمية والأيديولوجية الداعية إلى القومية العربية القائمة على مناهضة إسرائيل.

– وكانت الدولتان العربيّتان الكبيرتان الأخريان، سوريا والعراق، متحمّستين بنفس القدر في إدانتهما لإسرائيل. وكثيراً ما تبنّيتا سياسة “الرفض” التي تعارض أيّ تنازلات لإسرائيل.

– أمّا السعودية فقد أضفت، باعتبارها راعية الحرمين الشريفين، الطابع الديني على الصراع ضدّ إسرائيل. حيث سمح العاهل السعودي الملك فهد في عام 2002 بتنظيم حملة تبرّعات عبر الهاتف لمساعدة أسر “الشهداء” الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل. وجمعت حينئذٍ ما يقرب من 100 مليون دولار.

دهشة فريد زكريا من تحوّلات دول الخليج

اليوم، يضيف فريد زكريا في تحليله السياسي الأسبوعي في صحيفة “واشنطن بوست”، يشهد العراق وسوريا مرحلة اختلال في الموقف. ولا يمكن أن يكون موقف الدول العربية الكبرى الأخرى أكثر اختلافاً.

فقد كان من المعتاد أن تكون الدول العربية الكبيرة هي المهيمنة، بسبب التاريخ والحجم والجيوش وما إلى ذلك. لكنّ دول الخليج الغنيّة هي التي تحدّد جدول الأعمال اليوم. وتعتمد دول مثل مصر بانتظام على جيرانها الأثرياء في الخليج العربي للحصول على عمليات الإنقاذ والمساعدة. بالإضافة إلى ذلك حدث تحوّل واسع النطاق في المواقف العربية ضدّ الإرهاب في اتجاه شكل من المصالحة مع إسرائيل والاعتراف بها.

يعتقد فريد زكريا أنّ دول الخليج أصبحت الآن غنيّة جداً لدرجة أنّها أعادت تحديد توجّهاتها تجاه العالم

يعتقد فريد زكريا أنّ دول الخليج أصبحت الآن غنيّة جداً لدرجة أنّها أعادت تحديد توجّهاتها تجاه العالم. ويعبّر عن دهشته ممّا لمسه. خصوصاً خلال زيارته أخيراً للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت. يتحدّث عن “قلق نخب هذه البلدان إزاء الحرب وعدم الاستقرار، وسعيها باستمرار إلى الفرص الاقتصادية”. ويشير بشكل خاص إلى طموحات المملكة العربية السعودية الضخمة إلى التحديث التي “لا يمكن للعنف والإرهاب في المنطقة إلا إحباطها”.

مصر ومعارضة صعود إيران

بالنسبة لزكريا، فإنّ التحوّل في مصر له أهميّة خاصة. فالسيسي حريص على الشراكة مع إسرائيل. كما أنّ ما يجمع مصر ودول الخليج العربية هو المعارضة المشتركة لصعود إيران وجيش وكلائها، من الحزب إلى الحوثيين إلى حماس. ويقول: هناك بالطبع التعقيدات والفروق الدقيقة. فقد تمكّنت قطر من لعب دور الوسيط بين حماس وإسرائيل لأنّ لديها علاقات ودّية مع حماس. كما كانت لها علاقات طويلة مع إسرائيل. وكثيراً ما كان دعم قطر لحماس محلّ انتقاد. لكنّ الحقيقة هي أنّه في غياب وسيط، لن يكون من الممكن وقف إطلاق النار أو التوصّل إلى اتفاقات سلام. وكانت الحكومة القطرية، بكلّ المقاييس، بنّاءة ومسؤولة جدّاً في المساعدة من خلال التوسّط في المفاوضات.

