ساتلوف لـ”أساس”: إيران تُريد الاحتفاظ بالحزب ليوم آخر..

مدة القراءة 7 د


الحقّ الفلسطيني المسفوح دماً وقتلاً وتهجيراً منذ أن قام الكيان الإسرائيلي على أنقاض فلسطين أعاده إلى الواجهة عبور “حماس” على أرض غزة وفيها يوم 7 تشرين الأول. كاد هذا الحقّ أن يتبدّد حتى في الصحف. فبعدما كان خبراً أوّل حلّ أخيراً أمام هول انبعاث التناقضات العربية التي ظهّرتها نتائج مفاوضات مدريد عام 1992 وما تلاها من اتفاقات جانبية. وحدها مبادرة بيروت العربية للسلام عام 2002 كادت أن تبعث القضية الفلسطينية لولا اغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لاحقاً.

عن حقٍّ وسويّةٍ سياسيّتين دخل يوم 7 تشرين من عام 2023 التاريخ ونسخ ما قبله. نهارٌ وسم السنة بأنّها “سنة حديد ونار”. فالحرب في غزة تكاد تبلغ مئة يومٍ إلا قليلاً و”لا راية بيضاء”. القتال هناك على مسافة صفر. هذا في الميدان. أمّا في السياسة فقد انقلبت المنطقة رأساً على عقب. ومعها كلّ العالم العربي والإسلامي. أعاد 7 تشرين الأول صلة الوصل بين فلسطين المحتلّة وبين العالمين العربي والإسلامي وما كاد يذوي بين الاثنين على مرّ السنين.

الأسئلة المؤجّلة إلى حين

الأسئلة المُلحّة عن الآتي من أيام تؤجّلها وقائع الراهن. حتى الساعة، لا جادّة واضحة للصواب السياسي. الطريق الأوضح هي القتال. سعير القتال لا يلغي بحالٍ من الأحوال السؤال الأصعب على الجميع: ماذا بعد؟ ما يعطي السؤال ذاته هو قتال شعب دفاعاً عن حقّه بالحياة ووفقاً لشروط الحياة الكريمة، ولا من مجيب. وما يحبطه أكثر فأكثر أنّ على الضفة الثانية جيشاً صنع دولة سمّاها إسرائيل، وهو من تلقّى الضربة يوم 7 تشرين الأول فاهتزّ خُلد شعبها باهتزازه. الأسئلة حتى الساعة مؤجّلة على ما يقول المُدير التنفيذي لـ”معهد واشنطن لدراسات الشّرق الأدنى” روبرت ساتلوف لـ “أساس”.

الحقّ الفلسطيني المسفوح دماً وقتلاً وتهجيراً منذ أن قام الكيان الإسرائيلي على أنقاض فلسطين أعاده إلى الواجهة عبور “حماس” على أرض غزة وفيها يوم 7 تشرين الأول

الأسئلة ليست محصورة بين مُتصارعَين. هي موزّعة على الجميع. لا بل أعادت الأمور إلى ما قبل اتفاقات أبراهام. إسرائيل التي قدّمت نفسها على أنّها ضمانة أمنيّة في المنطقة سقطت. اعتبار أنّها “سيليكون فالي” المنطقة ما عاد ذا اعتبار بعدما أجبرتها “حماس” على إقفال خطوط إنتاجها التقني من عسقلان إلى تل أبيب تحت وطأة الصواريخ التي لا تريح القبّة الحديدية في الدولة العبرية التي أرادت نفسها “وطناً قومياً آمناً لليهود” حصراً بقانون عنصري ما من مثيل له في العالم.

تشابكت كلّ عناصر الإقليم. “وحدة الساحات” أطلّت بشكلٍ مقنّع، فكان أن دخل لبنان عبر الحزب على الخطّ تحت عنوان “المُشاغلة”. الأخير هو طفل إيران “التي تريد الاحتفاظ به إلى يوم آخر”، بحسب قول ساتلوف، وذلك ذوداً عن مصالح طهران في الإقليم والعالم.

