الجماعة الإسلامية بعد الانتخابات (2): تنافس إيرانيّ – تركيّ

مدة القراءة 5 د

مع طيّ صفحة الانتخابات النيابية، تعود الجماعة الإسلامية إلى استحقاقاتها الداخلية لتباشر مرحلة تنظيمية جديدة تنتخب فيها أميناً عامّاً وتعيد تشكيل المكاتب والدوائر السياسية والإدارية، بعد انتهاء ولاية الأمين العامّ عزّام الأيّوبي وفريقه وقرب انتهاء فترة التمديد الاستثنائي لهم لاستكمال خوض الاستحقاق النيابي.

مع اقتراب الأوّل من شهر تموز تدخل مؤسّسات الجماعة مرحلة الإعداد للانتخابات الداخلية، التي تظهر فيها محاوِر وتيارات متناقضة ومتقابلة ستعبِّر عن نفسها من خلال المرشّحين ومساراتهم السياسية وخياراتهم المحليّة والإقليمية.

يُتوقّع أن تنطلق الانتخابات الداخلية للجماعة في الأوّل من تموز المقبل، وهي تمرّ بمراحل حسب التوقيت والمناطق، مع تسجيل محاولات لتمديد ولاية القيادة الحالية حتى نهاية العام.

في الجماعة من يفضّل وصول الشيخ عمّار لتجنّب سياسة المواجهة مع “حزب الله”، ليس بالضرورة لأنّ عمّار مقرّب من الحزب، لكن لأنّه غير مستفِزّ له

في مقاربة واقع الجماعة، يمكن الحديث عن عنوانين بارزين:

ــ الانتخابات وأبرز المرشّحين.

ــ البُعد الإقليمي في الترشيحات والانتخاب.

يبرز في سباق الوصول إلى الأمانة العامّة للجماعة اسمان يشكّلان دائرة التنافس الأعلى، من دون أن يعني ذلك انعدام حظوظ البقيّة، لكنّ تنافسهما يأخذ أبعاداً سياسية ذات طابع خارجي، نظراً إلى طبيعة كلٍّ منهما وتوجّهاتهما الشخصية والعامّة، وهما:

– الشيخ محمد الشيخ عمّار.

– والشيخ أحمد العمري.

في هذا الإطار، تظهر نقطة نقاش محورية: هل تقرّر القاعدة الناخبة للجماعة إيصال أمين عامّ منكفئ على الداخل لإعادة ترميمه ويهادن الخارج ويساير التوجّه الداعي إلى الانفتاح على “حزب الله”؟ أم تختار أميناً عامّاً يدعو إلى مواجهة الحزب ويرفض السياسات الإيرانية ويعتبرها خطراً على الوجود السنّيّ في المنطقة؟ ليكون هذا العنوان أساساً في استعادة العصب وتعزيز الهويّة السنّيّة المناهضة للمحور الإيراني.

بهذه المقاربة يظهر البعد السياسي للانتخابات الداخلية في الجماعة، ومن دون أن تكون هناك برامج معلنة للمرشّحين. بل يتجنّب المسؤولون في الجماعة فتح النقاش في هذه المسألة ويعملون على أساس أنّ المسألة تنظيمية بحتة، لكنّ استقراء شخصيات المرشّحين الظاهرين يؤدّي إلى المقاربة السياسية التي ذكرناها.

أبرز المرشّحين للأمانة العامّة

ــ الشيخ محمد الشيخ عمّار: الرئيس الحالي لمجلس الشورى.

يعتبر بعض القياديين الفاعلين في الجماعة أنّ عمّار هو مرشّح وسط، وانتخابه مؤشِّر إلى عودة الاهتمام بالبيت الداخلي للجماعة من أجل إعادة ترميمه وتنظيمه، وانتخابه لا يشكّل مدخلاً لتحديات لا يريد البعض في الجماعة خوضها، وخاصة إشكالية العلاقة بـ”حزب الله” ومن ورائه إيران.

ــ الشيخ أحمد العمري: هو من الشخصيّات الفاعلة في الجماعة. يحمل الجنسيّة التركية، وله صلات بجمعيّات تركية تنشط في لبنان في مجال المساعدات الإغاثية، وله مواقف واضحة من طغيان “حزب الله” على الحياة السياسية ومن عدوانه على الشعب السوري. وهو رئيس دوريّ لهيئة علماء المسلمين، ومشارك مثابر في المؤتمرات العلمائيّة التي تنعقد في تركيا ودول الخليج.

ــ الشيخ مصطفى الحريري: من صيدا.