بالنسبة لزكريا، فإنّ التحوّل في مصر له أهميّة خاصة. فالسيسي حريص على الشراكة مع إسرائيل

يقرّ فريد زكريا أنّ الحكومات العربية ليست مثل الشعوب العربية التي تعارض بشكل حادّ إسرائيل والولايات المتحدة. ويزداد انتقادها يوماً بعد يوم. ولكن حتّى في هذه الناحية، هناك جانب مضيء، وفق رأيه. ويستشهد في هذا السياق بما كتبه عمرو حمزاوي، الباحث في “ؤسّسة كارنيغي” في تشرين الثاني 2023. فقد اعتبر أنّ “المواقف العربية منذ بدء الحرب في غزة أكثر اعتدالاً بكثير ممّا كانت عليه في الماضي. حيث أدانت العنف ضدّ المدنيين على الجانبين. ورفضت الإرهاب وحثّت على حلّ الدولتين… وهذا جزء من تحوّل أوسع نطاقاً نحو التخلّي عن العنف السياسي. حيث رفض ما يزيد على 90 في المئة من العرب الذين شملتهم استطلاعات في السنوات الأخيرة، المنظّمات المتطرّفة وأدانوا الإرهاب”.

عدم تعليق العلاقات مع إسرائيل

يعتقد فريد زكريا أنّ هذه الخلفية ربّما تفسّر سبب عدم قيام أيّ من الدولة العربية بتعليق علاقاتها مع إسرائيل. على الرغم من معارضتها الشديدة لحجم ونطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. وبدلاً من ذلك، تمّ التركيز على الطرق العمليّة لمساعدة الفلسطينيين. مثل وقف إطلاق النار، وإقامة ممرّات المساعدات، وإعادة الإعمار بعد الحرب. وكلّ ذلك بهدف إنشاء الدولة الفلسطينية.

ونُقل عن مسؤولين أميركيين يتعاملون مع قيادات هذه الدول العربية قولهم إنّ هذه القيادات متحمّسة وبنّاءة ومفيدة في إيجاد الحلول. وإنّ الخطّة التي تقودها السعودية للتوصّل إلى حلّ الدولتين هي بشكل خاص عملية وقابلة للتنفيذ.

إقرأ أيضاً: فورين أفيرز: ليس هناك من يحكم الشرق الأوسط

هذا التغيير في تكوين الدول العربية الرئيسية وفي مواقف قادتها لن يحلّ القضية الإسرائيلية الفلسطينية. لكن يؤكّد فريد زكريا أنّه “يشير إلى وجد دعم للسلام والاستقرار والاعتدال في منطقة هي في أمسّ الحاجة إلى كلّ ذلك”.

 

لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا

إقرأ أيضاً

فريدمان: خطأ بايدن وخطر نتنياهو

أعرب الكاتب والمحلّل السياسي توماس فريدمان عن “أسفه لإعلان الرئيس الأميركي جو بايدن تعليق بعض مبيعات الأسلحة لإسرائيل” لأنّ هذه الخطوة “على الرغم من عدم…

دبلوماسيّ فرنسيّ: بوتين الرابح الأكبر في حرب غزّة!

لا يرى الدبلوماسي والأكاديمي الفرنسي البروفسور جان بيير فيليو طرفاً منتصراً حتى اليوم مع استمرار الحرب في غزة منذ أكثر من سبعة أشهر، غير “سيّد…

الفوضى والفقر في لبنان… أضعفا ردّ الحزب على إسرائيل

“كان تقاعس “الحزب” النسبي عن الردّ بقوّة على الهجوم الإسرائيلي على إيران متعمّداً”، وفقاً للباحث في “مؤسّسة الدفاع عن الديمقراطيات” الأميركية ديفيد داوود، الذي يكشف…

الكوفيّة الفلسطينيّة على غلاف مجلّة تايم الأميركيّة

أكثر من 50 عاماً مرّت على مشاهد الاحتجاجات في الجامعات الأميركية في معظم أنحاء الولايات المتحدة الأميركية التي تتكرّر اليوم وتحتلّ شاشات التلفزة في جميع…