أميركا “السوفياتية”: متعدّدو الأعراق هزّوا عرش “البيض”

2021-02-12

أميركا “السوفياتية”: متعدّدو الأعراق هزّوا عرش “البيض”

مدة القراءة 5 د.

مونيكا دافي توفت (فورين بوليسي)

 

يشهد العالم تغيّرات ديموغرافية تنحو إلى تحويل من كانوا يشكلون الغالبية إلى أقلية. يفترض بأنّ هذه التحوّلات تحمل مخاطر مهمة، بالنظر إلى الهوية الوطنية الأساسية لبلد معيّن، والتي تعمل دومًا السلطة لتحافظ عليها بمواجهة تحديات الأقليات المتزايدة. ولا تكمن المشكلة فقط في أنّ المجموعة القديمة تريد تجنّب تقاسم السلطة، بل في اعتقاد الجماعة القديمة أنّها ستُستَبعد من السلطة، تمامًا كما كانت تستبعِد المجموعات الأخرى سابقًا. وهي بدورها ستقاوم، إما بمهارة من خلال التلاعب الانتخابي أو في ممارسة القمع والعنف.

هذه المعادلة تنطبق على العراق في العقدين الأخيرين، حيث حكم الشيعة العرب على حساب السنّة فجأة، الذين كانوا هم الحاكمين سابقاً. وكذلك الأمر في الاتحاد السوفييتي، حيث كانت الأغلبية الروسية السلافية تخشى من أن تتحوّل إلى أقلية في السبعينيات.

اليوم، أصبحت الولايات المتحدة  التي كان يحكمها الذكور البيض البروتستانت، مجتمعًا يغلب عليه طابع متعدّد الأعراق والأديان ومنفتحًا على النوع الاجتماعي. في هذا الشأن، يجب الاتعاظ من المثال السوفياتي. إذا لم تكن الولايات المتحدة حريصة حول كيفية إدارتها لعملية الانتقال، فقد تنهار أيضًا، وقد لا يكون سقوطها سلميًا، على غرار ما حدث في أعمال شغب الكابيتول في 6 كانون الثاني، حين اقتحم أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب قاعات السلطة.

يشهد العالم تغيّرات ديموغرافية تنحو إلى تحويل من كانوا يشكلون الغالبية إلى أقلية. يفترض بأنّ هذه التحوّلات تحمل مخاطر مهمة، بالنظر إلى الهوية الوطنية الأساسية لبلد معيّن، والتي تعمل دومًا السلطة لتحافظ عليها بمواجهة تحديات الأقليات المتزايدة

مع استثناء ملحوظ لجوزيف ستالين (من أصل جورجي)، أنتجت أساطير الاتحاد السوفييتي وروايات الهوية الوطنية أبطالًا كانوا من السلاف الروس الأرثوذكس، وكانوا من الذكور بشكل حصري تقريبًا. كان الاعتقاد بأنّهم حققوا الإنجازات البطولية بسبب جنسهم وأصلهم القومي وإيمانهم. وأدّى هذا إلى تكوين أسطورة حصرية ومعززة ذاتيًا لم تترك مجالًا صغيرًا للأقليات في الاتحاد.

 وحتّى في أيامه الأولى، كان الاتحاد السوفييتي موطنًا لمئات من الجماعات العرقية واللغوية والدينية المتميزة. لكنّ المشكلة برأي جورج أورويل – وهنا نستشهد برأيه – أنّه على الرغم من تساوي جميع المجموعات العرقية السوفييتية رسميًا، فإنّ بعض المجموعات العرقية، التي عنى بها السلاف الروس، كانت تنعم بالمساواة أكثر من غيرها.

عمل النظام جيدًا بما يكفي لبضع سنوات لصالح موسكو. لكن بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت بيانات التعداد السوفييتي في تسجيل اتجاه مقلق للحرس القديم. كان السلاف، المتمركزين في المناطق الحضَرية الرئيسية التي تتمتع بفرص أفضل للحصول على التعليم العالي والتوظيف، لا ينجبون الأطفال بقدر ما يفعل الشيشان والتتار والأوزبك. في الوقت نفسه، بدأ متوسط ??العمر المتوقّع للرجال السلافيين في الانخفاض بسبب انتشار تعاطي الكحول. وهذا ما جعل شريكاتهم، ومعظمهنّ يعملنَ بدوام كامل، يتردّدن بشكل متزايد في تأسيس أسرة أو توسيعها.

