بعبدا تشكّ بنوايا قائد الجيش… والخبراء الدوليّون عنوان خلاف داخليّ؟!

مدة القراءة 7 د

أسبوعٌ مرّ على رمي رئيس الجمهورية كرة تعديل مرسوم الحدود البحرية الجنوبية في ملعب حكومة حسان دياب، سجّل خلاله ما يتجاوز بكثير الخطوة الرئاسية المعروفة نتيجتها سلفاً، وهي رفض رئيس حكومة تصريف الأعمال عقد جلسة لمجلس الوزراء تحت أيّ عنوان.

فرئيس الجمهورية وضع على الطاولة “ثلاثيّة”، تقفز فوق المطالبة باتّخاذ مجلس الوزراء قراراً بتعديل المرسوم 6433 شرطاً لتوقيعه، من خلال:

1 – التريّث في التوقيع حتّى لو أقرّت الحكومة المرسوم باعتبار أنّه “يملك صورة عن المعطيات ولي أن أقدّر الأوضاع في ضوئها”، كما قال في حديثٍ لجريدة “نداء الوطن”.

2 – ربط أيّ خطوة في شأن الترسيم البحري بحصول توافق وطني كبير باعتبارها قضية مرتبطة بالسلم والحرب. 

3 – المطالبة بالاستعانة بخبراء دوليّين في موضوع الترسيم البحري، الذي تؤكّد أوساط عون أنّه مطلب رئاسي حَظِي بالموافقة الأميركية.

في قصر بعبدا نجد من يتبنّى صراحةً “استفاقة الجيش متأخّراً على المساحة الإضافية المكتشفة عام 2013 من قبل الضابط في الجيش العقيد مازن بصبوص، والبالغة 1430 كلم مربعاً، وطرحها لاحقاً عام 2019 على نحوٍ يثير الريبة وكان من نتيجته توقّف المفاوضات فوراً

هنا يصحّ التساؤل: هل تنتهي هذه المطالبة كما انتهى مسعى استدعاء شركة دولية للتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان؟

تؤكّد مصادر رئاسة الجمهورية لـ”أساس” أنّ “عدم التوقيع في مسائل معيّنة يحمل أحياناً أبعاداً سيادية ووطنية مثل التوقيع تماماً. وفي مسألة الحدود البحرية جنّب ميشال عون لبنان مضاعفات محتملة لهذا الملفّ، تبدأ بتوقيع وقد تنتهي بحرب مع إسرائيل. ولذلك كان استمرار التفاوض أمراً مطلوباً وملحّاً، وهذا الأمر يشكّل مانعاً أمام العدوّ للقيام بأي إجراءات أحادية تضرّ بالمصلحة اللبنانية بعكس ما يُروَّج له من أنّ التوقيع سيجرّ إسرائيل إلى طاولة التفاوض مجدّداً”.

هذا الجواب لا يلغي السؤال. ألم تكن هذه المعطيات متوفّرة قبل توقيع رئيس الحكومة ووزيرا الأشغال والدفاع؟

تغيير لهجة بعبدا

عملياً قيادة الجيش هي أكثر المدافعين عن ضرورة توقيع المرسوم على أنّه مدخل العودة إلى طاولة التفاوض!

هكذا، أبعد ممّا اعتبرته بعبدا “فخّاً نُصِب لرئيس الجمهورية عبر إحراجه في زاوية التوقيع على قرار بالغ الأهمية والخطورة ومشوب بعيب دستوريّ كبير بعد تحويله إلى الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية مرفقاً بموافقة لم تحصل من مجلس الوزراء على القرار”، فإنّ ما خفي بين سطور ردّة الفعل الرئاسية هو تحميل جزء من المسؤولية لقيادة الجيش أيضاً.

