السعوديّة تقود العودة العربيّة – الإسلامية إلى فلسطين

2023-11-13

السعوديّة تقود العودة العربيّة – الإسلامية إلى فلسطين

مدة القراءة 8 د.


فرض مؤتمر القمّة العربية – الإسلامية المنعقد بالرياض يوم السبت في 11 تشرين الثاني بدعوةٍ من المملكة عودةً كبيرةً إلى فلسطين تحت عنوانٍ واحدٍ كرّره الرؤساء والمسؤولون الحاضرون من سبع وخمسين دولة: وقف إطلاق النار في غزة، وإيصال شتّى المساعدات إلى القطاع بدون قيدٍ أو شرط بكسر الحصار على غزّة، وإمداد القطاع المنكوب بالغذاء والدواء والمياه والطاقة، والانطلاق نحو السلام والدولة.

العنوان الأعلى في كلمة ولي العهد
العنوان الأعلى جاء في كلمة وليّ العهد السعودي الذي رفض الحرب الشعواء والعدوان الوحشي، وطالب بإيقاف الانتهاك والحرب الشاملة ورفض التبرير بالدفاع عن النفس، وأخذ على مجلس الأمن والمجتمع الدولي الفشل في وضع حدٍّ للهجمات المدمِّرة للإنسان والعمران، وبخاصةٍ المستشفيات والمدارس. رفض وليّ العهد السعودي التهجير القسري، وسفك الدم الذي أزهق حيوات عشرات الألوف أكثرهم من الأطفال والنساء: إنّ السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة هو إنهاء الاحتلال والاستيطان والحصار.
لقد كرّر عشرات المتحدّثين كلام وليّ العهد، وبخاصّةٍ المفوّض العامّ للأونروا الذي حضر الاجتماع، وأدلى بتفاصيل عن المذابح وعن مئات الألوف الذين يعتصمون بمدارس الأونروا، في حين تقف المنظمة عاجزةً عن فعل شيء أو الإمداد بشيء ولو بالحدّ الأدنى. الشعب الفلسطيني يحتاج إلى حماية، وتعجز المؤسّسات الدولية حتى الآن عن تأمينها.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس أدلى بتفاصيل عمّا يحدث في الضفة الغربية والقدس. محمود عباس مهتمّ بوحدة الأراضي الفلسطينية، وهو يرى أنّ دعوات السلام ومؤتمراتها تحتاج إلى شريك، وما عاد في إسرائيل شريك، بل هناك مزايدات بين وزراء حكومة نتانياهو في الخطط والممارسات لإلغاء الوجود الفلسطيني ليس في غزّة وحسْب، بل في الضفة والقدس أيضاً.

العنوان الأعلى جاء في كلمة وليّ العهد السعودي الذي رفض الحرب الشعواء والعدوان الوحشي، وطالب بإيقاف الانتهاك والحرب الشاملة ورفض التبرير بالدفاع عن النفس

