مخيف ما فعله العقل “العوني” بلبنان


من يستمع إلى رئيس “التيّار الوطني الحر” جبران باسيل يتحدّث عن مفهومه للحياد اللبناني يتأكّد من أمر واحد. يتأكّد من أنّ “التيّار” لا يستطيع أن يكون شيئاً آخر غير تابع لـ”حزب الله” ولمشروعه.

مخيف ما فعله العقل “العوني” بلبنان لجهة إلحاق للبلد بثقافة الموت التي أدّت عملياً إلى موت بلد.

إقرأ أيضاً: لبنان وطن غير نهائي؟

يصبّ ما قاله باسيل في خانة حماية سلاح “حزب الله” ومشروعه الذي بات يتجاوز السلاح، لعلّ ذلك يوصله إلى موقع رئيس الجمهورية… أو إلى أن يكون صاحب دور أكبر، كممثّل للمسيحيين اللبنانيين، في مجال تغطية وضع اليد على البلد واقتصاده.

يظنّ أن ذلك يمكن أن يحدث في مرحلة ما مستقبلاً في ظلّ التطوّرات التي ستشهدها المنطقة مع قيام الحلف الجديد بين الصين من جهة و”الجمهورية الإسلامية” في إيران من جهة أخرى.

تكمن أهمّية كلام جبران باسيل في أنّه صدر بعد لقاء مع البطريرك بشارة الراعي في الديمان. خرج من اللقاء ليؤيّد “حياد لبنان” الذي ينادي به الراعي منذ ما يزيد على ثلاثة أسابيع. ترافق التأييد مع سلسلة من الشروط التعجيزية، وصلت إلى الربط بين “الحياد” من جهة والإجماع الوطني اللبناني، وهو إجماع مستحيل من جهة أخرى. تحدّث أيضاً عن عدوانية إسرائيل، وهذا اكتشاف بحدّ ذاته. لم ينس مشكلة اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في لبنان منذ العام 1948… مع إشارة ذات طابع عنصري إلى النازحين السوريين.

على من يريد أن يضحك جبران باسيل؟ هذا هو السؤال الكبير في وقت ليس لديه ما يجيب به عن السؤال الأهمّ عن الكهرباء

تجاهل باسيل بالطبع دعوة البطريرك إلى “فكّ أسر الشرعية” في لبنان. كان “فكّ أسر الشرعية” في أهمّية كلام البطريرك عن “الحياد”، وهو كلام كرّره للأحد الثالث خلال عظة قدّاس الأحد في الديمان.

على من يريد أن يضحك جبران باسيل؟ هذا هو السؤال الكبير في وقت ليس لديه ما يجيب به عن السؤال الأهمّ عن الكهرباء. كيف أنّ لبنان من دون كهرباء في حين أنّ حزبه يسيطر على وزارة الطاقة منذ 12 عاماً. الأكيد أن ليس لدى صهر رئيس الجمهورية أيّ جواب حقيقي عن ايّ سؤال باستثناء الكلام العام الذي لا قيمة تذكر له، والذي لا يفسّر مسؤوليته الشخصية ومسؤولية الذين استثمروا فيه، على رأسهم “حزب الله”، عن زيادة الدين العام بما يزيد على أربعين مليار دولار بسبب الكهرباء.

الأخطر من ذلك كلّه غياب الحدّ الأدنى من الفهم السياسي لدى رئيس “التيار الوطني الحر” لما يدور في المنطقة والعالم. لا يستوعب أنّ لبنان لن يحصل على أيّ مساعدة من أيّ نوع في ظلّ هيمنة سلاح “حزب الله” على البلد. لا وجود لدولة عربيّة قادرة على مساعدة لبنان يمكن أن تقدم على خطوة في هذا الاتجاه ما دام “حزب الله” يتحكّم بالبلد، وما دام الحزب في وضع من يختار من هو رئيس الجمهورية المسيحي، ومن هو رئيس مجلس الوزراء السنّي. في الوقت ذاته لا توجد إدارة أميركية مستعدة لتقديم أيّ تسهيلات إلى لبنان، او حتّى السماح بذلك عبر المؤسسات الدولية، ما دام لبنان رهينة لدى إيران واداتها المحلّية.

لا يعي جبران باسيل أنّ صندوق النقد الدولي هو الملاذ الوحيد للبنان الذي لا يستطيع التزام الشروط التي سيفرضها الصندوق عليه. هذا عائد إلى سبب في غاية البساطة يتلخّص بأنّ “حزب الله” ليس مستعداً لرفع يده عن لبنان بما في ذلك عن المطار وميناء بيروت والمعابر بين لبنان وسوريا.

ما الذي بقي لدى جبران باسيل يراهن عليه؟ الجواب بكلّ بساطة أنّ هناك فكرة جديدة يجري الترويج لها عن أنّ الصين ستنقذ إيران من العقوبات الأميركية، وأنّ الاتفاق الذي تمّ توقيعه بين هذين البلدين، ومدّته 25 عاماً، سيقلب الموازين الإقليمية، وسيجعل من الصين قوّة داعمة لإيران ولأدواتها في المنطقة. وهذا يشمل في طبيعة الحال لبنان وقطاعات محدّدة مثل معامل الكهرباء أو ميناء سلعاتا الذي يمكن أن يصبح ميناء صينياً على البحر المتوسّط.

لا يدرك هذا العقل انّ ما صدر عن بشارة الراعي ليس كلاماً عادياً يقوله بطريرك كان يفضّل البقاء في موقف المتفرّج الذي يساير يميناً ويساراً

ستجيب الأيام والاسابيع المقبلة عن أسئلة كثيرة. من بين هذه الأسئلة، هل رهان جبران باسيل في محلّه؟ الجواب أنّ مثل هذا الرهان جزء من الحال المرضية التي يعاني منها كلّ شخص انتمى، وما زال ينتمي إلى ما يسمّى “التيّار العوني”.

لا يستطيع العقل “العوني”، هذا إذا كان هناك أصلاً أيّ عقل لدى المواطن “العوني”، التصالح مع الواقع لسبب في غاية البساطة. يعود ذلك إلى أنّه يظنّ أنّ اللبنانيين الآخرين أغبياء. أغبياء إلى درجة يمكن أن يصدّقوا أنّ جبران باسيل كان محايداً عندما تسلّم وزارة الخارجية ولم يكن صوت إيران في اجتماعات وزراء الخارجية العرب. أغبياء كي يصدّقوا أنّ ميشال عون الذي كان في قصر بعبدا بين 1988 و1990 كان على حقّ. راهن ميشال عون وقتذاك على صدّام حسين. لم يأخذ علماً حتّى بالنتائج التي ستترتّب على المغامرة الكويتية لصدّام.

في 2020، يظنّ العقل “العوني” أنّ الصين هي الحلّ. الصين ثاني أكبر قوّة اقتصادية في العالم، لكن لديها حسابات خاصة بها. الأهمّ من ذلك كلّه أنّها ليست جمعية خيرية.

لا يدرك هذا العقل انّ ما صدر عن بشارة الراعي ليس كلاماً عادياً يقوله بطريرك كان يفضّل البقاء في موقف المتفرّج الذي يساير يميناً ويساراً… لولا وجود قوى دولية، على رأسها الفاتيكان، تدرك تماماً ما الذي على المحكّ في لبنان، ومدى خطورة ذلك على مستقبل اللبنانيين وبلدهم عموماً، وعلى مستقبل المسيحيين على وجه الخصوص.

مرّة أخرى، مخيف ما فعله العقل “العوني” بلبنان وبالمسيحيين اللبنانيين على وجه التحديد!

مواضيع ذات صلة