ففي قصر بعبدا من يتبنّى صراحة “استفاقة الجيش متأخًرًا على المساحة الإضافية المكتشفة من قبل الضابط في الجيش العقيد مازن بصبوص والبالغة 1430 كلم مربع ومحاولة جرّ رئاسة الجمهورية إلى اتّخاذ إجراءات غير قانونية ولا قيمة دولية لها كإرسال رسالة إلى الأمم المتحدة تفيد بتغيير الإحداثيات. كما أنّ طرح الخط 29  من قبل الوفد اللبناني كان من نتيجته توقف المفاوضات بعد أربع جولات من التفاوض”.

في هذا الإطار بَرَز التضارب الواضح بين بعبدا واليرزة. فبعبدا رأت في التوقيع تهديداً حقيقيّاً قد ينهي التفاوض بضربة قاضية، فيما سعت قيادة الجيش إلى تسريع التوقيع على المرسوم، معتبرةً أنّه المدخل لفرض أمر واقع على العدوّ الإسرائيلي مع بدء شركة “إنرجين” اليونانية في حزيران المقبل التنقيب في حقل كاريش، الذي يدخل ضمن المنطقة المتنازع عليها.

وقد ذهب الأمر إلى حدّ اتّهام جهات قريبة من جبران باسيل”قائد الجيش بأنّه “دسَّ السمَّ في صحن الترسيم البحري عبر التناغم مع الجهات التي ربطت بين رفض توقيع عون على المرسوم المفخّخ وبين ملفّ العقوبات المفروضة على رئيس التيّار، في وقت كان ديفيد هايل يزور بيروت، ومن خلال الضغط لتوقيع مرسوم يفتقر إلى القوّة الدستورية ويمكن أن يعرّض رئيس الجمهورية لملاحقة قانونية بتهمة خرق الدستور في الداخل والخارج”.

الرئيس نبيه بري والرئيس المكلّف سعد الحريري وحزب الله لم يتبنّوا، بدرجات متفاوتة، قضية تعديل المرسوم 6433 الصادر عام 2011، وكلٌّ لأسبابه

لكنّ المطّلعين على موقف الجيش يجزمون أنّ “القيادة العسكرية تحرّكت من منطلق سيادي بحت نَقَل حقوق لبنان في مياهه من الخطّ 23 إلى الخط 29 بزيادة 1430 كلم مربعاً، فيما فرملة توقيع المرسوم من دون ضمانات أو مؤشّرات لمعاودة التفاوض قريباً أضعَفَت موقف لبنان وخلقت حالة إرباك لدى الوفد المفاوض بعدما كان الأخير قد وضَعَ أمام الإسرائيلي حقائق علمية وتقنية وخرائط يصعب تجاهلها وتُبرِز حقّ لبنان بـ2290 كلم مربعاً من مياهه، وليس 860 كلم مربعاً وفق المتّفق عليه سابقاً”.

 

لماذا تراجع عون؟

ويتخوّف هؤلاء من أن تكون “حسابات “فوق العادة” قادت إلى تعديل الدعم الرئاسي للمرسوم بعد التبنّي الكامل له”، مستغربةً “تشكيك الطرف الرئاسي، ومن خلفه باسيل، في الدراسة البريطانية التي تماهت مع دراسة الجيش تماهياً كبيراً معها لتأكيد حقوق لبنان بالخط 29، ثمّ جاءت المطالبة بخبراء دوليين قد لا يتوافق اللبنانيّون على الاستعانة بهم، ولا أحد يعرف المدّة التي سيستغرقها عملهم والكلفة التي سيتكبّدها لبنان، فيما الوقت يلعب حتماً لصالح إسرائيل”.

وفيما تسيطر العبثيّة الكاملة على مواقف القوى السياسية في جميع الملفّات، برز أخيراً التقاطع بين عون وخصومه على تجاهل المرسوم.

