ناصيف حتّي (2/2): لا استقرار بلا سياسة خارجية جديدة.. والمراهم لا تكفي

2021-11-21

ناصيف حتّي (2/2): لا استقرار بلا سياسة خارجية جديدة.. والمراهم لا تكفي

مدة القراءة 6 د.

كان وزير الخارجية والمغتربين السابق الدكتور ناصيف حتّي في فرنسا خلال الفترة التي سبقت اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط 2005 والذي كانت تربطه به صداقة متينة.

يروي لـ”أساس” أنّ “الفرنسيين كانوا حذّروا الرئيس الحريري مراراً من إمكانية اغتياله، وهم شعروا بصدمة هائلة جرّاء اغتياله، واعتبروه خسارة كبيرة”. يضيف: “كانت مرحلة حزينة”. كان حتّي يلتقي بالرئيس الحريري مراراً: “كان يمازحني قائلاً إنّ تحليلاتك دائماً متشائمة”، وأردّ عليه: “تحليلاتي يا دولة الرئيس مختلفة عن تمنّياتي، لكنّ قراءاتي للأوضاع تشاؤميّة”. يصف حتّي الحريري بأنّه “كان رجلاً ثاقب النظر، وشديد الموضوعيّة، ولديه صفة قيّمة هي القدرة على الاستماع والتفاعل. عندما كنت أزوره كنت أستمتع، سواء اختلفنا أو اتّفقنا، وخصوصاً أنّني كنت دوماً الطرف المتشائم وكان هو المتفائل”. يقول بأسى: “كان استشهاده صدمة لي على المستويات كافّة. عاطفيّاً لأنّني أحبّه جدّاً ولأنّه رجل دولة من الطراز الأول، وكان استشهاده خسارة كبرى للبنان”.

عُيِّن مديراً للمعهد العالي للدراسات والعلوم السياسية والإدارية في جامعة الروح القدس في الكسليك بين عاميْ 2016 و2019، وهو لا يزال أستاذاً غير متفرّغ في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط

بعد انتهاء مهمّاته في باريس في العام 2013، عاد إلى مصر ليكون مستشاراً للأمين العامّ لجامعة الدول العربية آنذاك نبيل العربي لمدّة سنة واحدة، ثمّ تمّ التجديد له سنويّاً طوال 7 سنوات مع عمرو موسى. بعدها انتقل إلى روما، حيث عُيِّن سفيراً وممثّلاً لجامعة الدول العربية لدى السلطات في إيطاليا ولدى حاضرة الفاتيكان، وبقي هناك عاميْن.

“تجربة إيطاليا رائعة، وكذلك تجربة الفاتيكان. فالفاتيكان هو بنك من المعلومات، خصوصا عن المنطقة العربية، ومن الحوار ومن القدرة والعمق والغنى في الاتصال الدبلوماسي. أقول دائماً إنّه يجب على لبنان أن يراهن بشكل خاص على دور للكرسي الرسولي”، يقول.

عُيِّن مديراً للمعهد العالي للدراسات والعلوم السياسية والإدارية في جامعة الروح القدس في الكسليك بين عاميْ 2016 و2019، وهو لا يزال أستاذاً غير متفرّغ في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط.

في عصارة خبرته الدبلوماسية يرى أنّه “لا يمكن أن يكون لبنان في محور بسبب الانشطار في داخله، وبسبب الانشطار في المنطقة ولعبة الجغرافيا السياسية. في الواقع اللبناني لا مجال إلا لأن نبلور سياسة خارجية مستقلّة ناشطة تكون توافقية وقادرة على أن تؤسّس لأن يكون لبنان جسر تواصل في المنطقة”.

ويحذّر من أنّه “إذا لم يحدث تعديل في السياسة الخارجية، ونحن ننتمي إلى العائلة العربية، وإذا لم ننسج علاقات سليمة قائمة على الصداقة والتعاون والاحترام المتبادل، على أن تكون للبنان أفضل العلاقات مع الجارتين الأساسيّتين تركيا وإيران، فلن نصل إلى استقرار”.

بعد انتهاء مهمّاته في باريس في العام 2013، عاد إلى مصر ليكون مستشاراً للأمين العامّ لجامعة الدول العربية آنذاك نبيل العربي لمدّة سنة واحدة، ثمّ تمّ التجديد له سنويّاً طوال 7 سنوات مع عمرو موسى

هل من انسحاب أميركيّ من المنطقة؟

يوجد تراجع أميركي من دون أن يعني انسحاباً كاملاً،. هناك انسحاب من ذلك الدور الذي كان قائماً، سواء في أفغانستان أو في العراق أو في بلدان أخرى، من دون أن يعني ذلك أنّ الولايات المتحدة الأميركية تركت المنطقة لأنّها لا تزال تصرّح إلى اليوم بأنّها ستُبقي على نقاط في قاعدة التّنف ومنطقة البوكمال، وهي بالنسبة إليها نقاط استراتيجيّة. إنّ الأولويّة الأميركية، اليوم بشكل خاص، هي في المحيطين الهندي والهادئ، ولا يعني ذلك انسحاباً كاملاً بل تغييراً.-

ماذا عن الوضع في سوريا؟

بالنسبة إلى سوريا، وكما كان يقول الصحافي البريطاني الراحل باتريك سيل، الذي كتب كتابه الشهير “الصراع حول سوريا”، فإنّها في الشرق الأوسط تشبه ألمانيا في أوروبا، فدمشق هي قلب الميزان، ومَن يسيطر على سوريا يمسك المنطقة. هناك شطرنج سوريّ تدور فيه صراعات مختلفة. لا يمكن تصوّر إيران وروسيا في المنحى ذاته، فالخلافات واسعة بينهما. يوجد اليوم صراع على ما أسمّيه “الجبنة السورية”، تواكبه عودة عربية أكثر من ضروريّة، لأنّ إخواننا العرب اقتنعوا بأنّ سياسة الحَرَد والبقاء جانباً لا تؤثّر، والانخراط المشروط هو المفيد.