ــ الشيخ سامي الخطيب: من البقاع.

ــ الشيخ عمر حيمور: من البقاع، وهو نائب الأمين العامّ للجماعة.

من الواضح أنّ القيادة الحالية للجماعة لديها علاقة وثيقة بـ”حزب الله”، والمؤشّر هو عدم انقطاع التواصل على الرغم من الحرب السورية وكلّ جرائم إيران في العالم العربي

في الجماعة من يفضّل وصول الشيخ عمّار لتجنّب سياسة المواجهة مع “حزب الله”، ليس بالضرورة لأنّ عمّار مقرّب من الحزب، لكن لأنّه غير مستفِزّ له، وهناك مَن يدفع إلى وصول الشيخ العمري، لتحديد الخصوم من الحلفاء، خاصة أنّ الحزب بات يدخل إلى معاقل الجماعة في طرابلس وعكار وبيروت، وينافسها مخترقاً القواعد الشعبية، وهذا ستكون له آثاره في الانتخابات المقبلة.

نقاشات على مفارق التحوّلات الداخليّة والإقليميّة

يدور النقاش الأعمق في الجماعة حول علاقاتها الإقليمية، بما لها من ميزات قوّة وعناصر ضعف، خاصة أنّ تاريخ الجماعة مبنيّ على الرماديّة في المواقف الداخلية والخارجية، أو ربّما تكون هذه هي الوسيلة المعتمَدة لتجنّب الاصطفاف الإقليمي.

من الواضح أنّ القيادة الحالية للجماعة لديها علاقة وثيقة بـ”حزب الله”، والمؤشّر هو عدم انقطاع التواصل على الرغم من الحرب السورية وكلّ جرائم إيران في العالم العربي، ولديها قناة ناشطة تعمل مع الرئيس نبيه برّي، وقرار انتخابه إشارة إلى هذا التقارب البعيد عن الإعلام. لكنّ الأهمّ في هذا البحث هو التأثير المحتمل للحزب في اختيار الأمين العامّ للجماعة وتوجيه البوصلة لضمان تحييد خصومه داخل الجماعة.

تُظهر إشاراتٌ أخرى ذات بُعد إقليمي وجود توجّهات تركية مستجدّة محتملة في ضوء التحوّلات الدولية بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وانعكاساتها الإقليمية، وتحديداً في سوريا، حيث تعمل أنقرة على تثبيت وتحديد سيطرتها في الشمال السوري. وقد تبدأ خطوات استعادة نشاطها في لبنان، بالتوازي مع التفاهمات الجارية مع دول الخليج، وخاصة في ضوء زيارة وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تركيا.

إقرأ أيضاً: ورشة “الجماعة” بعد الانتخابات(1): تفعيل الحزب السياسي

هل يشكّل ترشيح الشيخ أحمد العمري نقطة اهتمام تركي، فيحصل اندفاع إيراني لدعم الشيخ عمّار ليكون التنافس داخل الجماعة شكلاً من أشكال التنافس التركي الإيراني داخل جماعة الإخوان المسلمين في لبنان، كما هو حاصل في أقطار أخرى؟

أم تبقى هذه المقاربة نظريّة وتمرّ انتخابات الجماعة بدون هذا الكباش المتوقَّع؟

مواضيع ذات صلة

“عصِر” أسماء قبل جلسة 9 كانون الثاني

دَخَلت جلسة التاسع من كانون الثاني مدار “الإعصار” الذي ضَرب لبنان وسوريا لجهة السؤال الكبير حول جدّية انتخاب رئيس الجمهورية وسط الفوضى العارمة في المنطقة،…

الحلم السعودي حقيقة: المملكة تستضيف مونديال 2034

موعد جديد تضربه السعودية مع التاريخ بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده، الأمير محمد بن سلمان. هو موعد مع كرة القدم، حيث تحوّل…

تموضعات انقلابيّة لبنانيّاً بعد الزلزال السّوريّ؟

تسارعت الأحداث إلى حدّ إحداث زلازل متتالية لم تنتهِ بعد. ففيما كان خصوم “الحزب” يرصدون بدء تفكيك البنى التحتية العسكرية للمقاومة “بدءاً من جنوب الليطاني”،…

سرّ اجتماع غازي عنتاب الذي “أسقط” الأسد

حملت الساعات الأخيرة التي سبقت سقوط النّظام السّوريّ السّابق ورئيسه بشّار الأسد اجتماعات علنيّة وسرّيّة لمناقشة مرحلة ما بعد الأسد. أبرزها اجتماع شهدته مدينة غازي…