ميزات قمّة الرياض
ما هي ميزات مؤتمر القمّة العربية – الإسلامية الاستثنائية بالرياض؟
– أوّلاً: المؤتمر هو الأوّل من نوعه منذ قيام جامعة الدول العربية عام 1945، وقيام منظمة المؤتمر الإسلامي (= مجلس التعاون الإسلامي) عام 1969 على أثر إحراق المسجد الأقصى عام 1968. وقد كانت هناك دائماً اختلافات في التوجّه. أمّا في هذا المؤتمر فقد برز صوتٌ واحدٌ أجمع على بيانٍ من 31 نقطة بدون خلافات أو تباينات. هذا التشارك لأوّل مرّة هو إنجاز للمملكة وسياساتها الناهضة.
– ثانياً: لغة المؤتمر هي لغة رجال الدولـة لا رجالات التنظيمات المسلَّحة. وحدهما الرئيس الإيراني والرئيس السوري أشادا بالمقاومة وهجما على أميركا! أمّا الآخرون فكان همّهم إنهاء الحرب، وإنهاء الفظائع، والتظلّم من المعيارين المتباينين لدى المجتمع الدولي والدول الكبرى الغربية. وفي مقابل الكشف عن الظلم الفادح الواقع على غزّة وعلى الشعب الفلسطيني، لا يحشد الرؤساء للحرب المستمرّة على أرض فلسطين منذ خمسةٍ وسبعين عاماً، بل يريدون السلام والحلّ العادل بالدبلوماسية وبالمؤتمر الدولي الذي يعيد النشاط إلى أوسلو والمبادرة العربية للسلام: حلّ الدولتين هو الذي يصنع السلام للشعبين، وليس الحروب المدمِّرة.
– ثالثاً: هناك إجماعٌ على المساعدات الإنسانية. وعشرات الدولة العربية والإسلامية وفي طليعتها دول الخليج بدأت بذلك بالفعل. والمطلوب الإصغاء لنداءات المنظمات الإنسانية الدولية وغيرها، بتحرير المعابر، والإطلاق الكامل لقوافل المساعدات.
– رابعاً: شكّل المؤتمر لجنتين: إنسانية وسياسية، فيهما السعودية وقطر وفلسطين ومصر والأردن وإندونيسيا ونيجيريا وتركيا. هناك إرادة قوية للتحرّك على المستويين، والتواصل من أجل المؤتمر الدولي. يتحدّث البعض عن مؤتمرٍ دوليٍ اقترحته إسبانيا. لكن ليس من المعروف رأي إسرائيل أو الولايات المتحدة. أمّا الاتحاد الأوروبي فيتبنّى السلطة الفلسطينية.
– خامساً: إنّ هذه الخطط كلّها يشغل المفكّرين فيها أمرٌ واحدٌ هو وقف النار. ولذلك سبيلٌ واحد هو مبادلة الأسرى بوقف النار. أمير دولة قطر قال إنّ دولته بذلت جهوداً كبيرةً لهذه الناحية. والمعروف أنّ قيادة حماس في قطر. ويقال إنّه في قطر اجتمع مدير المخابرات الأميركية والإسرائيلية مع رئيس وزراء قطر من أجل ترتيب الصفقة. وقبل أيام جاءت قيادة حماس لمصر، كما زارها أمير دولة قطر قبل مجيئه للرياض لحضور القمّة. وهناك حديث عن تقدّم في المحادثات دفع مدير المخابرات الإسرائيلية للمجيء إلى مصر أيضاً. والحديث عن إطلاق نساء وقُصّر من أسرى حماس، في مقابل نساء وقُصَّر فلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وعندما سئل الرئيس الأميركي بايدن عن حقيقة طلبه ثلاثة أيام من الهدنة للتمكين من إجراء المبادلة الجزئية، قال إنّه طلب أكثر من ذلك. الإسرائيليون يقولون إنّه لا وقف للنار قبل إطلاق سراح المحتجزين. والعرب جميعاً مصرّون على وقفٍ كاملٍ وغير مؤقّت للنار، وتقول حماس إنّ الأسرى العسكريين لن يُطلق سراحهم إلا في مقابل الستّة آلاف مسجون فلسطيني في إسرائيل. فالذي يبدو أنّ المفاوضات بواسطة قطر ومصر والولايات المتحدة تسير باتجاه صفقة أوّلية جزئية في مقابل أسيرات وقُصَّر عند إسرائيل وهدنة مؤقّتة. في حين تغيّر موقف فرنسا إلى المطالبة، مثل العرب والمسلمين، بالوقف الكامل للنار.

– سادساً: أعادت حرب غزّة العرب إلى فلسطين، وهي عودةٌ ذات معالم محدّدة: إنهاء الحرب في غزّة، والمسير باتجاه السلام. وهم مستعدّون للبذل المادّي والسياسي. وفي حين حمل وليّ العهد السعودي ورؤساء آخرون على المجتمع الدولي، فما ذكر الولايات المتحدة بالاسم غير الرئيس الإيراني. وما يزال للولايات المتحدة التأثير الأكبر على إسرائيل، فهل تستطيع الإدارة الأميركية في السنة الأخيرة من عهد بايدن، تطوير آليّات تدخل فيها إسرائيل، أم يذهب المؤتمر الدولي إلى أوروبا بالفعل؟
لقد تساءلنا حتى الآن عمّن يتولّى مؤتمر السلام ومن يشارك فيه، وما هو دور حماس. التأثير الأكبر عليها لإيران، لكنّ قطر وتركيا مؤثّرتان أيضاً. والسؤال عن حماس ودورها مزدوج: عن مستقبلها بغزّة، ومستقبلها ضمن الحلّ الشامل. إسماعيل هنية قال أخيراً بحلّ الدولتين، وقد قال الحماسيون عام 2017 نفس الشيء. بيد أن لا أحد من الغربيين (وليس الإسرائيليون فقط) يريد دوراً لحماس في غزّة، ولا في الحلّ الشامل، في حين لا تُنكَر شعبيّتها ضمن الجمهور الفلسطيني والعربي. قلت إنّه لا أحد في الحاضرين بالقمّة ذكر شيئاً سلبياً أو إيجابياً عن حماس، في حين امتدح “المقاومة” كلّ من الرئيس الإيراني وبشار الأسد.
– سابعاً: يميل معظم حاضري القمّة إلى عدم توسيع الصراع. وهو الأمر الذي ذكره الرئيس نجيب ميقاتي الذي وصف آلام لبنان، وقال إنّ لبنان أراد دائماً الحماية من خلال قرارات الشرعية الدولية ولا يرى مخرجاً غير السلام الذي يفيد لبنان ويفيد القضية الفلسطينية. وإذا كان الأمر كذلك فمن الذي يقاتل بالجنوب على مرأى ومسمع من الجيش اللبناني والقوات الدولية؟!