الحرب.. المُساءلة.. المُحاسبة

في حوار ساتلوف مع “أساس” يتداخل الميداني والسياسي وما سيفضيان إليه من مُساءلة ومُحاسبة. فبحسب ما يراه من تداخل على مساحة الإقليم ما عاد هناك من مصطلح “اليوم التالي”، ذلك أنّ كلّ شيء معلّق على انتظارات ميدانية وسياسية أيضاً. قراءته تبدأ من غزة. منها يمكن قراءة الوضع “إنّما بعد انتهاء العمليات القتالية الرئيسيّة لإسرائيل”. الأهمّ عنده في معاينة الآتي من وقائع “سيعتمد أكثر من أيّ شيء آخر على ما ستنجزه إسرائيل”. أمّا سؤاله الرئيس: “هل تحتفظ حماس بالتماسك التنظيمي والسيطرة على الأراضي أم يتمّ تجريدها من القيادة والسيطرة وتحويلها إلى جماعة إرهابية غامضة؟ كلّ شيء ينبع من هذا السؤال الحاسم”.

إيران التي شقّت طريق صعودها في المنطقة عبر ذراعها الأساس، وهو الحزب، أدخلت مواليها من الجولان إلى اليمن في المعركة لتحجز مقعداً على طاولة التسويات السياسية متى آن أوانها

لا قيادات مؤهّلة “لحل الدولتين”..

خروج “حماس” ومعها الفصائل الفلسطينية المُقاوِمة للدفاع عن حقٍّ مسلوب منذ عقود يعتبره ساتلوف “فاجعة إسرائيل التي ستتركُ أثراً كبيراً على السّياسة الدّاخليّة، نظراً إلى حجم ما جرى فجر السّابع من أكتوبر”. وإذ يقفز عن الإجابة عمّا قد تؤول إليه شؤون وشجون المُحاسبة، فإنّه يستدرك الحرب وما قد تُسفر عنه بالقفز إلى السياسة، معتبراً أنّ “حلّ الدولتين لا يزال قابلاً للتطبيق”، وهو الحلّ الذي قال وزير خارجية إيران إنّ بلاده وتل أبيب ترفضانه وتتقاطعان عن قصد أو بغيره عند رفضه.

الأسبق على مخطّطات تهجير الفلسطينيين عند ساتلوف هو أنّ “حلّ الدولتين هو المصطلح الحديث لفكرة قديمة، وهي مفهوم التقسيم. وقد تمّ اقتراحه لأوّل مرّة من قبل لجنة بيل في سنة 1937″، ولا يزال يمثّل نهجاً قابلاً للتطبيق لحلّ المطالبات المتنافسة على الأراضي في فلسطين التاريخية.

مع تعقّد “حلّ الدولتين” منذ محاولات الرئيس ياسر عرفات ورئيس الوزراء إسحق رابين في التسعينيات ثمّ اغتيال الأخير الذي كان مقتلة علنيّة لعملية السلام وصولاً إلى محاصرة أبي عمّار في مقرّ المقاطعة واستشهاده، وقبلها فشل مبادرة بيروت للسلام، إلا أنّ لساتلوف رأياً مغايراً قوامه أنّ ذلك “ممكن متى وُجدت لدى الأطراف قيادات تلتزم هذا الحلّ”، ويستدرك مُجدّداً مُعترفاً “بوجود عقبات” إنّما على قاعدة “عدم اعتبار عدد المستوطنين هو الأمر الحاسم والمُقرّر، بل الإرادة السياسية عند القيادات”.

الحزب يعمل حصراً لمصالح طهران

الحزب الذي لا يقدّم غير بطاقة تعريف عن ذاته بأنّه “حزب مُقاوم” يرى ساتلوف أنّه فقد هذه الصفة منذ سنوات “وصار يعمل حصراً لمصالح طهران عبر تأمينه منع الهجمات الأجنبية على برنامجها النووي أو النظام بشكل عام”.

الأكثر وجوباً في معاينة التناغم الإيراني مع الحزب، بحسب الخبير الأميركي، هو في التدقيق بمصالح طهران قبل أيّ شيء، ويقول إنّ “من غير المرجّح أن ترغب إيران في تضييع إمكانيات الحزب في حربٍ واسعةٍ مع إسرائيل إلا حين يكون ذلك ضروريّاً لأهدافها الخاصة، لذا في غياب أيّ تهديد مُباشر للدّاخل الإيراني، هناك فرصة معقولة لتجنّب التصعيد على الحدود بين إسرائيل ولبنان”. وباعتقاده أنّ “إيران تريد الحفاظ على الحزب” الآن.

