“الجماعة” والانتخابات (2): هذا ما جنته الصراعات التنظيميّة

مدة القراءة 6 د

أقدمت قيادة الجماعة الإسلامية على مغامرة سياسية لا تخلو من المخاطرة، حين قامت بترشيح قيادات الصفّ الأوّل، وعلى رأسها الأمين العامّ وأعضاء المكتب السياسي، في ظروف سياسية لا تبدو مؤاتية لها، لا من حيث الإمكانات ولا من حيث التحالفات، فهل يعود ذلك إلى خلوّ الجماعة من الكفاءات خارج القيادة السياسية، أم يتعلّق الأمر بالحسابات والبحث عن فرص الفوز الانتخابية؟

إذا استعدنا تجارب الجماعة الإسلامية النيابية، منذ العام 1992، عندما فاز مرشّحوها الراحل الدكتور فتحي يكن عن طرابلس، والمحامي أسعد هرموش عن الضنّية، والدكتور زهير العبيدي عن بيروت، مروراً بنيابة خالد الضاهر، وانتهاءً بنيابة عماد الحوت، فستبدو التجربة ضئيلة الحصاد، خاليةً من أيّ توسيع للقاعدة الشعبية أو النخبوية.

ضاعت البوصلة لدى الجماعة بين رفضها التحالف مع الأحزاب وبين الانخراط في لوائحها، وهذا أمرٌ يترك أثره بشكل جدّيّ على قواعد الجماعة

فهل فشل الجماعة عائدٌ إلى كونها تتعرّض للضغوط باعتبارها جزءاً من جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، أم يعود السبب إلى عوامل ذاتية، أم هما الأمران معاً؟

الواقع أنّ امتداد الجماعة الإخواني لم يمنع فوزها بأوّل كتلة نيابية، وكان خطابها في تلك المرحلة منسجماً مع واقع السيطرة السورية، بعدما انتهت مراحل المواجهة واستتبّ الأمر للنظام السوري في لبنان. وكانت الجماعة تتحرّك بسهولة في الأفق السياسي، ولم تكن بعيدة عن مراكز السلطة في الكثير من الأحيان.

يذكر المتابعون العلاقة الوثيقة التي ربطت النائب السابق أسعد هرموش بوزير الطاقة والمياه الأسبق إيلي حبيقة وزياراته للضنّية وحكاية سدّ نبع السكّر، التي جسّدت محاولة الجماعة الانخراط في المنظومة السياسية لإثبات قدرتها على تقديم الخدمات في مناطق تمثيلها، لكنّ تلك المحاولة انتهت بكارثة نظراً إلى فشل السدّ.

واليوم، تدير قيادة الجماعة التفاوض الانتخابي وسط علامات استفهام كبيرة عن جدواه في الكثير من المناطق.

 

البوصلة الضائعة

في البقاع الغربي انخرطت الجماعة في تحالف مع الحزب التقدّمي الاشتراكي وتيار المستقبل بشكل غير رسمي، من خلال لائحة ضمّت النائب محمد القرعاوي والنائب وائل أبو فاعور ومرشّح الجماعة الإسلامية علي أبو ياسين عن المقعد السنّيّ الثاني.

ضاعت البوصلة لدى الجماعة بين رفضها التحالف مع الأحزاب وبين الانخراط في لوائحها، وهذا أمرٌ يترك أثره بشكل جدّيّ على قواعد الجماعة.

 

مشكلة صيدا

في صيدا، تسرّبت معلومات موثوقة عن مفاوضات جرت بين الجماعة الإسلامية ولائحة التنظيم الشعبي الناصري برئاسة الدكتور أسامة سعد والدكتور عبد الرحمن البرزي، تناولت إمكانية انسحاب الجماعة وإعلانها دعم هذه اللائحة، مقابل تعهّدهما بدعم حصول الجماعة على رئاسة بلدية صيدا.

لكنّ المعلومات تفيد أنّ التفاوض فشل لأنّ سعد والبزري قبلا إعطاء الجماعة ثلث المجلس البلدي فقط، بينما تمسّكت الجماعة بالرئاسة.

واجه هذا الخيار إشكالية إضافية تمثّلت في رفض قواعد الجماعة لمثل هذا الاتفاق، وهو ما كان سيؤثّر على مدى التزامها بتطبيقه في الدعم الانتخابي.

وأمام انسداد الأفق في تشكيل لائحة أو الانضمام إلى لائحة تحالفيّة، أعلنت الجماعة الإسلامية في صيدا عن سحب مرشّحها بسّام حمّود من السباق الانتخابي، لافتة إلى أنّها تُجري تقييماً لإمكانية توجيه أبنائها وجمهورها إلى اختيار مَن تراه خياراً ممكناً في هذه المرحلة الدقيقة.

وبخروج الجماعة من السباق الانتخابي في الجنوب، وقبله عكّار، يصبح البحث عن مآل المسار السياسي للجماعة بعد الانتخابات، في ضوء المخاطر الانتخابية المحدقة بها.

برزت الصراعات التنظيمية داخل الجماعة ببعدها الانتخابي من خلال اشتعال الخلاف بين أحمد الجردلي، وبين الشيخ محمد عمّار

الخلافات الداخليّة

في سياق موازٍ، برزت الصراعات التنظيمية داخل الجماعة ببعدها الانتخابي من خلال اشتعال الخلاف بين أحمد الجردلي، المشرف على مؤسسات الجماعة وأموالها، وبين الشيخ محمد عمّار أبرز رموز الحرس القديم ورئيس مجلس الشورى السابق، ومسؤول التنظيم العامّ السابق في الجماعة.