فالرئيس نبيه بري والرئيس المكلّف سعد الحريري وحزب الله لم يتبنّوا، بدرجات متفاوتة، قضية تعديل المرسوم 6433 الصادر عام 2011، وكلٌّ لأسبابه. ثمّ انضمّ لاحقاً عون، بعد حماسته له، إلى قافلة معارضيه “حتّى لو أقرّته الحكومة مجتمعةً”، مقدّماً خيار الاستعانة بخبراء دوليّين والركون إلى قانون البحار والطلب إلى المجتمع الدولي إلزام إسرائيل عدم القيام بأعمال تنقيب في حقل كاريش وفي المياه المحاذية، وجازماً أنّ “واشنطن تؤدّي دوراً تسهيليّاً في استئناف المفاوضات”.

في المقابل، اعترضت التوافقَ الوطنيَّ على الترسيم البحري، الذي تنشده رئاسة الجمهورية، عقباتٌ عدّة، أبرزها:

– حكومة تصرّف الأعمال ترفض رفضاً مطلقاً عقد جلسة لمجلس الوزراء، وكلّ وزير فيها يغنّي على ليلاه.

– رأي عام يحمّل رئيس الجمهورية مسؤولية رفض التوقيع على المرسوم خوفاً “على مستقبل جبران باسيل السياسي ومن أجل استخدام ورقة الحدود البحرية في بازار التفاوض مع الأميركيين”.

– تشكيك جهات سياسية، حتّى في محور “الممانعة”، في كون ورقة المرسوم 6433 هي للتعطيل لا للتسهيل واسترجاع الحقوق.

– إضافة إلى تساؤلات جدّيّة تحيط بموقف حزب الله الصامت الأكبر حيال قضية يُفترض أن تكون على رأس جدول خطابه وأعماله.

إقرأ أيضاً: بعبدا تتملّص: كلّ المصائب من رياض سلامة.. “ما خصّنا”

لكنّ الأهمّ: هل يمكن لحكومة الاختصاصيين المقبلة أن تتبنّى حقوق لبنان في المنطقة المتنازع عليها؟

بيان الهيئة السياسية للتيار الوطني الحر أشار، أمس، إلى “الارتدادات المسيئة والمؤذية لأيّ قرار غير متأنٍّ يتّخذه لبنان”.

وقال البيان إنّ “رئيس الجمهورية هو من نركن إليه في اعتماد السياسة الصالحة التي تسمح لنا باستثمار ثرواتنا وتمنع عنّا ضياع الفرص والأضرار الناتجة عن ذلك. لا ينفعنا التخاذل ولا الشعبوية، ولا تجدينا المزايدة بل المسؤولية الوطنية”. وقد فسّره البعض بأنّه رسالة تتجاوز القوى السياسية إلى قيادة الجيش التي أصرّت على توقيع المرسوم 6433 عبر الحديث عن “الشعبوية والمزايدة”. أمّا في الكواليس الباسيليّة فيُقال كلامٌ أكبر بكثير! 

مواضيع ذات صلة

برّي والرّئاسة: Now or Never

ما كادت تمرّ أيّام قليلة على الإطاحة بالنظام السوري، حتى ظهرت أوّل تداعيات “الانقلاب الكبير” على الرقعة اللبنانية، في شقّها الرئاسي: انقلبت أدوار القوى السياسية،…

لعبة الـ65 تقلب السّحر على السّاحر؟

قال رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع إنّه إذا توافرت له فرصة الحصول على 65 صوتاً في المجلس النيابي، فقد يترشّح لرئاسة الجمهورية. هذا ليس…

الزلزال السوري: الخليج مرتاح لسقوط الأسد وقلقٌ من “العثمنة”

“ترحيب مشوب بالحذر وارتياح مع ترقّب”… مختصر الموقف الخليجي العامّ تجاه تطوّرات الأوضاع في سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد. فدول مجلس التعاون، التي ساندت…

“عصِر” أسماء قبل جلسة 9 كانون الثاني

دَخَلت جلسة التاسع من كانون الثاني مدار “الإعصار” الذي ضَرب لبنان وسوريا لجهة السؤال الكبير حول جدّية انتخاب رئيس الجمهورية وسط الفوضى العارمة في المنطقة،…