عودة العرب والمسلمين
قبل مجيء الرئيس الإيراني إلى القمّة بالرياض، كان وزير الخارجية عبد اللهيان قد صرّح أنّ توسّع الصراع صار حتمياً بسبب إصرار إسرائيل على استمرار القتل بغزّة. وتظلّ الاشتباكات بين الحزب والجيش الإسرائيلي على الحدود متراوحة بين السخونة والخفّة، إنّما مساء يوم السبت في 11/11/2023 صرّح غالانت وزير الدفاع الإسرائيلي أنّه إذا أخطأ الحزب التقدير فسيصيب بيروت ما أصاب غزّة. في حين جاء كلام نتانياهو ردَّ فعلٍ على مؤتمر القمّة، فرأى أنّ في القضاء على حماس فائدةً للإسرائيليين والعرب على حدٍّ سواء.

إقرأ أيضاً: مشهد “صلاح الدين”… يظلّل قمّة الرياض

لقد أردتُ في هذا الاستطلاع أن أعرض للقمّة وظلالها. وأهمُّ ما فيها أنّها تمثّل عودةً للعرب والمسلمين إلى فلسطين وملفّها وقضاياها ومشكلاتها، وأنّه بخلاف المؤتمرات السابقة المعنيّة بالقضية الفلسطينية، فإنّ العرب أدخلوا معهم المسلمين، والدول الإسلامية هي أكثر من رُبع دُول العالم. ولا يدفع ذلك للخوف من “تديين” الصراع، لأنّهم جميعاً دعاة سلامٍ واستقرارٍ وتنمية… واهتمام حقيقي بفلسطين. بينما كان البادي سابقاً أنّ إيران هي الدولة المسلمة والوحيدة المهتمّة بفلسطين (!) وقد نافستها تركيا الإردوغانية على حمل الراية. بيد أنّ إردوغان العالي الصوت، صار يفضّل العلاقة بدول الاستقرار والتنمية، بدلاً من الإسلام الثوري الذي يحمل أجندات خفيّة، ويريد الكسب بالحرب. وقد يكون الكسب بالحرب ممكناً إلا في حالة إسرائيل التي يقف معها في حالة الحرب العالم كلّه!

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: RidwanAlsayyid@

إقرأ أيضاً

التسوية: لا ثقة للعرب برعاتها وأطرافها

ما صدر عن القمة العربية في البحرين هو الحدّ الأقصى من العمل الدبلوماسي المنضبط في ظلّ عالم مرتبك شديد السيولة، لا ثقة لدى الدول العربية…

هل توفير الحماية الدّوليّة للفلسطينيّين ممكن؟

سارعت الولايات المتحدة إلى إجهاض الإعلان الأهمّ الصادر عن القمّة العربية في البحرين، الداعي إلى نشر قوّات أممية في الأراضي المحتلّة لحماية الفلسطينيين إلى حين…

هل تتكرّر تجربة عون: انتخاب رئيس قبل عودة ترامب؟

هناك قدرة لبنانية على ربط انتخاب رئيس الجمهورية بكلّ مواعيد الاستحقاقات الخارجية، باستثناء المهل الدستورية اللبنانية لكلّ استحقاق. على رأس هذه الاستحقاقات الخارجية الانتخابات الرئاسية…

كيف تقضي الرأسماليّة الصهيونيّة على قوّة أميركا الناعمة؟

“مرّ الكلام زي الحسام يقطع مكان ما يمرّ أمّا المديح سهل ومريح يخدع لكن بيضرّ والكلمة دين من غير إيدين بس الوفا عالحرّ” (أحمد فؤاد…