إيران وأميركا مقرّران في الإقليم… وعنه

إيران المُمسكة بأخطبوط يلفّ المنطقة من غزة إلى اليمن “حقّقت عملياً سلسلة من الانتصارات” في 7 تشرين الأول الماضي، على ما يرى ساتلوف. فهي “استفادت من تأخير تحقيق اتفاق التسوية بين السعودية وإسرائيل، وأظهرت ضعف إسرائيل، وعادت قضية الفلسطينيين إلى مركز السياسة الإقليمية”.

إقرأ أيضاً: “أبو عبيدة”: عنوان استعادة فلسطين لأهلها…

على الرغم ممّا حقّقته فقد لجمها “نشر الأساطيل والقوات الأميركية بالمنطقة.. والحزب بالنسبة إليها متروك ليوم آخر… والانتشار الأميركي لجم من تحرّكها”. أمّا الكلام عن مواجهة أميركية ـ إيرانية محتملة، فهذا غير وارد في العقل السياسي للخبير الأميركي، “ذلك أنّ الولايات المتحدة الأميركية أولويّاتها تبدأ في ما يتعلّق بالصين ثمّ أوكرانيا، وفي حال أيّ تطوّر غير محسوب فستواجه إيران بعنف لا يرغب به أحد حالياً”.

كلّ المناوشات التي تباشرها إيران، سواء عبر الحزب أو الحشد الشعبي أو الحوثيين، “تبقى محدودة الأثر”، بحسب ساتلوف الذي يضيف أنّ “طهران في البحر الأحمر لا تدفع ثمنه ولو استمرّ التهديد على خطوط الملاحة البحرية هناك”، لكنّ الخشية عنده تتأتّى من “ألّا يُفلح التحالف الدولي بالقيام بعمل عسكري جادّ يسقط الإمدادات الإيرانية ويستهدف الحوثيين”.

إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية، ومعها إيران، طرفين فاعلين ومؤثّرين ويكادان يقرّران في الإقليم وعنه، إلا أنّ المملكة الأردنية الهاشمية حاضرة جدّاً على المستويات كافّة، ويقول لـ “أساس” في هذا الصدد: “لقد تبنّت الحكومة الأردنيّة حتى الآن استراتيجية تتمثّل في محاولة ركوب “نمر حماس” كوسيلة لحماية استقرار النظام. إنّ المخاطر التي ينطوي عليها الأمر مرتفعة، لكنّ القيادة تتمتّع بسجلّ حافل في فهم ما يلزم للحفاظ على الاستقرار في بيئة معادية وغير مؤكّدة في صداقتها معها”.

لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@

مواضيع ذات صلة

فلسطين 2024: المتاهة الجديدة للفلسطينيين..

خانة السنوات الشداد في روزنامة الفلسطينيين طافحة تتدفّق خارج حدود الموازين، ونصيبهم في أعوام الخير شحيح نادر، تحجبه عقود طويلة من احتلال بغيض نغّص حياتهم…

2023: موسم الهجرة الفرنسية من إفريقيا

يشبه المأزق الفرنسي في إفريقيا اليوم، المشكلة التي واجهتها المملكة المتحدة من قبل في دول الكومنولث، مع شيوع السردية المشكّكة في مستقبلها. فهل تشكّك فرنسا…

أوكرانيا بين الحظّ العاثر واللعنات الثلاث

لم تسِر سفن الحرب الأوكرانية في العام المنصرم كما يشتهي فولوديمير زيلينسكي. الهجوم المضادّ الذي شنّته كييف ضدّ القوات الروسية في الدونباس لم يحقّق أيّاً…

عام الحديد والنار

أطلقنا في “أساس” على العام 2023 اسم “الحديد والنار”. هو عام يختصر كل تاريخنا في هذه المنطقة وحكاية كل الاجيال التي ما عرفت عاماً من…