حتّى في أيامه الأولى، كان الاتحاد السوفييتي موطنًا لمئات من الجماعات العرقية واللغوية والدينية المتميزة

في البداية، تم ببساطة تزوير الإحصائيات الديموغرافية الفعلية ونشرها للجمهور، وهي ممارسة شائعة جدًا في البلدان الاستبدادية. لكن بحلول منتصف السبعينيات من القرن الماضي، كان الزوال الديموغرافي للأغلبية السلافية في الاتحاد السوفياتي مصدر قلق سياسي كبير للغاية بحيث لا يمكن إخفاؤه. نتائج تعداد عام 1979، التي أظهرت أنّ معدّلات المواليد السلافية لم تكن مواكبة لمعدلات المواليد غير السلافية، ولا سيما المسلمين، لم تُنشر لمدة خمس سنوات، حتّى مع تكثيف الحكومة جهودها لرفع معدل المواليد بين السلاف وتخفيف المعدّلات بين الآخرين.

إقرأ أيضاً: النازيون عادوا إلى ألمانيا بثياب الشرطة

لكنّ السياسات المؤيدة لزيادة المواليد بين السلاف أتت بمخاطر غير متوقعة. أصبحت النساء من جميع المجموعات العرقية من المساهمين الرئيسيين في الاقتصاد الرسمي غير الزراعي. لهذا السبب، فإنّ محاولات تشجيع النساء السلافيات على الزواج في سنّ صغيرة وإنجاب ثلاثة أو أربعة أطفال ساهمت في تهديد الإنتاجية الاقتصادية السوفييتية الهشّة. وجعلت الحرب الخاسرة في أفغانستان الأمور أكثر سوءًا. وحلّ اضطراب ما بعد الصدمة مع تعاطي الهيرويين والأفيون بين الشباب على رأس بلاء إدمان الكحول. وهكذا واجه المكتب السياسي ضغوطًا متزايدة لتبنّي الإصلاحات الاقتصادية، بهدف مواكبة الغرب، ولكن أيضًا لتحرير النساء السلافيات من أجل إنجاب المزيد من الأطفال.

أدّى هذا الضغط إلى صعود المصلح الاقتصادي الشاب ميخائيل غورباتشوف، الذي لم يثنه الاقتصاد المخطّط وتراجع عدد سكان السلاف عن ابتكار سياستين أساسيتين: الانفتاح وإعادة الهيكلة.

 

 

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا 

إقرأ أيضاً

الحزب رفض ورقة فرنسا.. وينتظر ورقة هوكستين..

في ظلّ التصعيد الآخذ بالتمدّد، سواء في رفح أو في جنوب لبنان، فإنّ لمواكبي مباحثات القاهرة وما تشهده من اتّصالات ولقاءات على هامشها رأياً يقول…

الجماعة الإسلاميّة والسلطة.. بين الاعتدال الإخوانيّ وراديكاليّة الملالي

منذ انهيار السلطنة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى، وتفكّك نظام الخلافة إلى دول وكيانات وطنية، بدأت تيّارات الإسلام السياسي بالظهور تباعاً، وكان أوّلها جماعة الإخوان…

“زجل” نيابي في جلسة المليار…

“متل الولاد الصغار”. بهذه العبارة انتقد النائب جبران باسيل أمام زواره تحرّكات “القوات اللبنانية” مؤخراً التي يراها copy paste  عن تحرّكات نواب وقياديّي التيار الوطني الحر لجهة…

استطلاع: انتفاضة الجامعات الأميركيّة لا تضرّ بايدن

انتفاضة طلاب الجامعات الأميركية الرائدة احتجاجاً على المذبحة في قطاع غزة، الجارية حتى اللحظة بتمويل أميركي وسلاح أميركي، لم يشارك فيها سوى نسبة ضئيلة من…