– هل ستخرج أميركا من سوريا؟

أنا لا أعتقد بأنّ الولايات المتحدة الأميركية ستترك المنطقة كلّيّاً. توجد اليوم تفاهمات أميركية روسية واضحة في جنوب غرب سوريا، وتفاهمات كبرى روسية إسرائيلية، وهي جدّ واضحة. يتمّ العمل في سوريا اليوم بالقطعة. يجب على لبنان أن يكون يقظاً، وأن يهتمّ بمصالحه. يهمّ لبنان أن تتمتّع سوريا باستقرار فعليّ، وأن يبقى ضمن سياق عربي من أجل تطوير هذه العلاقات في اللحظة المناسبة.

– يُقال إنّه بعد انسحاب أميركا، ولو غير الكامل، سينفتح مجال لبزوغ قوى إقليميّة ستدير الوضع في المنطقة، فمَن هي؟

ليس من قوة إقليمية وحيدة تستطيع أن تدير الوضع في المنطقة. إنّ في المنطقة دوراً إيرانياً وتركياً ناشطاً، لكن أريد التذكير بأدوار السعودية ومصر والإمارات. لا يمكن أن ننسى أنّه في نهاية العقد الأول من القرن الـ21، حدث فراغ في النظام العربي بسبب انسحاب دور قيادي مشترك قام في لحظة من اللحظات على تفاهم ثلاثي مصري سوري سعودي. تفكّك هذا الحلف لعدّة أسباب وسط هجمة أيديولوجيّات دينية، فانفتح الباب ومُهِّد الطريق أمام قوّتين إقليميّتين غير عربيّتين للعب هذا الدور. إنّ الشرط الأساسي لعودة دور عربي فاعل، ولإقامة نظام إقليمي مستقرّ، هو تأسيس تفاهم عربي عربي يستطيع أن يتحاور مع الآخرين من موقع متوازن وليس من موقع متفرّق.

  يحكي بعض السياسيّين عن تدويل لبنان، وحتّى عن وضعه تحت الفصل السابع، هل هذا الطرح واقعيّ؟

لا يمكن الذهاب إلى الفصل السابع بهذه السهولة، ويكفي أن ترفضه دولة واحدة في مجلس الأمن ليسقط. لكنّ علاقاتنا كلّها مدوّلة، أي هي خارج الحدود. كلّ شخص لديه علاقات في الخارج يدوّل أزمة لبنان. يوجد في لبنان ما يُسمّى بـ”الحَوَل السياسي”.

إقرأ أيضاً: ناصيف حتّي: لا للتكلّم “فوق رأس” الدول كما حدث مع السعوديّة (1/2)

ما هي الحلول الممكنة؟

في الاقتصاد اللبناني أزمة بنيويّة علينا معالجتها. نشرت الإسكوا بحثاً يفيد بأنّ 74 في المئة من اللبنانيين يقعون تحت خطّ الفقر. إذا أخذنا الفقر المتعدّد الأبعاد تصل النسبة إلى 84 في المئة. لذا لا يكفي عقد تفاهم خارجي على الوضع في لبنان، أو اتفاق “طائف” خارجي، أو اتفاق “دوحة” خارجي، فسيبقى عندنا في هذه الحال خلل داخلي. لا يساعد الوضع الدولي كثيراً لأنّ الجائحة تسبّبت بأزمة اقتصادية لدى الجميع. الشرط الأساسي يكمن في التغيير في التركيبة السياسية والاقتصادية اللبنانية. الانتخابات النيابية قد تعطي إشارة، لكن لا ينتظرنّ أحد أن تأتي بانقلاب. لا يمكننا أن نستمرّ في سياسة المراهم، إذ علينا أن نتّجه نحو اقتصاد منتج عبر التصنيع الزراعي والتكنولوجيا وإقامة شبكة حماية اجتماعية. فالدولة اللبنانية أكثر دولة محايدة في العالم حتى إنّها لا تتدخّل في شؤون شعبها، وهذه مشكلة.

إقرأ أيضاً

مروان عيسى.. لاعب كرة السلّة الذي اقتحم جدار غزّة

حتى اللحظة لم تنعَه حركة حماس، أعلنت إسرائيل رسمياً عن “اغتياله”. وحده البيت الأبيض الذي سارع إلى تأكيد خبر وفاته. فمن هو “رجل الظلّ” كما…

مجاهد منصور.. اسم على مسمّى

كان وحده. لم يصحبه أحد. ولا هو صحب معه أحداً. فردٌ واحدٌ “دوّخ” إسرائيل سبع ساعات متواصلة. تحدّث عنه الإعلام الإسرائيلي كما لو كان يتحدّث…

فيروز تغنّي غزّة: أغنية راهنة… عمرها 50 عاماً

فيروز تغنّي غزّة؟ خبر انتشر كالنار في الهشيم، فملأ وسائل التواصل الاجتماعي وشغل الناس. فما القصّة؟   هل هي أغنية جديدة؟ هل حقّاً فيروز تغنّي…

“حلّل يا دويري”: لواءٌ محا “وصمة” سعيد والصحّاف

من هو اللواء فايز الدويري، الذي بات “نجماً” تلفزيونياً بعد حرب غزّة. وانتشرت جملة “حلّل يا دويري” عن لسان مقاتل غزّاوي، وفي أغنية خلّدتها. وكيف…