منذ أشهر، كان الجردلي يوجّه انتقادات حادّة لقيادة الجماعة على مدى ثلاث دورات انتخابية داخلية، مشكّلاً أحد أعمدة المعارضة الشرسة للقيادة الحالية.

في انتخابات المكاتب الإدارية الأخيرة في المناطق، بلغ الانقسام ذروته في صيدا والجنوب، ولم تستطع الانتخابات الداخلية أن تحسم الموقف، فكانت تسوية قضت بأن يجري فصل مكتب صيدا عن محافظة الجنوب، بعدما كان مكتب صيدا، تاريخياً، هو مكتب المحافظة في الوقت نفسه. فسيطر الشيخ محمد عمار على مكتب المحافظة، عبر الشيخ مصطفى الحريري، بينما استحوذ أحمد الجردلي على رئاسة مكتب صيدا من خلال تعيين هاني الحريري، المحسوب عليه، رئيساً لمكتب صيدا الإداري في الجماعة، وهذا ما خلق ازدواجية غير مسبوقة في العمل التنظيمي، وانعكس مناكفات بين المسؤول السياسي بسام حمود وبين مصطفى الحريري مسؤول محافظة الجنوب الإداري.

يرخي هذا الانقسام بظلاله الآن على مسألة الترشيحات الانتخابية، وعلى مستوى مشاركة القواعد في الانتخابات التمهيدية. وفي إطار هذا الصراع، جاءت خطوة كفّ يد أحمد الجردلي وتجريده من صلاحيّاته الماليّة والإدارية.

 

إشكاليّة الغياب المدروس /أو/ المقصود

تتمثّل الإشكالية الانتخابية العميقة للجماعة في ركونها إلى أسلوب الترشيح قبل بضعة أشهر من الاستحقاق، بينما كانت تمارس الغياب المدروس، أو حتى المقصود، على مدار السنوات التي سبقت هذا الاستحقاق، ربّما للتهرّب من اتّخاذ المواقف الواضحة. ويعود السبب إلى عوامل ثلاثة:

ــ غياب المشروع السياسي التطبيقي الصالح للتنفيذ.

ــ وقوف الجماعة في المساحة الرمادية التي لا تتيح لها أن تكون جزءاً من تحالف يمكن أن يغطّي جزءاً من الخدمات للجمهور، ولو عن طريق المشاريع التي تقوم بها الجمعيّات مدعومةً من الجهات المانحة.

ــ غياب الإمكانات المالية بعد تراجع الدعم الخارجي، وتحوُّل مؤسسات الجماعة التربوية والصحية إلى مراكز نفوذ ومساحات صراع قانوني وتنظيمي.

إقرأ أيضاً: الجماعة الإسلامية والانتخابات: عوامل فشل الصفّ القيادي الأول (1)

لا تبدو الجماعة في مساعيها الانتخابية حاسمة في قدرتها على صياغة تحالفات تضمن لها دخول الندوة البرلمانية، بينما يبدو الجسم التنظيمي بحاجة إلى إعادة تنظيم وهيكلة ليتمكّن من مواكبة هذا العدد من المرشّحين، الذين يهدّد سقوطهم قيادة الجماعة التي قد تقف في مواجهة الفشل الأصعب منذ انتخابات العام 2000 عندما أدّى الصراع الداخلي مع الراحل الدكتور فتحي يكن إلى ترشّح المرحومة منى حداد، وإلى فشل الجماعة في إيصال أمينها العامّ الراحل المستشار فيصل مولوي إلى الندوة البرلمانية، على الرغم من رمزيّته وشخصيّته الجامعة.

مواضيع ذات صلة

سرّ اجتماع غازي عنتاب الذي “أسقط” الأسد

حملت الساعات الأخيرة التي سبقت سقوط النّظام السّوريّ السّابق ورئيسه بشّار الأسد اجتماعات علنيّة وسرّيّة لمناقشة مرحلة ما بعد الأسد. أبرزها اجتماع شهدته مدينة غازي…

اسقاط بشّار… ماذا عن “الحزب”؟

ما وَصَفه رئيس مجلس النواب نبيه بري بـ “الخطير جدّاً” حيال ما يحدث في سوريا، وبأنّه “مؤامرة متورّطة فيها قوى كبرى”، تعاطت معه معظم القوى…

نصيحة “جمهوريّة” لعين التّينة: رئيس بـ86 صوتاً… أو التّأجيل

لا تختلف الإدارتان، الديمقراطية والجمهورية، في مقاربتهما لمسار الحلّ في المنطقة. الفارق الوحيد بينهما هو الأسلوب. فبينما اعتمد الرئيس جو بايدن سياسة الجزرة ثمّ العصا…

البركان السّوريّ يُربِك الحكومة وتخوُّف من دورٍ لـ”الحزب”

مع عقد الاجتماع الرسمي التقنيّ الأوّل يوم الثلاثاء للجنة الإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار يدخل جنوب الليطاني، ومعه شمال الليطاني وصولاً إلى الحدود الشرقية…